تركت الحرب والاضطرابات الواسعة التي يشهدها اليمن آثاراً بالغة شملت مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية والخدمية في البلاد، الأمر الذي فاقم من أزمة البطالة الحالية إلى مستويات قياسية.
وساهم الصراع الدائر منذ أكثر من خمس سنوات في نمو مشكلة خطيرة تتمثل في زيادة أعداد العاطلين عن العمل بالقطاع غير الرسمي في ظل عدم وجود حماية اجتماعية رسمية لهم.
ووفق تقديرات لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل في الحكومة اليمنية، تم الاستغناء عن نحو خمسة ملايين عامل خلال العام الماضي. والتحق فيروس كورونا بالحرب والنزاع الدائر في اليمن، ومن أبرز نتائجه تسريح عمال بأعداد هائلة بسبب الحظر وتداعيات الجائحة.
في السياق، يتحدث وهيب الحصي، الذي كان يعمل في مصنع للإسمنت، كيف أصبح بدون عمل منذ بداية الحرب رغم عودة بعض المصانع في هذا المجال للعمل، لكنها اقتصرت على عدد محدود من العمال الفنيين.
ويقول الحصي لـ"العربي الجديد": صحيح كنت أعمل بمؤهل ثانوية عامة لكن لدي تجربة وخبرة طويلة والتي تعتبر مؤهلا كافيا للبقاء في العمل إلا أن بيئة العمل في الظروف الطارئة الراهنة أصبحت طاردة للعمالة.
علاوة على ذلك، نالت الحرب والصراع الدائر من مختلف قطاعات التشغيل التي تضررت كثيراً نتيجة استهدافها بشكل مباشر مثل المنشآت الصناعية والإنتاجية، الأمر الذي أدى إلى خروج معظمها عن الجاهزية وتكدس البطالة وفقدان العمال والعاملات لأعمالهم، حسب مراقبين.
في هذا الإطار، يقول المستشار القانوني في أنظمة العمل، خالد النقيب، إن الصراع الدائر في اليمن أسفر عن تفجير مشكلة واسعة تعاني منها البلاد نتيجة للاختلالات العميقة بسوق العمل وعدم ملائمة مخرجات التعليم للاحتياجات الاقتصادية والاستثمارية والإنتاجية، والأهم عدم القدرة على خلق الوظائف والتوسع في عملية التشغيل.
هذا الأمر وفق حديث النقيب لـ"العربي الجديد"، ساهم في تكديس فئة عمالية ضخمة غير منظمة وتفتقد للمهارات المطلوبة في سوق العمل بمعظم قطاعات الأعمال سواء الخاصة أو العامة، إذ كانت الحرب بمثابة الشرارة التي قذفت بهم إلى رصيف البطالة مع ما فرضته كذلك من متغيرات كبيرة وحصر فرص العمل المتوفرة في قطاعات محدودة تتطلب مواصفات ومهارات وإمكانيات لا تتوفر لدى ما يقرب من 70% من قوة العمل في اليمن.
وفي المقابل، تركت أزمة المالية العامة 1.25 مليون موظف حكومي وأسرهم بدون مرتبات منذ نهاية 2016، وهذا يعني حرمان 25% من الأسر اليمنية من مصدر دخلهم الرئيسي.
وتبلغ تكلفة الفرصة الضائعة المباشرة على موظفي الدولة حوالي 75 مليار ريال شهرياً، حسب إحصائيات رسمية عام 2016، منها حوالي 50 مليار ريال لموظفي الخدمة المدنية، فيما تبلغ على الفئات الضعيفة والأشد فقراً حوالي 25 مليار ريال.
يذكر أن سعر صرف الدولار كان في حدود 390 ريالاً عام 2016 وبلغ أكثر من الضعف خلال عام 2020.
يقول في هذا الخصوص الموظف في وزارة التعليم الفني والمهني أنيس ثابت، إن توقف رواتبهم كموظفين أدى إلى تشريدهم من أعمالهم والبحث عن أي عمل يقتاتون منه وتوفير ما أمكن من احتياجات أسرهم، إذ أجبره ذلك حسب قوله لـ"العربي الجديد"، للعمل في ورشة لغسل وصيانة السيارات.
ووفقاً لأحدث نتائج مسح القوى العاملة في اليمن، فإن 44.8% من الشباب ليسوا في العمل ولا في التعليم. وفي عام 2015، تعرضت منشآت القطاع الخاص إلى أضرار مباشرة وتأثرت كثيراً بأزمة الوقود وغياب الكهرباء من الشبكة العامة، مما انعكس سلباً على العاملين، حسب تقارير رسمية.
ويذكر تقرير مناخ الأعمال اليمني الذي نفذته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت والحديدة، أن 41% من المنشآت قامت بتسريح حوالي 55% من موظفيها، وأيضاً قامت 7% من المنشآت بتقليص رواتب موظفيها بحوالي 49% وسرحت حوالي 64% من موظفيها، وقامت 3% من المنشآت بتقليص رواتب موظفيها بحوالي 57%.
ومؤخراً، أدت أزمة السيولة إلى تعميق الانكماش في الطلب الكلي والنشاط الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة المرتفعة أصلاً وتفاقم ظاهرة الفقر والحرمان في المجتمع.
ويفوق معدل الزيادة السنوية لقوة العمل في اليمن نمو السكان ونمو الاقتصاد الوطني، وبالتالي عجز الاقتصاد عن توليد فرص عمل لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
بدوره يؤكد الباحث الاقتصادي، أحمد السلامي، أن اليمن يعاني من مشكلة مزمنة ساهمت الحرب بتفجيرها لتتحول إلى أزمة كارثية يصعب تلافيها، وهذه المشكلة تتمثل في اختلال التوازن بين الطلب والعرض في سوق العمل، فمصادر الطلب على العمل محدودة تواجهها مصادر عرض وفيرة.
ويرى السلامي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن مخرجات التعليم متزايدة ودون تأهيل كافٍ، كما أن الداخلين إلى سوق العمل من الفئات العمرية الأدنى لا يحصلون على تأهيل مطلق، مما يجعل النسبة الغالبة من قوة العمل تعد في نطاق العمالة غير الماهرة.
ويواجه خريجو التعليم المهني والجامعي صعوبات تقف أمام استيعابهم في سوق العمل، منها ضعف المهارات المطلوبة وتدني فرص التوظيف. ومع ازدياد التعقيدات في الوضع الراهن الذي يمر به اليمن، فإن معدل النمو ما زال ضعيفا ولا يستطيع أن يخلق فرص العمل المطلوبة.
وقد توقف نشاط القطاع الخاص بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الحرب، أما الوظائف القليلة التي كانت تظهر في القطاع العام فقد تم شغلها بحسب مراقبين، عن طريق الوساطات لتبقى البطالة في حالة ارتفاع متواصل، الأمر الذي أدى إلى انتقال كثير من العاملين إلى القطاع غير الرسمي.
ونفذت منظمة العمل الدولية خلال الفترة الماضية تقييم حول أضرار المشاريع المتوسطة والصغيرة في مدينة صنعاء وضواحيها شمل 460 مشروعا، 73% منها مشاريع صغيرة و27% مشاريع متوسطة.
ومع أن الأضرار المادية أصابت بعض المشاريع فقط، فإن معظم هذه المشاريع وبنسبة 97% لم تنجُ من الخسائر الاقتصادية مثل تعطل العمل وضياع إيرادات كانت متوقعة وتراجع حاد في عدد الزبائن.
وقُدر متوسط التعويض المالي الذي يحتاجه أصحاب المشاريع المتوسطة لاستئناف نشاطه بحوالي 40541 دولارا للمستثمر، بينما يحتاج أصحاب المشاريع الصغيرة حوالى 18108 دولارات في المتوسط، لتغطية الجزء الأكبر من التمويلات المطلوبة والحد من الخسائر الباهظة التي تعرضوا لها خلال الفترة الأخيرة.
العربي الجديد