حمل تصريح المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، لوكالة «اسوشيتدبرس» مؤخرا، تحذيرًا من هشاشة الوضع في اليمن الذي ما زال «برميل بارود» حد وصفه، ما يجعلنا نتوقف في قراءة منصفة للمسافة بين احتمالات استئناف الحرب في اليمن وإمكانات الذهاب للسلام، وما يمكن للأمم المتحدة، ممثلة في مبعوثها الخاص، أن تنجزه على صعيد تحقيق السلام، لاسيما في ظل المآلات المخيبة للآمال في تصدي المنظمة الدولية لعدد من قضايا الصراع في أنحاء العالم.
في المحور الأول سنحاول قراءة تصريح المبعوث الخاص، وصولاً للتعرف إلى مقتضيات طريقي العودة للحرب والذهاب للسلام. وفي هذا يعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز البحوث والدراسات اليمنية، عبدالكريم غانم في حديث لـ«القدس العربي» أن تحذير غروندبرغ تؤكده وقائع على الأرض: «لقد حرص المبعوث الأممي في حديثه لوكالة الأنباء الأمريكية على دق ناقوس الخطر، انطلاقًا من معرفته بحجم المخاطر والتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه هذا البلد، وإدراكه لحجم الهوة بين مواقف الأطراف السياسية، التي تتسم في معظمها باللامبالاة وعدم الاكتراث بمآلات الحرب وتبعاتها».
وأضاف «بدا ذلك جليًا في تهديدات قادة الحوثيين باستئناف القتال، تلك التهديدات التي يبدو أنها أخذت على محمل الجد من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين، وفي مقابل الخطاب الحوثي المتشدد، وما تضمنه من تلويح بالتصعيد العسكري بادرت بعض القوى المنضوية في الحكومة اليمنية، وربما بضوء أخضر من القوى الإقليمية الداعمة لها، باستخدام أوراقها في ابداء الاستعداد للحرب، ومن ذلك، على سبيل المثال: الإعلان عن توحيد قيادة المقاومة الشعبية، وعودة محافظ مأرب، سلطان العرادة، بعد غياب دام نحو عام، بما يمثله من رمزية لصمود مأرب في مواجهة قوات الحوثي».
ويرى غانم أن «خطابات العرادة جاءت تنذر بالاستعداد للحرب، وفي السياق ذاته بدت مواقف وتصريحات طارق صالح، الأمر الذي جعل اليمن يبدو أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة، وهو توصيف لا يبتعد كثيرًا عن الواقع، فإن لم يكن هذا الانفجار عبر الانزلاق نحو الحرب، فعبر انسداد أفق العيش والمجاعة الوشيكة، وخروج البُنى التحتية عن الخدمة، وانهيار الخدمات الصحية وانقطاع المرتبات، وعجز ملايين الأطفال اليمنيين عن الالتحاق بالمدارس، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة لاستقطاب جماعات التطرف العنيف».
ومن وجهة نظره فإن ما يحدث ليس سوى إرهاصات موضحًا: «بعد وصول الجهود الدولية والمفاوضات مع السعودية إلى حالة من الجمود لا يتمناها الحوثيون، الذين يحرصون على تحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية عبر المفاوضات الثنائية مع الرياض، فقد لجأ الحوثيون لرفع وتيرة التصعيد العسكري، لاسيما في جبهات مأرب وتعز ولحج، حيث دفعوا بتعزيزات عسكرية كبيرة، مستفيدين من انسحاب السعودية من الحرب في اليمن، عقب تفاهماتهم الثنائية معها، بما يشكله الانسحاب السعودي من الحرب من اختلال في توازن القوى، على نحوٍ يجعل الهدنة الهشة، غير المعلنة، تبدو عرضةً للانهيار، الأمر الذي يوحي للمجتمع الدولي بأن ثمة حربا وشيكة، وهي في الواقع ارهاصات كاذبة لحربٍ عودتها مستبعدة على المدى القريب».
المحفزات الإقليمية والدولية
ليبقى السؤال قائمًا: ما مؤشرات عودة الحرب في اليمن؟ هنا يعتقد عبدالكريم غانم أن الاحتمال بعودة الحرب في اليمن يبدو ضعيفا أو أقل احتمالا قائلا إن «المحفزات الإقليمية والدولية لعودة الحرب في اليمن تراجعت، في ظل التوجهات السعودية لتصفير النزاعات في محيطها الإقليمي، وتقاربها مع إيران، واستمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، بما تعنيه من ارتفاع غير مسبوق في الطلب على السلاح، وما ترتب عليها من رفع فاتورة الطاقة، وهي تطورات تجعل عودة القتال في اليمن تبدو أقل احتمالًا وأكثر كلفةً، وعلى الصعيد المحلي، من المعلوم أن أطراف الصراع استنفدت جل طاقاتها ومواردها دون أن تتمكن من تحقيق تقدم ميداني ملموس، ولعل ما يريده الحوثيون من وراء التهديد باستئناف القتال هو إحراز مكاسب جديدة، ثمنًا للهدنة التي تبدو في نظرهم مجانية».
الأمم المتحدة.. مهمة شاقة
في المحور الثاني نحاول الوقوف أمام دور الأمم المتحدة وإمكانية أن تنجز حلا في اليمن في ظل ما كانت عليه نتائج العديد من تدخلاتها في قضايا الصراع الدولية هنا وهناك. وهو ما ناقشناه مع الباحث السياسي اليمني، عادل دشيلة، الذي لا يتوقع أن الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ستستطيع أن تقدم الحلول الجذرية لمشاكل اليمنيين أو تحقيق اختراق في الأزمة في ظل ما وصل إليه الملف اليمني من تعقيد.
وقال في حديث لـ «القدس العربي»: «لا أتوقع أن المبعوث الحالي يستطيع أن يحقق اختراقا حقيقيا لإنهاء الصراع في اليمن، لعدة أسباب، أولا: أن المنظمة الدولية ليست مخولة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، بل هي منظمة محايدة، وتقوم بدور الوساطة، وأقصى ما يمكن أن تقدمه هو تقديم الرؤى والأفكار النظرية، ونقل وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة. ثانيًا: أن الأمم المتحدة نفسها تتحدث دائمًا أنها لا تمتلك القرار أو بمعنى آخر لا تمتلك الحل للمشاكل، لكنها تستطيع أن تقوم بدور الوساطة، والوسيط دائمًا قد ينجح وقد يفشل. النقطة الأخرى أن الملف اليمني أصبح معقدا أكثر من أي وقت مضى».
ويعود دشيلة للواقع اليمني الداخلي، متوقفا أمام عدد من العوامل مؤكدا حاجة اليمن في الوقت الراهن إلى وقف فوري لإطلاق النار والدخول في حوار سياسي منوها بأهمية استيعاب الأطراف المحلية لضرورة تقديم تنازلات؛ وهو ما لن يتحقق، ما يجعل مهمة المبعوث الأممي شاقة: «هناك فواعل إقليمية وفواعل محلية لديها مشاريع خاصة، وتريد تحقيق هذه المشاريع بالقوة العسكرية أو بالحوار، وهي مسيطرة عسكريًا على بعض مناطق اليمن شمالًا وجنوبًا ممثلة في جماعة الحوثيين المسلحة وجماعة المجلس الانتقالي.
بالإضافة إلى ذلك أن اليمن في الوقت الراهن بحاجة إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار والدخول في حوار سياسي مباشر، وهذا ما لم تنجح فيه الأمم المتحدة خلال المرحلة الماضية.
لا يمكن أن نتحدث عن الحوار وعن التسوية بدون وقف فوري لإطلاق النار بشكل رسمي في أنحاء البلاد، ووجود الرقابة على مناطق التماس. ثانيا: تقديم تنازلات من الأطراف المحلية وهذا غير متوفر. ثالثا: توقف القوى الإقليمية عن التدخل في الشأن اليمني، وخصوصا القوى التي تمول الجماعات المسلحة ممثلة بالإمارات وإيران، ولذلك ما تزال مهمة المبعوث الأممي شاقة وغير ممكن الحديث أنها ستنجح في الوقت الراهن».
ترويض اليمنيين
لكن ما الذي يمكن أن يتحقق في المرحلة المقبلة؟ يقول دشيلة: «في تصوري الشخصي أن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه أي مرحلة اللا حرب واللا سلم واللا استقرار. وهذا يعني عمليًا ترويض اليمنيين للقبول بالأمر الواقع. فهل في نهاية المطاف ستقوم الأمم المتحدة بالحوار بين الأطراف اليمنية في إطار الجمهورية اليمنية والتمسك بثوابت الدولة الوطنية اليمنية، أم أن هناك محاولات لتجزئة الحل، وتجزئة القضية اليمنية؟ هناك مَن يرى بأنه يجب أن يكون الحوار بين شمال وجنوب وهناك من يرى أنه يجب الاعتراف بالأمر الواقع».
وتابع مدلل على وجهة نظره بفشل مهمة المبعوث الأممي: «إذا كانت الأمم المتحدة فشلت في فلسطين؛ فأكثر من ثمانين قراراً دوليًا لم تحقق السلام في فلسطين بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي. بالإضافة إلى القضية الليبية هناك دول أفريقية أخرى كالصومال وغيرها تدخلت فيها الأمم المتحدة، ولكنها لم تنجح، ولم تقدم الحلول الجذرية للمشاكل هناك، واليمن لن يكون إلا واحدا من هذه البلدان، التي تعاني من الصراعات السياسية والعسكرية».
ويخلص دشيلة إلى أن الخيار والقرار يبقى بيد اليمنيين «أما أن يوقفوا هذه الحرب، وان يعودوا إلى جادة الصواب لتحقيق السلام والأمن والاستقرار لبلدهم شمالًا وجنوبًا، وأما سيبقى الوضع معقدًا مما يجعل المواطن اليمني هو من يدفع الثمن».
يتضح أن مهمة الأمم المتحدة في اليمن ما زالت أكثر تعقيدًا مما نتصور، ويستدعي نجاحها تحقق عوامل عديدة؛ إذ أن ثمة مفاعيل محلية وإقليمية ما زالت تهيئ الأرض لحلول من الصعب تحققها في القريب المنظور؛ لأنها تتنافى مع ثقافة الواقع؛ ما يجعل إمكانية تحقق السلام حاليًا ممكنة وغير ممكنة في آن بالنظر إلى ما يمكن لليمنيين أن ينجزوه باتجاه الذهاب نحو دولة مدنية حديثة تحقق تطلعاتهم في العدالة والمواطنة المتساوية وطي صفحة العنف وتكريس السلام كثقافة حياة وبناء تتجاوز ثقافة الغلبة والقوة لتحقيق مصالح جهوية أو مناطقية أو مذهبية بأي ثمن لا يتغير معها واقع البلد كبيئة خصبة لتجدد دورات العنف.
(القدس العربي)