كتب الفريق جريمي لامب، القائد السابق للقوات الخاصة البريطانية، مقالا، أمس الجمعة، في صحيفة التليجراف البريطانية، تحت عنوان "المعركة الدامية في اليمن تظهر عزم إيران للسيطرة على الشرق الأوسط"، أوضح فيه كيف أن إيران حريصة على النجاح في معركتها في اليمن من أجل تغيير خارطة السيطرة في الشرق الأوسط واستبدال النظام القديم بنظام جديد بحيث يسهل لها فرض هيمنتها على المنطقة.
وتطرق إلى علاقة ميليشيات الحوثي الشيعية في اليمن بالإستراتيجية الإيرانية التي تسعى لتحقيقها في المنطقة، معتبرا أن هذه الجماعة، وقائدها المؤسس، ليسو سوى مجرد بيادق في لعبة شطرنج أوسع تهدف في النهاية إلى فرض السيطرة الإيرانية على الشرق الأوسط.
وحذر جريمي الغرب من هذه الاستراتيجية الإيرانية الخطيرة، ودعاه إلى ضرورة أن يفهم أن تدخل إيران في اليمن هو جزء من صراع إقليمي أوسع نطاقا "إنه واحدة من المعارك التي تأمل طهران الفوز بها للإطاحة بالنظام القديم واستبداله بأخر يسهل لها وضع يدها بشكل أفضل للهيمنة على المنطقة" كما قال.
قسم الترجمة بـ"يمن شباب نت" ترجم المقال، وينشره هنا بالكامل:
نهاية الأسبوع الماضي أدعى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي استهدف مركز تجنيد للجيش في اليمن، مما أسفر عن مقتل ما بين 25 و 60 من القوات الموالية للحكومة. إن هذا الهجوم، وهو واحد من عدد من الحوادث المتصاعدة التي يتم تنفيذها من قبل عدد من اللاعبين الذين يتنامون بشكل متساوِ، يعد علامة واضحة، مع استمرار تفاقم النزاع في اليمن، على أن الآثار المترتبة على العالم الغربي أصبحت الآن أكثر خطورة.
في حين أن جذوره يمتد إلى عدة قرون، إلا أن الصراع الحالي يعود إلى العام 2004 وانتفاضة حسين بدر الدين الحوثي، وهو زعيم قبلي عسكري وديني وسياسي للشيعة الزيدية. وبعد وفاته في العام نفسه، واصلت عائلته الحملة ضد الحكومة عبر أكثر من خمسة حروب حوثية. وعند إعادة دفن رفات-حسين، الذي حصلت عليه بعد تسع سنوات ونيف لاحقه، قال أحد مشايخ القبيلة "إن تلك المراسيم لم تكن جنازة، إنها في واقع الأمر كانت عبارة عن اجتماع يهدف الى إبراز القوة".
كان حسين، بحسب تخميني، مجرد بيدق في لعبة أوسع، واحدا من الذين تمت السيطرة عليهم من قبل استراتيجية إيران الإقليمية الشيعية لزرع الفتنة عن طريق دعم المجموعات المحلية المسلحة المتمردة. ومع وجود المملكة العربية السعودية السنية في الطرف المقابل من المعركة للدفاع عن مصالحها الخاصة، أصبح الحوثيون أحد أعراض المرض الجيوسياسي الأوسع الذي تعاني منه المنطقة بأكملها.
إن مأساة اليمن تكمن في أنه أصبح، على مدى عقود، منطقة نفوذ متنازع عليه. ومقامروه السابقون كانوا أبطال شطرنج القوى والأمبراطوريات العظمى: الشرق ضد الغرب، الشيوعية مقابل الرأسمالية. واليوم هناك المذهب الشيعي المدعوم من إيران مقابل الحالة السنية الراهنة، لخلق نظام جديد صاعد ضد النظام القائم.
وثمة أيضا تفاوتا حقيقيا يبرز في الطريقة التي يتصرف بها الطرفان نفسيهما في الصراع. فالقوات الحكومية الشرعية تعمل على مرئ من الجميع. فهم مدعومون من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية، وكذلك الدول الغربية الرئيسية بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتحظى بدعم من ممثل الامم المتحدة.
وعلى هذا النحو، فإن أي إجراء يتخذ من قبل الجيش وقوات التحالف لدعم حكومة الرئيس عبده ربه منصور هادي المعترف بها دوليا، يكون أكثر عرضة للتمحيص والملاحظة.
أما موقف المتمردين الحوثيين الشيعة، من ناحية أخرى، فهو أقل شفافية. فيد إيران الباردة هي المسيطرة في هذه الحرب أكثر مما هو مفهوم عموما، من ذلك الفهم الذي لا يتمنى الجنرال الإيراني قاسم سليماني، رئيس الحرس الثوري، أن يتغير. أحد الاعترافات النادر من طهران أنها متورطة في الصراع جاء في مارس/اذار عندما قال العميد مسعود جزائري أن طهران مستعدة لمساعدة المتمردين الحوثيين "بأي طريقة ممكنة، وإلى أي مستوى ضروري مهما كان" ضد قوات التحالف التي تقودها السعودية.
كما أن طهران أيضا يشتبه بضلوعها الوقوف وراء رفض الحوثيين مؤخرا خطة السلام التابعة للأمم المتحدة لمصلحة إنشاء "المجلس السياسي الأعلى" الخاص بهم لتحدي الحكومة الشرعية. أما الأكثر إثارة للقلق فهو الدور الذي يُعتقد أن إيران تلعبه في تقديم المشورة للحوثيين فيما يتعلق بتكتيكات القتال في ساحة المعركة.
استخدام الجنود الأطفال من قبل الحوثيين تم توثيقه جيدا؛ تم إدراج الجماعة على "قائمة العار" للأمم المتحدة من 57 جماعة مسلحة في عام 2011، حيث كان الأطفال يشكلون ما يُعتقد أنه 20 في المائة من المجندين فيها، وأرتفع في عام 2015 إلى نحو 30 في المائة، وفقا لمنظمة اليونيسيف. كما أن استخدام الدروع البشرية المدنية من قبل المتمردين مستمر من خلال تموضع وحدات المتمردين جنبا إلى جنب البنية التحتية المدنية. كما أن مراسلون بلا حدود تضع المتمردين الحوثيين في المرتبة الثانية بعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إختطاف وقتل الصحفيين. "تقتضي الضرورة" أن تبدو الاستراتيجية الإيرانية قابلة للتطبيق من أجل أن يحظى المتمردين الحوثيين بدعمها.
لذا فإن الدعم الذي يتمتع به الحوثيين من جارتهم الشمالية إيران هو حقيقة راسخة، سواء كان سياسيا أو دعائيا موجها أو معنوي، إلى جانب التدريب العملي – عبر مستشارين متخصصين – على الأسلحة، والشعائر التعبدية المذهبية أم الدعم المالي. وبدون ذلك الدعم، فإن حالة التمرد ربما كانت ستذوي.
وعلاوة على ذلك، يجب أن ينظر إلى تورط إيران في اليمن في سياق أوسع من استراتيجيتها في تحدي وضعية الشرق الأوسط الحالية عن طريق توليد الاضطرابات، التي تسمح له بالتالي للمناورة والاستفادة من خلال نتائج تلك الاضطرابات. إن القوات العسكرية الإيرانية ووكلائهم تثير الإضطرابات في العراق وسوريا، في حين أن لديهم وكلاء آخرين ذوو باع وتاريخ طويل من التدخل في لبنان وغزة. كما أن هذه القوات من المرجح أن لا تغادر المنطقة بعد أن يتم دفع التهديدات المباشرة، مثل داعش، والقضاء عليها أو إزاحتها من الواجهة، بينما نحن، الغرب، سوف نمضي ونغادر المنطقة.
وفي أماكن أخرى من الخليج - في دول مثل البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية – تثير إيران الاضطرابات والتوترات الدينية على نحو مكثف ونشط، لتترك الساحة مضطربة ما يتيح الفرص لتكاثر وتنامي المشاكل.
إن اليمن قد لا تكون أولوية ومحط الاهتمام في الوقت الحالي – إذ أن هذا الشرف يصب على عاتق العراق وسوريا حاليا. إلا أنه مع ذلك، سيتعين على الغرب أن يفهم أن تدخل إيران في اليمن هو جزء من صراع إقليمي أوسع نطاقا، إنه أحد المعارك التي تأمل طهران الفوز بها للإطاحة بالنظام القديم واستبداله بأخر يسهل لها وضع يدها بشكل أفضل للهيمنة على المنطقة.