خلال العام الجاري، تآزرت الظروف السيئة ضدّ اللاجئين في اليمن. وبالإضافة إلى جائحة كورونا والإعلان الصادر من جماعة الحوثيين بأنّ أول إصابة في صنعاء كانت لمهاجر أفريقي، وما خلّفه ذلك من حملات كراهية تجاه ذوي البشرة السوداء، انعكس التصعيد العسكري الكبير والظروف الاقتصادية المتردية بشكل سلبي على آلاف الأفارقة في المحافظات اليمنية.
خلال الربع الأخير من العام الجاري، لم تعد الأراضي والسواحل اليمنية قبلة للاجئين الأفارقة كما كانت، ووفقاً لتقارير أممية، فقد تسببت "المعاملة السيئة المعادية للمهاجرين" في انخفاض عدد الوافدين إلى اليمن.
وقال مصدر في خفر السواحل اليمني لـ"العربي الجديد" إنّ الأشهر الأربعة التي تلت منتصف العام الجاري، سجلت منفصلة، وصول نحو 300 مهاجر أفريقي فقط، بعدما كان المتوسط الشهري المسجل خلال الأشهر المماثلة لها في العام الماضي، ما بين 10 آلاف و 12 ألف لاجئ.
وأرجع المصدر التراجع الحاصل إلى الرقابة الصارمة التي اتخذتها السلطات للحدّ من تفشي فيروس كورونا، خصوصاً في سواحل الحديدة، غربي اليمن، وسواحل خليج عدن وشواطئ محافظة شبوة، جنوب وشرقي البلاد.
وعلى الرغم من العناوين الظاهرة للانحسار الحاصل في تدفق اللاجئين، والتي يقف فيروس كورونا في صدارتها، فإنّ الحملة العدائية التي اتبعتها السلطات، خصوصاً التابعة للحوثيين في صنعاء، كانت السبب الأبرز في عزوف المهاجرين عن تكثيف الرحلات صوب اليمن.
وفي آخر تقاريرها، كشفت المنظمة الدولية للهجرة، عن تعرض المهاجرين الأفارقة للوصم باعتبارهم ناقلين لفيروس كورونا، في إشارة إلى الإعلان الصادر من السلطات الحوثية بأنّ أول إصابة بالوباء كانت لمهاجر صومالي، في وقت قامت بالتكتم عن الإصابات التي سُجلت لمواطنين يمنيين.
في هذا الإطار، يقول عبد السلام قاسم، وهو ممرض في أحد مستشفيات صنعاء لـ"العربي الجديد"، إنّ ما أعلنه ما يسمى وزير الصحة الحوثي كان بداية التحول في تعامل المجتمع مع أبناء الجنسيتين الصومالية والإثيوبية، واستعدائهم. يضيف: "في مرفقنا الصحي وعدد من المرافق والشركات، جرى تسريح عشرات من عمال النظافة الأفارقة، وكذلك الحال بالنسبة للعاملات الأفريقيات في المنازل والشركات. وكان هناك توجه رسمي لاحتجاز المهاجرين كافة، كما جرت محاربة أرزاق من يعملون في غسل السيارات بالشوارع، والتعامل معهم بازدراء".
وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية، فقد زاد وصم المهاجرين من تفشي حملات الكراهية ضدهم واستخدامهم كبش فداء، فوقعت اعتداءات عليهم وزادت عمليات الاحتجاز، والحرمان من الوصول إلى الخدمات الصحية والقيود المفروضة على الحركة وعمليات النقل القسري إلى جبهات القتال والمناطق الصحراوية.
وللمرة الأولى تصدر اتهامات من منظمة دولية باستغلال المهاجرين في أعمال قتالية، بالرغم من تواتر الأنباء من منظمات محلية يمنية معنية بحقوق الإنسان، منذ مطلع الحرب، حول ذلك، وإن كانت الحالات الفردية.
وخلافاً للتجنيد، احتجزت سلطات الحوثيين في صنعاء وصعدة، مئات الأفارقة خلال الأشهر الماضية في أماكن احتجاز غير ملائمة، ووفقاً لمصادر "العربي الجديد" فإنّ الجماعة كانت تزج بأكثر من 300 مهاجر في فصل دراسي واحد بإحدى مدارس صعدة التي جرى تحويلها إلى مركز لتجميع اللاجئين فقط.
ووضعت السلطات الحوثية المهاجرين الأفارقة أمام خيارات مُرّة، فإما استغلالهم في أعمال قتالية ضد القوات الحكومية والتحالف السعودي - الإماراتي، أو الترحيل القسري إلى المحافظات الجنوبية الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً.
رضخ بعض الأفارقة من الجنسيتين الصومالية والإثيوبية لعملية التجنيد، وللمرة الأولى، كانت جماعة الحوثيين، تعلن في 26 أغسطس/ آب الماضي، عن تشييع لاجئ إثيوبي يدعى محمد حلم، في محافظة حجة، ضمن مجموعة من قتلاها اليمنيين الذين سقطوا في معارك مع القوات الحكومية، وفقاً لوسائل إعلام رسمية تابعة للجماعة.
ولا تعتبر محافظة حجة، مسقط رأس للمهاجر الإثيوبي، حلم، لكنّ الجماعة فضّلت دفنه في مقبرة قريبة من مخيم كُشّر، الموطن المؤقت لمئات الأفارقة، والمنجم الجديد بالنسبة للحوثيين الباحثين عن مقاتلين جدد لتعويض النزيف الحاصل بصفوفهم. ودفع الإقرار الحوثي بتجنيد مهاجرين أفارقة، الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لاستهجان عملية استغلال اللاجئين في أعمال عسكرية، واعتبرت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، أنّ استخدام المهاجرين كوقود للمعارك "جريمة حرب يجب أن تتوقف".
ولم تكن عمليات الاحتجاز والتجنيد غير القانوني، الانتهاكات الوحيدة التي طاولت المهاجرين الأفارقة من جماعة الحوثيين، فبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية باليمن، فقد تمّ منذ إبريل/ نيسان حتى 13 يونيو/ حزيران الماضيين، نقل 1500 مهاجر أفريقي من مناطق الحوثيين إلى المحافظات الجنوبية بشكل قسري، ومن بينهم نساء وفتيان وفتيات، بعضهم بحاجة إلى رعاية طبية من أمراض أصيبوا بها من جراء ظروف الاحتجاز غير الملائمة، أو من جروح ناتجة عن طلقات نارية.
ولا تُعرف على وجه الدقة خريطة انتشار المهاجرين الأفارقة على الجغرافيا اليمنية والأرقام الموجودة بكلّ محافظة، ووفقاً لتقرير أممي حديث، فإنّ في عدن، يعيش أكثر من 4 آلاف مهاجر في ظروف صعبة جداً أغلبهم على الطرقات، فيما يتواجد 7 آلاف مهاجر في صعدة قرب الحدود السعودية، فضلاً عن تقارير بوجود آلاف العالقين في محافظات أخرى مثل مأرب ولحج وغيرهما.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أخير، جماعة الحوثيين بطرد قسري لآلاف المهاجرين الإثيوبيين من شمال اليمن في إبريل/ نيسان 2020 متذرّعة بفيروس كورونا، ما أدى إلى مقتل العشرات وإجبارهم على النزوح إلى الحدود السعودية، وقالت إنّ حرس الحدود السعوديين، أطلقوا النار على المهاجرين الفارين، ما أسفر عن مقتل العشرات، بينما فرّ مئات الناجين إلى منطقة حدودية جبلية.
ولا تتوقف الانتهاكات ضد المهاجرين الأفارقة في رحلة العذاب عند هذا الحدّ، بل قالت منسقة الشؤون الإنسانية باليمن، ليز غراندي، في تقرير حديث، إنّ المهاجرين في اليمن، هم من بين الأشخاص الأكثر ضعفاً في المنطقة بأسرها، وهم ضحايا الغرق والإساءة والاستغلال من قبل تجار البشر والمهربين.
العربي الجديد