يسقط يمنيون في شراك إعلانات احتيالية تنتشر عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، إذ يستغل النصابون البطالة والفقر المتزايدين، ويوقعون ضحايا من الفقراء يدفعون مبالغ قد تبدو للبعض بسيطة، لكنها كل ما يملكون.
وقع العشريني اليمني عمر أحمد في فخ احتيالي عقب تواصله مع صفحة على موقع فيسبوك تعلن عن منح تعليمية في تركيا، إذ راسل القائمين عليها في عام 2020، من أجل تحقيق حلمه باستكمال تعليمه خارج البلاد، وبالفعل جاءه الرد وطلبوا منه تزويدهم ببياناته الشخصية عبر تطبيق "واتساب".
وبعد إرسالها، يقول عمر، إن شخصا زعم أنه سوري ويمتلك مكتبا للخدمات الجامعية في تركيا، طلب منه تحويل 100 دولار لإتمام إجراءات التقديم لمنحة سيتقاضى في حال قبوله بها، مبلغا شهريا يعادل 350 ليرة تركية (الدولار يساوي 28.92 ليرة في ديسمبر/كانون الأول 2023)، بالإضافة لتأمين السكن والعلاج المجاني، واستدان عمر المبلغ، وما لبث أن ترك الدراسة في معهد اللغة الإنكليزية بصنعاء واتجه لتعلم اللغة التركية على مدى سبعة أشهر بينما ينتظر نتيجة القبول، ولم يدرك أنه تعرض لعملية احتيال مخطط لها إلا بعد أن وصلته رسالة من الشخص ذاته زاعما أنه لم يُقبل بالمنحة، وما تلاها من محاولات اتصال به انتهت باختفائه تماما، ليكتشف عمر أنه وقع في شراك نصاب، لكن الخسارة لم تكن مالية فقط، وإنما نفسية أيضا كما يقول.
وتعد هذه الحالة واحدة من بين 143 جريمة احتيال إلكتروني تعاملت معها وزارة الداخلية بصنعاء خلال العام الماضي، كما جاء على قناتها في تطبيق تليغرام في 23 أغسطس/آب 2023، وتنوعت الجرائم بين تهديد وابتزاز إلكتروني وعمليات نصب واحتيال وانتحال شخصيات واختراق.
استغلال ظروف اليمنيين الصعبة
تلقى العشريني محمد إبراهيم حسن، في 12 يونيو/حزيران 2020 رسالة عبر حسابه على فيسبوك تبشره بفوزه بسيارة من طراز لاند كروزر، من حساب يسمي نفسه الأميرة سارة بنت حمد آل ثاني، ولدى رده على الرسالة تواصل معه شخص زعم أنه أردني ويدعى ماهر الربيع وقدم نفسه على أنه مندوب الأميرة، وما على حسن سوى إرسال صورة من جواز سفره و700 دولار رسوم شحن و500 دولار رسوم جمركية والانتظار لمدة خمسة أيام حتى استكمال الترتيبات، واستجاب حسن بإرسال صورة جوازه لكنه تردد بشأن المبلغ المالي خاصة أنه عاطل عن العمل ولا يمتلك شيئا منه، إلا أن "المندوب" عمل على إقناعه من خلال إرساله لصور السيارة وصورة بطاقته الشخصية، ولم يكتف بذلك بل داوم على الاتصال به من أجل طمأنته، حتى فكر حسن ببيع مصاغ والدته، ثم أرسل له 500 دولار من أجل تصريح الشحن، لتكون هذه أول خطوة للوقوع في شباك المحتال ويكمل: "أقنعني بإرسال باقي المبلغ عبر إرساله قسيمة الشحن للتصدير الى اليمن"، ووصل إجمالي ما حوله عمر إلى 1200 دولار، وانتظر بكل حماس أن تصل إليه السيارة ولكن من بعدها صار يتلقى أعذارا فقط بأن صعوبات في التصدير تعرقل الأمر واستمر على ذلك لشهور حتى يئس حسن وأدرك أنه وقع في مصيدة النصب.
ويتشابه ما وقع لحسن بما واجهه علي عبد الكريم الذي نجا من فخ الاحتيال في آخر مرحلة، إذ وصلت إليه رسالة عبر تطبيق تليغرام تخبره "أن هناك أموالا لمستثمر يمني في أميركا توفي بحادث مروري، واسمك مطابق لاسم عائلة الشخص"، ولم يترك له المتحدث فرصة التفكير طالبا منه أن يرسل جميع وثائقه لأن جميع الإجراءات جاهزة وأن الأموال سيتم تحويلها عبر أي مصرف يتعامل بالتحويلات إلى اليمن، ولكن قبل ذلك يجب أن يرسل ضمانا بقيمة 2000 دولار، ما استوقف عبد الكريم ودفعه لاستشارة بعض الأصدقاء الذين حذروه من احتمالية وقوعه في أيدي أحد المبتزين أو النصابين، ليحظر الرقم حتى أنه حذف التطبيق كاملا، بعد مغادرة مجموعات كان قد اشترك بها لالتقاط أي فرص عمل تنشر فيها، ويعتقد أنها فتحت الباب لمحتالين بالوصول لرقمه.
ويعزو أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز حمود البكاري، استهداف المحتالين النشطين عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لليمنيين إلى معاناتهم من ظروف معيشية صعبة، بسبب البطالة والفقر المتزايدين، إذ وصلت نسبة الفقر في البلاد إلى 80%، ونسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 60% بحسب ما أعلنه وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الشرعية، واعد باذيب خلال المنتدى السياسي رفيع المستوى بشأن التنمية المستدامة في نيويورك بتاريخ 18 يوليو/تموز عام 2023.
هذه الحال، دفعت اليمنيين للتعلق بأي أمل في الحصول على فرصة عمل لتوفير الاحتياجات المعيشية وخاصة الشباب، بحسب البكاري واصفا استغلال هذه الأوضاع المعيشية المتردية لغرض الابتزاز والنصب بالسلوك "غير الإنساني".
احتيال باسم المنظمات الدولية
لم يكتف المحتالون بتزوير صفحات باسم شخصيات ومكاتب فحسب، بل يستغلون الثقة في المنظمات الأممية وبرامج تمكين الشباب من أجل اصطياد الضحايا، ومن النماذج التي رصدها معدا التحقيق، الروابط التي شاع تداولها خلال يوليو 2023، عبر مجموعات على تطبيقات التواصل المختلفة وتحمل اسم "برنامج صندوق تمكين الشباب اليمني"، ويزعم المحتالون عبر إعلاناتهم أن البرنامج يقدم مساعدات وأموالا للشباب اليمني بهدف تمكينهم ويدعونهم إلى التقديم عبر النقر في مكان مخصص.
إضافة إلى روابط تحمل إعلانا حول جائزة مقدمة من منظمة يونيسف، ويمكن المطالبة بالهدية عبر الضغط وإدخال معلومات شخصية، وهو ما حذرت منه منظمة يونيسف باليمن في 31 يوليو المنصرم عبر صفحتها الرسمية، مؤكدة أن ما ينشر حول إطلاقها جائزة هو معلومات زائفة وحذرت متابعيها من السقوط في فخ الاحتيال وقالت: "هذه المحاولات يمكن أن تكون جزءًا من عمليات احتيال أو مساع لاستخدام المعلومات الشخصية للمستخدمين بشكل غير مشروع".
وطال التزوير أيضا البنوك بحسب المحامية تهاني الصراري التي تعمل في مكتبها بصنعاء، مثل بنك اليمن والكويت الذي وجد نفسه مطالب بتسليم جوائز مالية من عملائه الذين وقعوا في شراك صفحة مزورة مماثلة للصفحة الأصلية للبنك، ليبادر البنك إلى التحذير من أن تلك الصفحة مزورة وتسعى لسرقة معلومات العملاء بعد أن يرسلوا بياناتهم سعيا للحصول على الجوائز المالية.
ما سبق، يحذر منه أخصائي الأمن والسلامة الرقمية حمزة الترجمي، موضحا أن برمجيات يستخدمها المحتالون لأجل السيطرة على أجهزة ضحاياهم عبر الروابط المرسلة، وأبرزها ما يسمى بـ"تطبيق الفدية" الذي يشفّر ملفات المستخدم ويسيطر عليها ويطلب من الضحية فدية مالية، وينتمي النوع الثاني إلى تطبيقات التجسس وهي بحسب قوله لا تحتاج من المستخدم سوى الضغط على رابط خبيث عبر أحد التطبيقات ليتمكن بعدها المخترق من الحصول على كافة معلومات الضحية بما فيها حساباته المصرفية ومعلوماته الشخصية وصوره، وهو ما يعرضه لمخاطر السرقة والابتزاز.
و"النوع الثالث والأخطر هو تطبيق key logger"، يقول الترجمي، مشيرا إلى أن هذا التطبيق يسجل كل ما يكتبه المستخدم على لوحة المفاتيح ويرسله للمخترق، ليتمكن الأخير من الحصول على كل المعلومات التي تخص الضحية. ويحذر الترجمي أيضًا مما سماه بـ"هجمات التصيد أو الـFishing" ويفسره على أنه فخ ينصبه المخترق لضحيته بعد بحث عميق، ثم يدس له موقعا مزيفا يحاكي موقعا حقيقيا يقدم خدمة سواء تعليمية أو تسويقية أو خدمات توظيف ومن ثم يدلي الضحية بكل البيانات في ذلك الموقع ويقع ضحية الابتزاز المالي أو الجنسي، وينقل الترجمي تجربة أحد الضحايا الذي تعرض لاختراق بواسطة رسالة بريد إلكتروني تدعوه للتقدم لمنحة دراسية واخترق بمجرد فتح الرسالة واضطر للانصياع لكل طلبات المخترق.
شركات وهمية
تلقت مديرية البحث الجنائي في قسم شرطة العاصمة صنعاء بلاغات متكررة من مواطنين حول صفحات ناشطة على فيسبوك تحت اسم شركة الميسرة، والتي تقدم نفسها على أنها شركة استثمارية وتعمل في التجارة الإلكترونية واستثمار الذهب والأسهم في منصات عالمية، ولدى تتبعها تأكدت المديرية أنها صفحات لشركة وهمية، ونجحت بضبط أحد أفراد العصابة التي تدير الصفحات تلك عن طريق تتبع الحوالات المالية التي أرسلها له الضحايا من أجل "بدء الاستثمار مع الشركة".
وبحسب مصدر أمني في مديرية البحث الجنائي طلب عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، فإن الشخص الذي تم ضبطه كان ضحية أيضا، إذ تم الإيقاع به بعد إيهامه أن ما سيقوم به عبارة عن عمل يتمثل بالتواصل مع المتقدمين واستلام الحوالات منهم، مقابل أن يحصل على نسبة من أي مبلغ يحصل عليه، أما باقي المبلغ فيحوله لأعضاء آخرين في العصابة عبر العملات الرقمية "بيتكوين"، ويؤكد المصدر الأمني أن نشاط الشركات الوهمية صار يشكل ظاهرة متنامية، موضحا أن النصابين ينشطون عبر تطبيق تليغرام.
ومن بين الإعلانات الاحتيالية الموجهة إلى اليمنيين رصد "العربي الجديد" شركة تدعى الميزان الذهبي للاستثمار، تروج عبر صفحة لها على فيسبوك أن الاستثمار من خلالها يحقق أرباحا خيالية خلال 4 أيام، داعية إلى بدء الاستثمار بـ200 ألف ريال يمني (799 دولارا) لتصبح 3 ملايين ريال (11.983 دولارا).
ويعيد المحامي اليمني عبد الرقيب النجار، والذي يعمل في مكتبه بصنعاء، تصاعد حالات الاحتيال الإلكتروني إلى افتقار القانون اليمني لنص صريح لتوصيف تلك الجرائم، موضحا لـ"العربي الجديد" أن النيابة تدرجها كجرائم ابتزاز عادية عقوبتها السجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات وللقاضي سلطة تقديرية في ذلك، مشيرا إلى أن قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، المعروف برقم 1 لسنة 2010 وتعديلاته، لا يصلح لمواجهة الظاهرة، لأنه يعاقب بالحبس ثلاث سنوات لمن يحصل على فائدة مادية لنفسه أو لغيره مستعينًا بطرق احتيالية، كما يعاقب بالسجن خمس سنوات من يرتكب فعل الابتزاز ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من استغل حاجة شخص أو عدم خبرته فحصل منه على مال لا يتناسب مع الخدمة التي قدمها له.
(العربي الجديد)