كشف تقرير عن منظمة هيومان رايتس ووتش، صدر مؤخرا، عن مقتل وإعاقة العشرات من المواطنين في تعز نتيجة الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي والمخلوع صالح في المناطق التي كانت تحت سيطرتهم في تعز.
التقرير أكد أن معظم القتلى والمعاقين والجرحى كان ناجم عن ألغام مضادة للأفراد استخدمها الحوثيون، وهذه الألغام تعتبر من الألغام المحرمة دوليا وفق المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها.
ويلجأ الحوثيون لاستخدام الألغام وزراعتها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم قبل الانسحاب منها، الأمر الذي شكل خطرا حقيقيا على حياة المدنيين، خصوصا وأن زراعتها يتم بشكل عشوائي في الشوارع العامة ومنازل المواطنين والمزارع.
منذ ظهور ميليشيات الحوثي، بداية الألفية، كحركة متمردة تدين بالولاء لطهران، ظهرت معها الألغام كواحد من أبرز الأسلحة التي واجهت بها قوات الجيش منذ اندلاع الحرب الأولى في العام 2004، إذ أقدمت الحركة على زراعة آلاف الألغام في مران وحيدان وبقايا مديريات صعدة، ووسعت من زراعتها في الحروب الخمس الأخرى في كل من حجة وعمران والجوف.
تصرف معادي للحياة والإنسانية
وطبقا للناشط الحقوثي خالد الآنسي، فإن ما تقوم به مليشيات الحوثي والمخلوع صالح من زراعة للألغام في المناطق التي كانت تحت سيطرتها يعد "تصرفا معاديا للحياة والإنسانية".
ويوضح، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت" أن "الألغام التي يزرعها الحوثيون وحليفهم المخلوع لا تستهدف الخصوم فقط وإنما تستهدف الإنسان والحيوان والأرض، أي أن عدائها يتعدى خصومها من المقاتلين إلى العداء للإنسان (طفل، امرأة، كهل)، كما هو أيضا عداء للحيوان وللأرض التي يتواجدون عليها".
وفي حين ينظر الأنسي إلى زراعة الألغام على أنه "تعبير عن رغبة جامحة في الانتقام من المدنيين والعزل من الأطفال والنساء بعد أن عجزوا في مواجهة الخصوم وجها لوجه"، يقرر أن الميليشيات طبقا لهذا السلوك إنما "تكشف عن إدراكها أنها لن تتمكن من السيطرة ولا على الحكم، لذا تتصرف تصرف العصابات التي تعرف أن ليس بمقدورها العودة".
عدن..مئآت الضحايا..و 150 ألف لغم مزروع
بالرغم من أن الأرقام الإجمالية لضحايا الألغام في تعز ماتزال غير متاحة وفقا لتقرير هيومن رايتس ووتش، إلا أن تشير إلى أن "29 شخصا بينهم أطفال ونساء قتلوا بسبب الألغام التي زرعها الحوثيون، فيما تسببت هذه الألغام في إعاقة أكثر من 75 شخصا نتيجة تعرضهم لبتر في أطرافهم".
وفي وقت سابق نشرت وكالة الأنباء الإنسانية "إيرين" تصريحات لمسؤولين في مكتب الصحة العامة بمحافظة عدن، أكدوا فيها إن نحو 98 شخصا قتلوا فيما أصيب 332 نتيجة الألغام التي زرعها الحوثيون في عدن وأبين ولحج خلال العام 2015.
وما يزال هناك حوالي 150,000 لغم مزروع في محافظات عدن ولحج وأبين، بحسب تقديرات خبراء تحدثوا للوكالة، حيث سيستغرق إزالة هذه الألغام ما بين خمس إلى ثماني سنين نظرا للقدرات والتجهيزات المتضائلة ونقص التمويل.
وفي شمال اليمن حصدت الألغام التي زرعها الحوثيون حياة الكثير من البشر، ولم تتمكن المنظمات الحقوقية من رصد معظم حوادث الألغام نتيجة الطبيعة القمعية لحركة الحوثيين المعادي لنشاط المنظمات الحقوقية والإنسانية.
وكمثال على حجم الكارثة التي تخلفها الألغام شمال اليمن، رصدت منظمة "وثاق" اليمنية في 2013 مقتل أكثر من 35 شخصا وإصابة أكثر من 45 آخرين نتيجة الألغام في منطقة واحدة من مناطق محافظة حجة، لا يتعدى عدد سكانها الـ(1000) نسمة فقط..!
وفي المناطق التي تم استعادتها من قبضة الميليشيات، تقوم فرق تابعة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية متخصصة بنزع آلاف الألغام ويتجهون بعد ذلك لإتلافها حتى لايتم استخدامها مرة أخرى في أية صراعات.
حلقة الارتباط بين جماعات العنف
وكما هو الحال بالنسبة للحوثيين في اليمن، منذ انطلاقتهم في العام 2004، اشتهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) بزراعة آلاف الألغام منذ ظهوره في 2013، كواحدة من الأسلحة التي يستخدمها في حروبه للسيطرة أو للدفاع عن تواجده وتمدده.
ويفسر فهد سلطان، وهو باحث وكاتب صحفي، هذا الارتباط، بأن "الجماعات العنيفة والإرهابية لا تقوى على مواجهة المجتمع بصورة مستمرة، بسبب ضعفها وقلة إمكاناتها، وقد يكون بسبب افتقارها للعنصر البشري لمواصلة القتال، لذا تعود لممارسة أعمال إجرامية غاية في البشاعة كما هو الحاصل في عملية زراعة الألغام".
ومع ذلك، إلا أنه يفرق، ضمن تصريحاته لـ"يمن شباب نت"، بين الجماعات العنيفة التي تقوم غالبيتها "بزارعة الالغام في الطرق والمناطق العسكرية أو التي تخوض فيها حرباً مفتوحة مع خصومها"، وبين ميليشيات الحوثي في اليمن، التي يستثنيها بكونها "تقوم زراعة الحوثيين التي في كل مكان، حيث لا فرق لديها بين الشارع والمعسكر ولا بين المنزل والثكنة".
ويستدرك: "لقد زرعوا الألغام على مداخل البيوت والمدارس والمستشفيات، وفي أي مكان يمكن تخيله آمناً أو مقدساً.. إنهم يزرعون بلا هوادة ودون اعتبار لما ستأتي عليه أو من سيكون الضحية".
ويتفق سلطان مع الناشط الحقوقي خالد الأنسي، من حيث أن زراعة الألغام "معركة لا أخلاقية ولا إنسانية وهي دليل عجز تعبر عن عدم القدرة على المواجهة المباشرة إلا في القليل النادر، لذا تلجأ لهذا النوع من الأسلحة التي تقتل من وراء الجدران".
ويذكر سلطان بما شاهده في أحد مقاطع الفيديو، يظهر فيه أحد المنخرطين في صفوف الحوثي وهو يؤكد أنهم قاموا بزراعة 300 لغم أمام أحد مستشفيات، وفي طرق تؤدي إلى المساجد..!
جرائم حرب بلا عقاب
تحظر معاهدة 1997 لحظر الألغام، استخدام الألغام المضادة للأفراد تحت أي ظرف. كما يحظر القانون الإنساني الدولي استخدام الألغام المضادة للمركبات استخداما عشوائيا، أو دون اتخاذ احتياطات كافية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين.
وفي سياق تقريرها الأخير، طالبت هيومن رايتس ووتش ميليشيات الحوثيين وصالح "بالتوقف فورا عن زراعة الألغام وتدمير أية ألغام بحوزتها، وضمان عمل فرق نزع الألغام دون عوائق حتى يتسنى للأسر العودة إلى بيوتها بسلام".
وأكدت المنظمة الدولية أن "هناك حاجة ماسة إلى المساعدات الدولية في اليمن لتجهيز الموظفين وتدريبهم لمسح وإزالة الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب بأسلوب منهجي من المناطق التي شهدت قتالا مؤخرا.
ودعت إلى تقديم التعويض المناسب والمساعدة والدعم للجرحى وأسر الضحايا، بما في ذلك الرعاية الطبية والتأهيل.