باتت صنعاء تنتظر كارثة بيئية (محققة) مع تكدس أكوام القمامة في شوارعها وأزقتها عقب إعلان عمال النظافة استئناف إضرابهم احتجاجا على عدم صرف مرتباتهم ومستحقاتهم السابقة. فيما لوحت أمانة العاصمة بإغلاق الحدائق العامة هذا الموسم من عيد الأضحى بسبب رفض البنك المركزي صرف الرواتب والنفقات التشغيلية.
وتُحكِم ميليشيات الحوثي-صالح الانقلابية قبضتها على السلطة بالعاصمة اليمنية صنعاء منذ اجتاحتها ميليشياتها في سبتمبر 2014، وأكملت انقلابها على السلطة الشرعية لاحقا في مطلع العام الماضي 2015 باحتلال ما تبقى من مؤسسات للدولة. ومنذ ذلك الحين أصبحت الميليشيات هي من تحكم العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى شمال البلاد تحت ما أطلق عليه بسلطة "الأمر الواقع".
واليوم، أصبحت مشاهد أكوام القمامة تملأ الشوارع والأزقة بعد أيام من الإضراب. الأمر الذي صاعد شكاوى المواطنين القاطنين بالعاصمة من تفاقم هذا الحال المزري، وسط عدم اكتراث أو مسئولية من سلطات "الأمر الواقع". حيث لا شيء في الأفق يوحي أن ثمة حلا قادما لهذه الكارثة، سوى تصاعد الخلافات بين المعنيين في أجهزة سلطات صنعاء، ما ينذر بأيام عصيبة على المواطنين في صنعاء خصوصا مع حلول إجازة عيد الأضحى المبارك.
ويزيد من حجم المأساة، تلويح أمانة العاصمة بإغلاق الحدائق أبوابها أمام الزائرين أيام فترة عيد الأضحى المبارك، بسبب عدم صرف المرتبات والنفقات التشغيلية الخاصة بها. بحسب وثائق تؤكد ذلك.
وفي حين قد تبدو هذه الإشكاليات بسيطة، إلا أنها تكشف من ورائها استفحال الأزمة المالية التي ضربت البلاد بسبب السياسات الخاطئة والفاسدة للانقلابين.
عمال النظافة: لن نخدع مجددا
وما يزال عمال النظافة بأمانة العاصمة مضربون عن العمل منذ فترة، نتيجة عدم تسلمهم رواتبهم الشهرية منذ أشهر. وفي وقت سابق تحدث للصحافة رئيس النقابة العامة لعمال وموظفي البلديات والإسكان بصنعاء، محمد المرزوقي، منوها إلى أن الإضراب مستمر حتى إشعار آخر لعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة المتمثلة في تسليم المرتبات والمستحقات التي تم تأجيلها لأشهر.
وقال المرزوقي إنه من الصعوبة بمكان دعوة العمال لرفع الإضراب قبل استلام المستحقات، لأنه سبق وأن تم إعلان إضراب سابق وتعليقه بناء على وعود تبخرت في الهواء، وفق قوله، موضحا: "لقد علقنا إضرابنا على أساس أن المرتبات والمستحقات ستصرف الأحد الماضي لكن ما يؤسف له أن أمانة العاصمة وإدارة صندوق النظافة لم يوفون بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه".
خلافات وأزمة مسئولية
وعلى الرغم من دخول الإضراب أسبوعه الثاني، إلا أنه لم يبدر أي تحرك عملي حتى الأن من قبل السلطة المحلية بأمانة العاصمة، أو حتى ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" الذي أنشئ مؤخرا بالمناصفة بين شريكي الانقلاب بهدف إدارة البلاد، والذي لجأت السلطة المحلية بالأمانة إلى تحميله المسئولية، من خلال دعوته الى التدخل العاجل لدى البنك المركزي لصرف رواتب عمال النظافة قبل فوات الأوان.
وتثبت وثائق نشرتها الإدارة العامة للتوعية البيئية بأمانة العاصمة على صفحتها الخاصة بـ"الفيسبوك، وأطلع عليها "يمن شباب نت"، وجود أزمة إدارة وتنصل عن المسئولية تتصاعد وراء الكواليس، تقف من ورائها - بدرجة رئيسية - أزمة مالية خانقة في البلاد، يبدو أن أول ضحاياها هم هذه الشريحة الأضعف في البلاد من عمال النظافة، الذين لم يجد هؤلاء المسئولون الطارئون غيرهم لتحميلها على كاهلهم، ربما كمرحلة أولى ستتبعها قريبا مراحل أخرى، بحسب تحذيرات معظم المراقبين والمحللين الاقتصادين.
وتؤكد تلك الوثائق، التي يعيد "يمن شباب نت" نشرها ضمن هذا التقرير، رفض البنك المركزي اليمني صرف مرتبات شهر أغسطس الماضي لعمال النظافة حتى الأن، رغم وعود سابقة بصرفها أدت إلى رفع إضراب سابق لعمال النظافة، قبل أن يعود مجددا بسبب عدم الإيفاء بتلك الوعود.
اتهامات مبطنة للبنك المركزي
وتشير إحدى تلك الوثائق، وهي عبارة عن تفريغ لمضمون رسالة رفعها كل من أمين العاصمة عبدالقادر هلال، ونائبه أمين جمعان، إلى رئيس ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، القيادي الحوثي صالح الصماد، طالباه فيها بالتدخل العاجل لعمل حلول لصرف مرتبات عمال النظافة وعمال الحدائق، وعمل حلول لصرف الرواتب في موعدها المحدد نهاية كل شهر تفاديا لمثل هذه الإشكاليات والإضرابات.
وبحسب الوثيقة، أكدت رسالة هلال وجمعان، أن البنك المركزي يرفض صرف الرواتب "بالرغم من أن رصيد الصندوق يغطي تلك المبالغ من موارده الذاتية وموارد السلطة المحلية بالأمانة". الأمر الذي يوحي – ضمنا - باتهامات بالتلاعب بموارد صندوق النظافة من قبل الجهات المتحكمة بقرار البنك المركزي بصنعاء.
ومن المعروف أن صندوق النظافة بأمانة العاصمة يدر أموالا طائلة، إلا أن رفض البنك صرف مرتبات العاملين في هذا القطاع، يوحي أنها تصرف في مصارف أخرى غير تلك التي يحددها قانون إنشاء الصندوق.
وتتهم قيادات الانقلابين باستنفاذ سيولة البنك المركزي والعبث بها وسحبها للصرف على ما يسمى بـ"المجهود الحربي"، لإدارة المعارك المسلحة التي تخوضها في طول البلاد وعرضها منذ انقلابها على السلطة قبل أكثر من عام ونصف.
ومنذ أشهر، يمر البنك المركزي بأزمة سيولة كبيرة، نتيجة السياسات الإدارية والاقتصادية الخاطئة والفاشلة والفاسدة أيضا، طبقا لمسئولين في الحكومة الشرعية، يتهمون الميليشيات الانقلابية بانتهاجها وممارستها منذ انقلابها على السلطة، على الرغم من تدخل خارجي أوروبي وغربي بضرورة تحييد البنك المركزي عن الصراع السياسي الدائر في البلاد.
تخوف من بقاء القمامة واغلاق الحدائق في العيد
وعبر أمين العاصمة ونائبه عن خشيتهما بأن تبقى العاصمة طوال فترة العيد بلا نظافة، محذرين من أنه حتى لو تم صرف المرتبات قبل فترة إجازة العيد بيوم أو يومين فإن ذلك لن يجدي نفعا في رفع المخلفات نظرا للكميات الكبيرة للمخلفات التي تتكدس بمديريات الأمانة وما يترتب عليها من أضرار بيئية وصحية.
كما لوح المسئولان في السلطة المحلية بالأمانة، بإغلاق الحدائق خلال فترة عيد الأضحى في حالة استمرار البنك المركزي رفض صرف الرواتب والنفقات التشغيلية الخاصة بها. وجاء في الرسالة "مع العلم أن الحدائق بأمانة العاصمة ستغلق أبوابها خلال أيام فترة عيد الأضحى في حالة رفض البنك المركزي صرف الرواتب والنفقات التشغيلية لهم".
مراوغة البنك المركزي
وتكشف الوثيقة الأخرى المنشورة عبر صفحة إدارة التوعية البيئية بالأمانة، وهي عبارة عن تقرير موجز رفعه المدير العام التنفيذي بصندوق النظافة والتحسين إلى أمين عام العاصمة، عن نتائج تكليفه بمتابعة حل إشكالية النظافة وإضراب العمال، عن مراوغة البنك المركزي في دفع مرتبات العاملين في قطاع النظافة.
وبحسب التقرير، الذي حمل عنوان "بلاغ عاجل"، فإن العمال رفعوا اضرابهم السابق بعد جهود كبيرة تكللت بصرف مرتباتهم السابقة لشهر يوليو، إلا أن البنك عاد لاحقا ورفض دفع المرتبات والأجرة اليومية للعاملين لشهر أغسطس الماضي.
وحذر المدير التنفيذي لصندوق النظافة "من عدم القدرة على تدارك الأمر وإخلاء المسؤولية عن نتائج إضراب عمال النظافة"، منوها في هذا الصدد إلى أن الأمانة "لم تتعافى بعد من آثار الإضراب السابق وما ترتب عليه".
وعبر المدير عن خشيته من أن تبقى أمانة العاصمة طوال فترة العيد بلا نظافة حتى لو تم صرف المرتبات قبل إجازة العيد بيوم أو يومين فإن ذلك لن يجدي نفعا في رفع المخلفات نظرا لكمية المخلفات الموجودة.
وإلى جانب القضية الأساسية التي كلف المدير التنفيذ للصندوق بمتابعتها (قضية إضراب عمال النظافة)، اشار التقرير، إلى: "أن البنك يرفض منذ شهرين صرف مستحقات موردي الديزل وقطاع الغيار وتغذية الحيوانات بحديقة الحيوانات وأدوات النظافة وكافة التزامات الصندوق تجاه الإدارات المعنية".
وإجمالا يتضح أن مضمون الرسالة التي رُفعت من أمانة العاصمة إلى ما يسمى بـ"رئيس المجلس السياسي الأعلى" لإدارة البلاد، رفعت بناء على ما ورد في التقرير المرفوع من المدير العام التنفيذي لصندوق النظافة والتحسين.
وعلى ما يبدو، من نشر هذه الوثائق من قبل أمانة العاصمة، أن هذا المجلس السياسي، لم يحرك ساكنا إزاء هذه المشاكل حتى الأن، برغم مخاطبته من قبل المسئولين في أمانة العاصمة بطبيعة الإشكاليات الرئيسية. الأمر الذي يفسر سبب لجوء الإدارة العامة للتوعية البيئية بأمانة العاصمة لنشر تلك الوثائق على صفحتها الرسمية بالفيسبوك، وذلك على ما يبدو بهدف إخلاء مسئولية الأمانة كجهة مسئولة بشكل مباشر عن النظافة وإدارة الحدائق العامة، وتحميل تلك المسئولية على هذا المجلس السياسي.
ومن المؤكد أن هذا الأخير لن يكون قادرا على عمل شيء إزاء هذه النتائج الكارثية، طالما وأنها أحد النتائج الطبيعية الأقل كارثية، للأزمة المالية المستفحلة التي ضربت الاقتصاد اليمني جراء السياسات الإدارية الفاشلة واللامسئولة.