2020 هو أسوأ الأعوام التي شهدها اليمن من الناحية الإنسانية، حيث حوصر البلد العربي الفقير بثلاثي الحرب والجوع وجائحة فيروس كورونا الجديد.
وللعام السادس يعاني اليمن من تداعيات حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة والحوثيين، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014، بينما يزداد الوضع المعيشي تأزماً وسط تقلص المساعدات الدولية.
وشهد العام الأخير فجوة كبيرة في تمويل العمليات الإنسانية، التي تقوم بها منظمات الأمم المتحدة في اليمن، وأبرزها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
وبالرغم من أن خطة الاستجابة الإنسانية لـ 2020 تطلبت 3.2 مليارات دولار، إلا أن الأمم المتحدة لم تتسلم سوى 1.65 مليار دولار، وفق بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأعلنت الأمم المتحدة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ النقص في التمويل أدى إلى إغلاق 15 برنامجا إنسانيا رئيسيا من أصل 45، أي ثلث البرامج الأساسية، مضيفة في بيان لها، أن "الوكالات الأممية اضطرت، بين إبريل/ نيسان وأغسطس/ آب الماضيين، إلى تقليص توزيع المواد الغذائية والمساعدات الصحية في أكثر من 300 مرفق صحي في البلاد".
وازدادت نسبة الجوع وسوء التغذية بشكل غير مسبوق خلال العام الماضي، وسط تحذيرات من عواقب إنسانية وخيمة حال استمر الصراع دون تدخل إنساني متواصل.
وقالت منظمتا "يونيسف" والأغذية والزراعة "فاو"، وبرنامج الأغذية العالمي، في بيان، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إن درء المجاعة عن اليمن يتلاشى مع مرور كل يوم.
وأفاد البيان بأنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من هذه الدرجة من انعدام الأمن الغذائي الكارثي يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات تقريباً من 16 ألفا و500 شخص حاليا إلى 47 ألف شخص بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران 2021.
وتابع أن "أعداد الأشخاص الذين يواجهون المرحلة الرابعة من انعدام الأمن الغذائي- مرحلة الطوارئ - على وشك الزيادة من 3.6 ملايين إلى 5 ملايين شخص في النصف الأول من 2021، ما يضعهم أيضا على شفا السقوط في ظروف كارثية، وربما مجاعة، إذا لم يحدث تغيير في المسار".
وحذر من أن "أكثر من نصف السكان (16.2 مليون شخص) سيواجهون مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 3) بحلول منتصف 2021، مع وجود العديد من الأشخاص على عتبة الانزلاق إلى مستويات متفاقمة من الجوع".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذر أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من خطر وشيك في اليمن سينتج عنه ملايين الوفيات بسبب المجاعة، ما لم يتم اتخاذ خطوات فورية.
وأرجع غويتريس ذلك، في بيان، إلى تخفيض كبير في تمويل عملية الإغاثة من قبل الأمم المتحدة في 2020 مقارنة بعامي 2018 و2019، مشيراً إلى أسباب أخرى تتعلق بـ"الإخفاق في الحفاظ على الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، لا سيما استقرار قيمة الريال اليمني، والصراع المستمر".
كما ألقت تداعيات فيروس كورونا بثقلها على كاهل اليمنيين، حيث فقد الكثير منهم أعمالهم مع بدء انتشار الوباء في البلد، مطلع إبريل/ نيسان الماضي.
وأثر كورونا سلباً بشكل كبير على التحويلات المالية للمغتربين اليمنيين في الخارج. وقالت منظمة "أوكسفام" الإنسانية الدولية، في يونيو/ حزيران الماضي، إن التحويلات تراجعت 80% خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2020، لعدة أسباب أبرزها فقدان يمنيين وظائفهم في دول الخليج.
ويستند ملايين اليمنيين في معيشتهم على تحويلات المغتربين في الخارج، خصوصا في السعودية، ويشكل المغتربون أحد أهم وسائل جلب العملة الصعبة لليمن.
وفي 2020، تراجع الريال اليمني إلى أدنى مستوى في تاريخه، حيث تجاوز سعر الدولار الـ900 ريال، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وفقد الريال أكثر من ربع قيمته، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار، وفق تقارير أممية.
ومع تشكيل الحكومة الجديدة، في 18 ديسمبر/ كانون الأول، سجل الريال تحسنا، حيث بات الدولار يصرف بنحو 700 ريال. لكن أسعار السلع ما زالت ثابتة على ارتفاع، بسبب عدم ثقة التجار بالاستقرار المتواصل للعملة.
ربما يواجه اليمن في 2021 عاماً آخر لن يقل صعوبة عن سابقه، إذا لم تحدث انفراجة سياسية نحو وقف الحرب. وتبذل الأمم المتحدة، منذ سنوات، جهوداً متعثرة لإنهاء الحرب عبر مفاوضات بين طرفيها، وهما الحكومة الشرعية، المسنودة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيون المدعومون من إيران.
وتقول تقارير أممية إنّ اليمن يعاني "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، حيث بات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليونا، بحاجة إلى مساعدات.
وبين هؤلاء 12 مليون طفل بحاجة ماسة إلى مساعدات، فيما وصلت معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في بعض المناطق إلى مستويات قياسية، مسجلة زيادة 10% في 2020، وفق تقرير لـ"يونيسف"، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وتقدّر الأمم المتحدة نسبة السكان الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم في اليمن بنحو 16%، أي حوالى 5 ملايين شخص منذ عام 2015، في حين يعيش قرابة 74% من الأسر النازحة في بيوت مؤجرة خارج المواقع المضيفة، يعيش معظمهم في ظروف معيشية بالغة الصعوبة.
وتعاني المدن الرئيسية مثل صنعاء وعدن وتعز وحضرموت ومأرب وإب من أزمة مساكن حادة، نظراً للاكتظاظ السكاني الذي تعيشه، خصوصاً أن بعضها استقبلت مئات الآلاف من النازحين من مناطق شهدت معارك شديدة خلال السنوات الماضية.
وتُعد المساكن وإيجاراتها الباهظة في طليعة الأزمات التي تنهك الأسر اليمنية. وارتفعت الأصوات مؤخراً التي تطالب السلطات الرسمية المعنية بضبط الفوضى الراهنة في السوق العقارية وحماية المستأجرين.
وبحسب دراسات حديثة، فإن كثيراً من الأسر اضطرت إلى زيادة نسب اعتمادها على "الاستراتيجيات السلبية" للتأقلم مع تداعيات الأزمة الاقتصادية ولمواجهة نقص الموارد المالية، أهمها العمل على استهلاك الأغذية الأقل تفضيلاً بنسبة تزيد على 50%، يليها تقليص حجم الوجبة الغذائية، في حين تركزت توجهات كثير من الأسر، خصوصاً في مناطق شمال اليمن، إلى اتباع استراتيجية تقليص عدد الوجبات.
(الأناضول، العربي الجديد)