قالت "هيومن رايتس ووتش"، في اليوم الأربعاء، إن مليشيات الحوثي اعتقلت وأخفت قسرا منذ 31 مايو/أيار 2024، عشرات الأشخاص، بينهم 13 موظفا على الأقل في الأمم المتحدة والعديد من موظفي المنظمات غير الحكومية العاملة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
ونفّذ الحوثيون، هذه الاعتقالات التعسفية بينما لا يزال الجوع والعطش منتشرين على نطاق واسع في جميع أنحاء اليمن، بما فيه في المناطق التي يسيطرون عليها، وخلال تفشي وباء الكوليرا مؤخرا، والذي أخفاه الحوثيون لعدة أشهر، استنادا إلى تحقيق جاري لـ هيومن رايتس ووتش.
وقالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته المنظمة اليوم: "يستخدم الحوثيون الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري كأداة سياسية في وقت يفتقر فيه الأشخاص الذين يعيشون في أراضيهم حتى إلى أبسط الاحتياجات الأساسية".
وأضافت: "يتعيّن على الحوثيين إطلاق سراح جميع هؤلاء الأشخاص فورا، حيث قضى كثير منهم حياتهم المهنية في العمل على تحسين بلادهم".
وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 20 شخصا على علم بالاعتقالات، وأربعة محللين يمنيين. حُجبت هوياتهم حفاظا على سلامتهم، لأنهم يخشون الانتقام. راجعت أيضا وثائق وفيديوهات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير إعلامية وتسجيلات صوتية وغيرها من المواد المرتبطة بالاعتقالات.
وأضاف البيان، "لم تقدم قوات الحوثيين مذكرات توقيف عند تنفيذ الاعتقالات، ورفضت السلطات إخبار العائلات بمكان احتجاز المعتقلين، مما يعني أن هذه الأفعال ترقى إلى الاختفاء القسري، واحتجزت هذه القوات المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، دون السماح لهم بالاتصال بمحاميهم أو عائلاتهم".
في 19 يونيو/حزيران، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى "مكتب حقوق الإنسان" التابع للحوثيين لطرح أسئلة تتعلق بالاعتقالات ومخاوف بشأن الغياب الواضح لأي إجراءات قانونية سليمة. لم يرد الحوثيون.
بقدر ما تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديده، لم تُوجَّه أي اتهامات إلى المحتجزين. مع ذلك، لدى سلطات الحوثيين تاريخ طويل في توجيه اتهامات مشكوك فيها إلى الأشخاص المحتجزين، بما فيه التجسس.
ومنذ 10 يونيو/حزيران، أصدرت سلطات الحوثيين سلسلة من الفيديوهات ومنشورات منسقة على وسائل التواصل الاجتماعي في قناة "المسيرة" التلفزيونية التابعة للحوثيين، ومنصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بها. تُظهر هذه الصور عشرة رجال يمنيين احتُجزوا بين 2021 و2023. احتُجِز معظمهم بمعزل عن العالم الخارجي.
تُظهر الفيديوهات الرجال وهم يعترفون بأنهم كانوا يتجسسون لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن هناك خطر كبير في أن تكون هذه الاعترافات انتُزعت بالإكراه. وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا استخدام الحوثيين للتعذيب للحصول على اعترافات. نشر فيديوهات الاعترافات يقوّض الحق في المحاكمة العادلة ويفتقر إلى المصداقية.
رغم أن الحوثيين لم يذكروا إذا كانت الاعتقالات الحالية مرتبطة بالفيديوهات وبياناتهم ذات الصلة بخصوص الكشف عن "شبكة تجسس"، إلا أن مصادر، بما فيه محللون، قالوا إنهم يخشون من أن الحوثيين يحاولون تصوير الأشخاص المحتجزين مؤخرا على أنهم جواسيس.
وأشار المحللون اليمنيون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أبضا إلى دوافع سياسية للاعتقالات. أصدر البنك المركزي اليمني الخاضع لسيطرة الحكومة، في 30 مايو/أيار الماضي، قرارا بوقف التعاملات مع ستة بنوك داخل مناطق الحوثيين رفضت نقل مقراتها إلى عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي".
ومن المحتمل أن يكون للقرار تأثير اقتصادي سلبي كبير على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. قال محللون إن الاعتقالات قد تكون محاولة للضغط على الحكومة اليمنية للتراجع عن القرار.
حالات الاختفاء القسري، التي تحتجز فيها السلطات شخصا ثم ترفض الاعتراف بمكان وجوده أو وضعه عند سؤالها، جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي، ومحظورة في جميع الأوقات بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
جميع المعتقلين يمنيون
وطلب الحوثيون من العائلات عدم التحدث علنا عن احتجاز أفرادها، قائلين في كثير من الحالات إن المعتقلين سيُطلق سراحهم بمجرد انتهاء الحوثيين من استجواباتهم، طالما لم يعثروا على أي شيء.
قال أحد المصادر: "يعلم الحوثيون أنه لن يكون هناك تصعيد دولي بسبب اعتقال اليمنيين، لكن إذا اعتقلوا موظفين دوليين فسيكون هناك تصعيد كبير من المجتمع الدولي".
دعا الأمين العام لـ "الأمم المتحدة" أنطونيو غوتيريش والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى إطلاق سراح جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، كما فعل مسؤولون أمميون كبار آخرون.
لكن بعض المصادر قالت أيضا لـ هيومن رايتس ووتش إن وكالات الأمم المتحدة أو المنظمات التي كان يعمل فيها المحتجزون لم تبذل جهودا للاتصال بعائلات المحتجزين، بما في ذلك الأسر التي تعيش في الخارج والتي كان من الممكن التواصل معها بأمان.
قال مصدر: "لا يمكن الاستمرار في العمل كالمعتاد، المختطفون الذين شاركوا في الاعترافات أمس، لم تكن هناك مطالبة كبيرة بالإفراج عنهم، بالكاد قالت وكالات الأمم المتحدة أي شيء"، في إشارة إلى من ظهروا في الفيديوهات.
وقال محلل سياسي: "رد الفعل الدولي واسع النطاق الذي اتسم بالضعف... أثبت [للحوثيين] أنهم فعلوا الصواب".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه من الضروري للأمم المتحدة والجماعات المستقلة العاملة في اليمن والحكومات المعنية أن تقوم بكل ما في وسعها لضمان إطلاق سراح المحتجزين.
وأضافت،" يتعين على عُمان، التي كانت وسيطا في المفاوضات بين الحوثيين والأطراف المتحاربة الأخرى، العمل مع الدول الأخرى جماعيا لضمان إطلاق الحوثيين سراح المحتجزين".
وقالت جعفرنيا: "ينبغي للمجتمع الدولي بذل كل ما في وسعه لضمان إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص فورا. كان كثير منهم أعضاء مهمين في منظمات المجتمع المدني اليمنية وموظفين في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية".
بناء على مقابلات مع مصادر مطلعة، وجدت هيومن رايتس ووتش أنه منذ صباح الجمعة 31 مايو/أيار، بدأت قوات الحوثيين باعتقال موظفي عدة منظمات غير حكومية، ومداهمة منازلهم ومكاتبهم، رغم أن بعض الاعتقالات جرت قبل ذلك التاريخ. بحسب أحد المصادر، اعتُقل أكثر من 60 شخصا حتى 12 يونيو/حزيران.
في إحدى الحالات، قال مصدر إن الحوثيين احتجزوا أيضا زوج وطفلين – 3 سنوات و9 أشهر – لامرأة تعمل مع إحدى منظمات المجتمع المدني.
في جميع الحالات، باستثناء واحدة، لم تُخبر قوات الحوثيين الأقارب بالمكان الذي أخذت إليه المعتقلين، ولم يتواصل أي منهم مع أفراد أسرهم منذ اعتقالهم، على حد علم هيومن رايتس ووتش. باستثناء حالة واحدة، لم تُخبر السلطات الأقارب بمكان احتجاز أحبائهم عندما استفسروا عن ذلك. ترقى هذه الظروف إلى الاختفاء القسري.
في 18 يونيو/حزيران، قال فولكر تورك إن الموظفين الستة من "مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان" الذين احتُجزوا "لم يتواصلوا مع عائلاتهم، ولم تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إليهم".
وأضاف تورك في بيانَيْن منفصلَيْن أن موظفَيْن آخرَين محتجزان "وكلاهما معزولان عن العالم الخارجي دون... اتباع الإجراءات القانونية الواجبة"، واثنين من موظفي "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو)، "محتجزان منذ ما قبل الاعتقالات الأخيرة".
قال أحد المصادر: "لا أستطيع حتى أن أصف الخوف والقلق الذي كان يشعر به كل هؤلاء الأشخاص على سلامتهم ورفاهيتهم. [رئيس إحدى المنظمات] لم يتمكن من تناول الطعام لأسبوع كامل".
ورغم أن ظروف المختفين لا تزال مجهولة، قالت العديد من المصادر إن الحوثيين لم يسمحوا لأفراد العائلات بإرسال الأدوية اللازمة للمحتجزين، بما فيه الأدوية الطبية الضرورية.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام الحوثيين للتعذيب في الاحتجاز منذ 2015.منذ المداهمات والاعتقالات الأولى في 31 مايو/أيار و6 يونيو/حزيران، واصل الحوثيون اعتقال الأشخاص، مما دفع الكثير من الأشخاص في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن إلى الفرار.
وقال مصدر: "[الجميع في المجتمع المدني] يناقشون ما إذا كان عليهم الفرار، أو الانتقال بشكل دائم. من الصعب حقا إخبار الناس أنهم بحاجة إلى مغادرة صنعاء وأن عليهم الانتقال"، في إشارة إلى العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقال أحد الأشخاص الذين غادروا صنعاء: "رغم أنني استطعت الفرار... لم أستطع النوم... كنت أعاني من نوبات الهلع كل يوم منذ أن فررت من صنعاء... أنا قلق للغاية بشأن أصدقائي وزملائي في صنعاء، الذين ينتظرون أن يعتقلهم الحوثيون".
منذ أواخر 2014، عندما احتلت قوات الحوثيين صنعاء وأجزاء كبيرة من اليمن، احتجز الحوثيون وأخفوا قسرا مئات الأشخاص. وثّقت العديد من المنظمات، بما فيها هيومن رايتس ووتش، استخدام الحوثيين للتعذيب في الاحتجاز.
ليس الحوثيون الوحيدين الذين يرتكبون هذه الانتهاكات. طوال فترة النزاع، ارتكبت جميع الأطراف عمليات اختفاء قسري واعتقالات تعسفية. استُهدف الرجال والنساء بسبب معتقداتهم السياسية والدينية أو عضويتهم في جماعة دينية أو سياسية. كما استُهدف الصحفيين وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام وعمال الإغاثة والمدافعين الحقوقيين.
وخضع بعضهم لمحاكمات جائرة جدا بتهم ملفقة أو تعسفية، واستُخدموا فعليا كورقة مساومة لتبادل المحتجزين. احتُجز العديد منهم بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرضوا للتعذيب، وللمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة.
مداهمات غير قانونية للمنازل واعتقالات تعسفية
ووثّقت هيومن رايتس ووتش حالات 31 شخصا، جميعهم تقريبا موظفي منظمات غير حكومية محلية ودولية ومن الأمم المتحدة، اعتقلتهم قوات الأمن الحوثية بين 31 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران. تقول مصادر تتابع الاعتقالات إن العدد الإجمالي لهذه الاعتقالات يزيد عن 60 شخصا، وربما أعلى من ذلك بكثير.
بقدر ما تمكنت هيومن رايتس ووتش من التأكد منه في الحالات الموثّقة، لم تقدم أي من قوات الأمن أوامر اعتقال أو تفتيش، رغم أنه في حالتين على الأقل بدا أنها قدمت مبررا قانونيا بديلا للاعتقال. اعتقال شخص دون أمر قضائي وتهم واضحة ينتهك المادة 132 من قانون الإجراءات الجزائية اليمني.
واتبعت الحالات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش نمطا متشابها. تصل قوات الحوثي بشكل مفاجئ إلى منازل الذين تنوي اعتقالهم ومعها عدة مركبات مدرعة وحوالي 10 إلى 30 رجلا مسلحا في المتوسط.
في كثير من الأحيان، ترافق القوات امرأتان أو ثلاث من "الزينبيات"، الميليشيا النسائية التابعة للحوثيين. كان جميع عناصر هذه القوات تقريبا يرتدون الزي العسكري وأغطية الرأس والوجه، وأحيانا كانت تظهر أعينهم فقط. في كثير من الحالات، وصلت القوات في الصباح الباكر بينما كانت العائلات لا تزال نائمة.
يقرع عناصر قوات الحوثيين الباب، وبمجرد فتح الباب، يدخلون المنازل فورا ويأخذون أفراد الأسرة إلى غرف مختلفة. في كثير من الحالات، أخذت القوات الأشخاص الذين تريد اعتقالهم إلى غرفة منفصلة واستجوبتهم.
بينما تجري بعض القوات استجوابات، تداهم قوات أخرى المنزل، غرفة واحدة في كل مرة، وتأخذ الكمبيوترات المحمولة والأقراص الصلبة والهواتف الخلوية والوثائق، وفي بعض الحالات النقود والسيارات وغيرها من الأشياء.
في معظم الحالات، عندما كان الشخص المعتقل رجلا، كانت هناك قريبات له أيضا. قالت المصادر إنه رغم وجود الزينبيات، لم تحترم القوات في كثير من الحالات الأعراف الثقافية، حيث بقي عناصر القوات الرجال في نفس الغرفة مع القريبات، وداهموا غرف النساء والفتيات أيضا.
في بعض الأحيان، كان عناصر القوات الرجال يدخلون المنازل التي تعيش فيها النساء دون إتاحة الفرصة لهن لتغطية أنفسهن.في معظم الحالات، استمرت المداهمات والاستجوابات عدة ساعات.
في عدة حالات، قالت مصادر إن قوات الحوثيين كان معها مصوّر. قال أحد المصادر: "كانوا يعملون وفقا لسيناريو معين... وكانوا يبحثون عن تفاصيل لها أي علاقات مع أي جهات فاعلة دولية. راجعوا جميع الصور الفوتوغرافية الخاصة بهم والتقطوا صورا لأي صور كانت لديهم [مع أفراد ذوي مظهر "غربي"]".
الاختفاء القسري والحرمان من الاتصال بالمحامين وأفراد العائلة
في جميع الحالات الموثقة باستثناء حالة واحدة، لم تقدم سلطات الحوثيين أي معلومات حول مكان وجود الأشخاص الذين اعتقلتهم عندما سُئلت، ما يرقى إلى الاختفاء القسري. قال مصدر إنه في عدة حالات، حاول أفراد الأسرة الاتصال بسلطات الحوثيين لمعرفة المكان الذي نُقل أفراد عائلاتهم إليه، أو محاولة التواصل معهم، لكن قوبلت محاولاتهم بالرفض.
لم يُسمح لأي من المحتجزين بالاتصال بمحام، كما مُنع المحامون الذين عينتهم العائلات من الوصول إلى المحتجزين عندما حاولوا التواصل مع سلطات الحوثيين.
وقال قريب أحد المحتجزين: "نريد فقط مكالمة هاتفية. نعلم أنه سيظل محتجزا لفترة طويلة. نريد فقط مكالمة هاتفية منه ليقول إنه بخير".لم يُسمح للعديد من العائلات بإحضار الأدوية اللازمة للحالة الطبية لأقاربهم المحتجزين.
تاريخ من التعذيب والاعترافات القسرية
بسبب احتجاز سلطات الحوثيين المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من توثيق ظروف المحتجزين، باستثناء عدم توفر الأدوية اللازمة لبعضهم على الأقل. مع ذلك، يشكل التعذيب مصدر قلق خطير نظرا إلى أن هيومن رايتس ووتش وثقت تعذيب المحتجزين في السنوات الأخيرة على يد الحوثيين.
في 2018، وجدت هيومن رايتس ووتش أن المسؤولين الحوثيين يعاملون المحتجزين بانتظام بوحشية ، وغالبا بطرق ترقى إلى التعذيب. وصف محتجزون سابقون قيام ضباط حوثيين بضربهم بقضبان حديدية وعصي خشبية وبنادق هجومية.
وقال محتجزون سابقون إن الحراس جلدوا السجناء، وقيّدوهم إلى الجدران، وضربوا أقدامهم بالعصا، وهددوا باغتصابهم أو اغتصاب أفراد عائلاتهم. وصف العديد من الأشخاص تعليقهم على الجدار وأذرعهم مقيدة خلفهم بأنه أحد أكثر الأساليب إيلاما.
واصل "فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن" وجماعات حقوق الإنسان توثيق استخدام الحوثيين للتعذيب منذ 2018. في تقريرهم لعام 2023، ذكر الفريق أن "السجناء المحتجزين لدى الحوثيين يتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي المنهجي، بما فيه الحرمان من التدخل الطبي لعلاج الإصابات الناجمة عن التعذيب الذي أدى لبعض السجناء إلى إعاقات دائمة والوفاة".
منذ 10 يونيو/حزيران، بدأ الحوثيون بنشر وبث فيديوهات تُظهر 10 محتجزين سابقين "يعترفون" بالتجسس. عبّر العديد من الأفراد الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش عن مخاوفهم من أن الفيديوهات، وتصريحات الحوثيين بأنهم اكتشفوا "شبكة تجسس"، ستُستخدم كمبرر للموجة الأخيرة من الاعتقالات والاخفاءات.
في خريف 2021، اعتقل المتمردون الحوثيون موظفين يمنيين سابقين في سفارة الولايات المتحدة في اليمن، وجميعهم، باستثناء واحد توفي أثناء الاحتجاز، ما زالوا رهن الاحتجاز التعسفي دون إمكانية التواصل مع عائلاتهم أو المحامين.
في مايو/أيار 2022، أصدرت "البعثة الديبلوماسية الأمريكية إلى اليمن" بيانا بشأن وفاة عبد الحميد العجمي، الموظف السابق الذي كان محتجزا بمعزل عن العالم الخارجي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وتوفي أثناء احتجازه لدى الحوثيين.
يفترض أن بعض من موظفي السفارة الأمريكية المذكورين كانوا من بين الرجال العشرة الذين ظهروا في الفيديوهات. في كثير من الحالات، كانت هذه هي المرة الأولى التي تراهم فيها عائلاتهم أو تسمع عنهم منذ اعتقالهم.
وتضمنت "الأدلة" المزعومة التي ظهرت في الفيديوهات التي تتهمهم بأنهم جواسيس، خطابات توصية من أصحاب العمل الحاليين أو السابقين، بما فيه السفارة الأمريكية في اليمن، مستشهدة بالمشاريع التي عملوا عليها، والتوصية لهم بالتوظيف والتأشيرات المستقبلية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من صحة الوثائق، لكن لا يبدو أنها تحتوي على أدلة على التجسس.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش وجماعات أخرى، بما فيه "فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن" السابق التابع للأمم المتحدة، استخدام الحوثيين للتعذيب للحصول على معلومات أو اعترافات.
وقال الخبراء في تقريرهم لعام 2020 إنهم "تحققوا من تعرض 14 رجلا وصبي واحد للتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي في ثماني حالات... لانتزاع اعترافات مكتوبة أو معاقبة المعتقلين... مع توجيه اتهامات بالانتماء إلى جماعات سياسية وعسكرية مختلفة".
في بيان صدر في 14 يونيو/حزيران، أكد المفوض فولكر تورك أن "البثّ العلني في 10 و12 حزيران/ يونيو لتصريحات تم انتزاعها في ظروف من الإكراه المتأصّل من زميلنا المحتجز بمعزل عن العالم الخارجي ومن آخرين محتجزين منذ العام 2021 أمر غير مقبول إطلاقا، وهو يشكّل في حد ذاته انتهاكا لحقوق الإنسان".
أزمة إنسانية أوسع نطاقا وحملة الحوثيين على المجتمع المدني
وقالت العديد من المصادر إن الاعتقالات الأخيرة التي نفذها الحوثيون هي أيضا وسيلة لصرف الانتباه عن تقاعسهم المتزايد عن تزويد السكان الذين يعيشون في أراضيهم بالضروريات الأساسية، بالإضافة إلى قرار الحكومة الأخير بنقل الخدمات المصرفية من صنعاء إلى عدن.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد عدة سنوات من المفاوضات الفاشلة، قرر "برنامج الأغذية العالمي" "إيقاف" المساعدات الإنسانية للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وفقا للعديد من الأشخاص في القطاع الإنساني في اليمن، كان الحوثيون يسيطرون على قوائم المستفيدين، وفي بعض الحالات كانوا يستخدمون المساعدات الإنسانية لتجنيد مقاتلين وأطفال لقوات الحوثيين.
وتقول العديد من منظمات الإغاثة الأخرى إنها كافحت لمواصلة عملياتها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب القيود الواسعة ومحاولات سلطات الحوثيين التحكم ببرامجها.
يعتقد آخرون أنه بالإضافة إلى الضغط على الخدمات المصرفية، الاعتقالات هي جزء من حملة قمع أوسع نطاقا على الفضاء المدني في أراضيهم، والرغبة في السيطرة الكاملة على جميع جوانب الحياة، بما فيها المساعدات الإنسانية والتعليم والصحة وأرباح الشركات.
وقال مصدر: "الإغلاق الكامل للمساحات المدنية في مناطقهم مستمر منذ فترة طويلة".
منذ أن استولى الحوثيون على صنعاء في 2014، ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة وحرياتها، وقمعوا حرية التعبير والتجمع، واحتجزوا عشرات الصحفيين والمدافعين الحقوقيين والأكاديميين والمعارضين السياسيين.
حاول الحوثيون أيضا إحكام السيطرة على العديد من القطاعات في أراضيهم، من المؤسسات التعليمية إلى الشركات الخاصة والمنظمات الإنسانية.
قال مصدر: "استولى [الحوثيون سابقا] على ’بنك الإنماء‘، و’مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا‘، و’جامعة آزال‘، و’جامعة الناصر‘، والجامعة الإماراتية الدولية‘، وشركة ’سبأفون‘ للاتصالات، ومئات المؤسسات الأخرى التي استولوا عليها وأعطوها لأشخاص تابعين لهم لإدارتها".
في وصفه لاعتقال موظفي شركتين للأدوية في 9 يونيو/حزيران، قال محلل سياسي لـ هيومن رايتس ووتش: "هذا لا يقتصر على قطاع الشركات الطبية. رأينا ذلك في العديد من القطاعات الاقتصادية داخل صنعاء أيضا، سواء القطاع المصرفي أو قطاع المصانع وما إلى ذلك.
ويحاول الحوثيون أن يسيطروا على الدوائر الاقتصادية، وخاصة في القطاعات الخاصة، ويريدون امتلاك مؤسساتهم الخاصة أو يريدون الأشخاص الموالين لهم بنسبة 100% أن يمتلكوها.
ووصف مصدر آخر أن الاعتقالات الأخيرة للحوثيين ستؤدي إلى "هجرة الأدمغة" بشكل أكبر مما حدث بالفعل خلال السنوات العشر الماضية من النزاع.
وقال يمني يعيش في الخارج: "يبدو كأن حياتنا في اليمن انتهت بعد ذلك. اعتقدت أنني سأعود وأؤسس عائلة هناك، والآن أصبح من الواضح بالنسبة لي أنني لا أستطيع فعل ذلك. لا يمكننا العيش هكذا".