استبقت جماعة الحوثيين بدء المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، هانس غروندبرغ، مهماته، بتوجيه رسائل سلبية عبر الوعيد بتوسيع رقعة العنف لتشمل كافة المحافظات الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً، وعدم الاكتفاء بالهدف السابق المتمثل في محافظة مأرب وحقولها النفطية والغازية، كما يترافق ذلك مع استئناف الهجمات على الأراضي السعودية، بما في ذلك إعلان التحالف العربي، أمس السبت، اعتراض وتدمير طائرة مسيرة مفخخة أطلقها الحوثيون باتجاه السعودية، هي الثالثة خلال 24 ساعة.
ومن شأن تصعيد الحوثيين تعقيد مهمة غروندبرغ، الذي يتسلم منصبه رسمياً اليوم الأحد، بعد نحو شهر من تعيينه خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث، والرامية لإقناع الحوثيين بالإنصات لدعوات السلام ووقف الهجوم على مأرب، بشكل أكبر من السابق.
ويبدو أن تجربة حركة طالبان في أفغانستان قد فتحت شهية الجماعة الحليفة لإيران للانقضاض على كامل التراب اليمني. لكن نظراً للإنهاك الذي تعاني منه جماعة الحوثيين، خصوصاً في ظل عجزها عن حسم معركة مأرب، سيكون من الصعوبة، في المدى القريب، ترجمة التهديدات الأخيرة على أرض الواقع.
ووفقاً لمراقبين، فإن التصريحات التي أطلقها عبد الملك الحوثي، أواخر الأسبوع الماضي، والتي أعلن فيها أن جماعته "حسمت قرارها بتحرير اليمن واستعادة كل المناطق التي احتلها التحالف"، مجرد خطوة للأمام، تهدف إلى رفع سقف مطالبها من الأمم المتحدة قبل الالتقاء بالمبعوث الجديد خلال الأيام المقبلة.
واعتبرت مصادر مقربة من المشاورات اليمنية أن التصعيد الحوثي الأخير في مأرب "يحمل رسائل غير مشجعة" للمبعوث الجديد، ومن شأنه إضافة مزيد من التعقيدات لفرص إحياء مشاورات سلام متعثرة منذ منتصف عام 2016. وأشارت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أنه من المقرر أن يعقد غروندبرغ خلال اليومين المقبلين سلسلة لقاءات مع طرفي النزاع اليمني في الرياض ومسقط، وذلك قبيل تقديم إحاطته الأولى أمام جلسة لمجلس الأمن الدولي في 10 سبتمبر/ أيلول الحالي.
منذ فجر الإثنين الماضي، دشنت جماعة الحوثيين جولة عنف جديدة على محافظة مأرب النفطية التي تحاول اجتياحها منذ أكثر من عام، وذلك عبر شنّ هجمات برّية مكثفة من محاور مختلفة، بالتزامن مع استئناف الهجمات الصاروخية في العمق السعودي، وهي المحاولة الثالثة للجماعة خلال العام الحالي، والخامسة منذ بداية الزحف نحو منابع النفط والغاز منتصف العام الماضي.
ووفقاً لمصدر عسكري في المنطقة العسكرية الثالثة التابعة للشرعية بمأرب، فقد تركزت الهجمات الحوثية الجديدة من جبهات صرواح ومدغل غربي مأرب ورحبة في الجهة الجنوبية، فضلاً عن هجوم عنيف من اتجاه جبال الشهلا في صحراء الجوف.
وأسفرت هجمات الأيام الماضية التي حضّر لها الحوثيون منذ منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي عن تحقيق اختراق ميداني جزئي في مديرية رحبة، وذلك باستعادة السيطرة على مدينة الكولة، مركز المدينة التي كانت الجماعة قد خسرتها بالتزامن مع معارك الزاهر في البيضاء، قبل نحو شهر ونصف الشهر.
وفيما أقرّ المصدر العسكري الحكومي بخسارة مركز مديرية رحبة لصالح الحوثيين، أكد في حديث لـ"العربي الجديد" أنه لم يطرأ أي تغيير جوهري في خريطة السيطرة بجبهة صرواح، حيث تستمر المعارك بين كرّ وفرّ في تلة الحمّة الواقعة بمنطقة الكسارة.
ونفى ما تداولته وسائل إعلام تابعة للحوثيين بشأن السيطرة على جبال الشهلا بمحافظة الجوف، لافتاً إلى أن تلك السلسلة الجبلية الاستراتيجية الواقعة ضمن نطاق جبهة العلم الصحراوية مؤمّنة بالكامل، نظراً لأهميتها في تحصين حقول النفط بمنطقة صافر. وتعرض الحوثيون لنزيف بشري واسع خلال الهجمات الجديدة، ووفقاً لبيانات التشييع التي تم رصدها من وسائل إعلام حوثية، فقد شيّعت الجماعة 60 عسكرياً، بينهم قيادات رفيعة، منذ يوم الإثنين الماضي فقط، ويرجّح أن يكون الرقم الحقيقي للقتلى أعلى من ذلك بكثير، خصوصاً أن القنوات الحوثية تحرص على بث بيانات تشييع القيادات الرفيعة.
وأدى طيران التحالف دوراً محورياً في إحباط الهجمات الحوثية غربي مأرب ومضاعفة خسائرها البشرية، وبلغ عدد الغارات المعلنة التي ذكرتها قناة "المسيرة" الناطقة بلسان الجماعة أكثر من 126 غارة جوية منذ منتصف الأسبوع الماضي وحتى مساء أول من أمس الجمعة، في معدل قياسي مقارنة بالضربات التي كان الطيران الحربي يشنها منذ بدء جولة العنف الحالية. وعلى الرغم من الإسناد الجوي المكثف إلا أن القوات الحكومية تكبّدت هي الأخرى خسائر بشرية. وكشف مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" أن عدد قتلى الجيش الوطني ورجال القبائل بلغ أكثر من 25 مقاتلاً، سقط غالبيتهم في مديرية رحبة التي استعاد الحوثيون مركزها الرئيسي في اليومين الماضيين.
وفي ظل فشلها في حسم معركة مأرب لن يكون بمقدور جماعة الحوثيين ترجمة التهديدات بغزو مدن جنوبية مثل شبوة أو حضرموت على أرض الواقع، وذلك نظراً للعجز الكبير في العنصر البشري، وفقاً لمصادر مقربة من الجماعة. كذلك ساهمت الخبرات المتراكمة للجيش اليمني ورجال القبائل في إحباط الهجمات اليومية على أكثر من محور.
وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الاستنزاف الذي حصل لجماعة الحوثيين في مأرب جعلها تستجدي زعماء القبائل بشكل ملحّ خلال الفترة الماضية من أجل مدّها بمقاتلين، لافتة إلى أن القوة العسكرية للجماعة في الوقت الراهن تكمن في الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، وليس في العنصر البشري.
ويرفض الحوثيون الاتهامات بالفشل العسكري في معركة مأرب، ففي أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي، ذكر المتحدث الرسمي للجماعة، محمد عبد السلام في تصريحات صحافية، أن المعارك في مأرب لم تتوقف وأن الكثير من مديرياتها قد سقطت، وفيما أشار إلى أنها منطقة واسعة، ومعتبراً أنه "طالما هناك عدوان وحصار فإنه من حقنا الدفاع والهجوم بكل ما نستطيع من قوة".
لكن خلافاً للتفاؤل الذي أبداه المتحدث الحوثي بالمكاسب التي حققتها الجماعة، على الرغم من أنها لا تمثل أي أهمية استراتيجية مقارنة بحقول النفط والغاز التي ما زالت تحت قبضة القوات الحكومية، فإن عضو وفد الجماعة المفاوض، عبد الملك العجري، اعترف في تصريحات صحافية، أواخر الشهر الماضي، بصعوبة معركة مأرب، لافتاً إلى أن التقدم فيها مستمر وإن كان يتم ببطء.
وقال القيادي الحوثي: "منذ البداية، كانت تقديراتنا تفيد بأن معركة مأرب لن تكون سهلة، ولم نحدد وقتاً لحسمها بقدر ما حددناها هدفاً". وأضاف: "نعتمد استراتيجية تتناسب مع تضاريس المعركة وجغرافية الحرب في الصحراء".
العربي الجديد