قامت ثورة فبراير الشعبية 2011 ضد نظام المخلوع علي صالح، كضرورة حتمية، بعد أن تغول الفساد وطال الفقر نسبة كبيرة من الطبقات الوسطى، فيما بدأت – سياسيا - معالم الانحراف عن مسار وأهداف ثورة سبتمبر الأم 1962، تتضح أكثر فأكثر، حيث تحول كل هم المخلوع لينصب فقط في محاولة تأبيد حكمه والعمل على توريثه بعد أن استباح مناصب الدولة العليا، لاسيما الجيش، لأفراد أسرته ومقربيه.
لذلك، جاءت ثورة فبراير الشعبية 2011، في جزء أساسي منها، كامتداد طبيعي لثورة سبتمبر 1962، التي قامت ضد الفساد والظلم والفقر، والحكم الامامي العائلي الوراثي. بحسب ما أكده ناشطون في ثورة فبراير، تحدثوا لـ"يمن شباب نت"، عن أسباب قيام ثورة 2011 وعلاقتها بثورة سبتمبر المجيدة؟ وما هي السبل الكفيلة لاستمراريتها اليوم في وجه الثورة المضادة؟ وإفشال محاولة الانقلاب الأخيرة على السلطة الشرعية الجديدة التي جاءت بها ثورة فبراير الحديثة.
امتداد طبيعي لثورة سبتمبر
في 26 سبتمبر عام 1962، انطلقت الثورة اليمنية الأم، بعدها خاض الجمهوريون معارك طاحنة مع الملكيين الاماميين لتثبيت الجمهورية الوليدة، استمرت على مدى ثمان سنوات حتى العام 1970، وبعدها بثمان سنوات تقريبا صعد صالح الى السلطة عام 1978، ليحكم البلاد على مدى 33 عاما. وقبل أشهر قليلة فقط من استكمال ثورة سبتمبر النصف قرن الأول من عمرها، جاءت ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية عام 2011، لتطيح به.
وأجمع ناشطون في ثورة فبراير، أن المخلوع صالح حاول الانحراف، عن مسار وأهداف ثورة سبتمبر، بعد استحكامه من السلطة ومفاصلها طوال فترة حكمه التي استمرت 33 عاما، حيث جاءت ثورة فبراير الأخيرة لإنقاذ الثورة السبتمبرية ومسارها الجمهوري الديمقراطي، لاسيما بعد أن تعززت حقائق مساعي صالح تأبيد السلطة بيده وتوريثها داخل اسرته.
وفي هذا السياق، يؤكد الناشط في ثورة فبراير الشعبية وليد العماري أن المخلوع صالح كان قبل فبراير 2011 قد "حول النظام الجمهوري إلى مؤسسة أسرية، عائلية وحول الدولة إلى إقطاعية خاصة به وبعائلته وبقبيلته".
ويضيف، في حديثه لـ"يمن شباب نت": "أنه لا يوجد نظام جمهوري يسمح للحاكم أن يبقى على رأس السلطة أكثر من ثلاثين عاما أو يسمح للحاكم بتوزيع الجيش على أبنائه وأقاربه وأفراد قبيلته"، مؤكدا أنه: "لم يكن من أهداف ثورة سبتمبر توريث الشعب ولا الاستئثار بالسلطة".
وبالتالي يخلص إلى القول إن ثورة فبراير كانت "محاولة جادة لاستعادة أهداف ثورة سبتمبر، وإعادة البلاد إلى المسار الجمهوري السبتمبري، بعد أن تحول النظام الجمهوري إلى مؤسسة أسرية عائلية وتحولت الدولة إلى إقطاعية خاصة"، ما يجعلها (أي ثورة فبراير): ليست إلا امتداد طبيعي لثورة سبتمبر وتعبيرا صادقا على التمسك بأهدافها والسير على نهجها".
ومثله يتفق الناشط الشبابي في ثورة فبراير مانع المطري أن المخلوع صالح "كان قبل ثورة فبراير قد عمل على توريث الجمهورية، وهو ما حرك جموع الشعب لإسقاط هذا المشروع واستكمال تحقيق اهداف ثورة 26 سبتمبر المجيدة".
ويخلص هو الأخر، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى النتيجة نفسها، معتبرا ثورة فبراير "امتدادا طبيعيا لثورة سبتمبر، بعد أن حاول صالح توريث الجمهورية"
تصحيح المسار وتجسيد أهداف الثورة
الناشطة في ثورة فبراير نادية عبدالله، لا تختلف عن زميليها في توجيه الاتهام للمخلوع صالح الذي تقول إنه "كان قد تحول باليمن إلى الملكية تحت مسميات جمهورية". وتضرب على ذلك مثلا بإعلانه "تصفير العداد". في إشارة إلى ما أعلنه قيادي كبير في حزبه، قبل أشهر من اندلاع ثورة فبراير 2011، من أن حزب صالح (الذي يملك الأغلبية البرلمانية) قرر تعديل الدستور بما يتيح له الترشح مجددا للرئاسة، على الرغم من انتهاء فترة حكمه التي مددت أكثر من مرة سابقة.
واعتبرت، ضمن حديثها لـ"يمن شباب نت"، أن "استفراد المخلوع صالح بالحكم لأكثر من ثلاثة عقود أحد شواهد انقلابه على ثورة سبتمبر"، الأمر الذي رأت فيه "انحرافا عن مبادئ أهداف ثورة سبتمبر وانقلابا على هذه الثورة العظيمة".
وأضافت: "لقد اتضح لنا قبل ثورة فبراير مشروع صالح العائلي التوريثي حيث عقد العزم على توريث الحكم لنجله أحمد، وهو ما يعني تحويل اليمن الى ملكية باسم جمهورية".
لذلك، تؤكد أن ثورة فبراير كانت "تصحيحا لمسار الثورة الأم 26 سبتمبر، والعودة إلى أهدافها"، موضحة: "حيث كان جيل فبراير يتطلع الى جمهورية حقيقة وديمقراطية فعلية ونهضة وتطور، لكن بعد التحالف الحوثي مع صالح، تأكد للجميع أن ثورة فبراير جاءت في اللحظة المناسبة لإنقاذ الجمهورية، لاسيما بعد عودة الامامية اليوم إلى الواجهة وعودة الإماميين الجدد".
الناشط الشبابي والإعلامي في ثورة فبراير محمد سعيد الشرعبي بدأ هو الأخر بتأكيد أن المخلوع صالح "انقلب على ثورة سبتمبر 1962"، وبالتالي يؤكد أن ثورة فبراير "كانت في مواجهة انقلاب المخلوع صالح، وسعيه لتحويل النظام الجمهوري إلى نظام عائلي عبر محاولته توريث الحكم لنجله الأكبر بعد تمكين أقاربه من المناصب العليا في الدولة".
وعليه، يضيف، لـ"يمن شباب نت"، معززا حقيقة أن "ثورة فبراير تمثل تجسيدا لثورة 26 سبتمبر 1962، حيث جاء خروج شباب الثورة عام 2011، لحماية الذات والهوية الوطنية، وضد حكم الفرد وعصابة فساده التي نهبت المال العام ودفعت غالبية أبناء اليمن إلى جحيم الجوع".
سبل استمرارية الثورة
يعتقد الشرعبي أن ثورة فبراير "نجحت في إزاحة صالح من الرئاسة، وأنهت أوهام مشروع التوريث ونقلت البلد إلى مرحلة توافق وطني"، لكنه اعتبر منح، من وصفه بالطاغية صالح وأعوانه، الحصانة بأنه "كان خطئا كارثيا، إذ مكنته تلك الحصانة من إبقاء سيطرته على الجيش والأمن، وانقلب لاحقا على الدولة".
وعند هذا المنحنى، ينتقل الحديث عن الدور الذي يجب أن يلعبه ثوار فبراير، وإلى جانبهم كافة القوى والأحزاب السياسية التي شاركت في ثورة فبراير الشعبية، في سبيل الحفاظ على زخمها والعودة بها مجددا إلى مسارها الثوري المستكمل لمسارات وأهداف ثورة سبتمبر.
وفي هذا السياق، يوجه الناشط الشبابي الثوري مانع المطري دعوته إلى ثوار فبراير للدفع نحو "استمرار الفعل الثوري وإن بأساليب وأدوات أخرى من الفعل من أجل الحفاظ على وهج سبتمبر".
ويشدد، في تصريحاته لـ"يمن شباب نت"، على أن هذه المرحلة هي "مرحلة إعادة بناء المؤسسات التي حاول صالح هدمها والاستحواذ عليها، والتأسيس لمرحلة جديدة، مرحلة اليمن الاتحادي الديمقراطي الجديد الذي يجسد الشراكة والمواطنة المتساوية الخالي من الاستعلاء والاقصاء والتهميش".
من جهته أيضا، يدعو الناشط وليد العماري جيل فبراير للعمل الجاد على "سن التشريعات التي تحافظ على أهداف سبتمبر، والسعي لبناء الدولة اليمنية القادرة على مواجهة فلول الإمامة والتعامل بمسؤولية وحزم مع كل الاختلالات التي تعمل على تقويض سلطة الدولة لصالح أشخاص أو مراكز قوى".
وعن هذا الجيل الذي يوجه دعوته إليه: أين هو اليوم؟ وما هي إمكانياته في العمل على تحقيق تلك المطالب في ظل ما أفضت إليه الثورة المضادة مؤخرا من انقلاب على السلطة الشرعية في البلاد؟ يؤكد العماري، لـ"يمن شباب نت" أن شباب ثورة فبراير "هم اليوم الجيش الوطني الضامن لحماية أهداف الثورة وهم هيكل الدولة الاداري القادم الذي يجب أن يضمن للدولة النهوض ويحميها من الانهيار والانتكاسة مجددا".
أما الناشط محمد سعيد الشرعبي فيبدأ بالتذكير أن شباب فبراير هم من "وقفوا ضد الانقلاب على سبتمبر في بداية الأمر بشكل سلمي لأكثر من عام ونصف"، لافتا إلى أن فعلهم الثوري لم يتوقف، بل أن الكثير منهم لجأ اليوم إلى الانخراط في "الكفاح المسلح ضد مليشيا الحوثي وصالح، إضافة إلى من ينشط منهم في مختلف الاتجاهات سواء إعلاميا أو حقوقيا أو اجتماعيا في مواجهة الانقلاب الإمامي".
ويواصل الشرعبي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت" إشادته بشباب ثورة فبراير، الذين يؤكد أنهم "يواصلون منذ عام ونصف درب الكفاح المسلح عبر مكونات المقاومة الشعبية، ومنهم من التحق في الجيش الوطني بهدف تحرير البلاد من مليشيات الحوثي وصالح، وإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة".
ويختتم بالتذكير بالبيئة الصعبة التي يعمل فيها نخبة شباب ثورة 11 فبراير "وسط ظروف قاسية في التصدي للانقلاب حقوقيا وسياسيا في مختلف المحافظات".
وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أن شباب وقوى ثورة فبراير، أثبتوا مؤخرا أن هذه الثورة الحديثة لم تخبوا، بل ازدادت ألقاَ إذ تحولت أكثر نحو تعزيز قيم ثورة سبتمبر، ليس فقط من خلال انخراط معظمهم ضمن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية دفاعا عن قيم ومبادئ ثورتهم الأم، كما أكد الشرعبي، بل وأيضا من خلال ثورتهم التوعوية الأخيرة التي بعثت قيم ومبادئ أهداف ثورة سبتمبر في ذكراها الـ54، حيث سيطرت على القنوات الفضائية المختلفة وغزت منصات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت الألكترونية العالمية، كما أنتشرت في معظم المحافظات اليمنية على نحو لم يحدث مثله من قبل.
