رغم مرور ثلاثة عقود على الوحدة اليمنية، تستمر أصوات في المناداة بانفصال الجنوب عن الشمال، في وقت مزقت فيه الحرب المتواصلة منذ ست سنوات، البلد الأفقر عربيا.
ويقود المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، هذه الأصوات الانفصالية، مقابل تمسك معظم المكونات اليمنية الفعالة بضرورة استمرار الوحدة ونبذ كل دعوات الفرقة.
وخلال لقائه السفير الروسي لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين، في العاصمة السعودية الرياض، جدد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي، الإثنين، الإعراب عن تمسكه بانفصال جنوبي اليمن، معتبرا ذلك "الحل الوحيد للقضية الجنوبية".
ودخل جنوب اليمن وشماله وحدة طوعية في 22 مايو/ أيار 1990، بعد اتفاق بين رئيسي الشطرين حينها، علي عبد الله صالح (شمال)، وعلي سالم البيض (جنوب).
وبعد 27 عاما، وتحديدا في 2017، تأسس المجلس الانتقالي، ويسيطر على العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب) ومحافظة سقطرى (جنوب شرق)، إضافة إلى مناطق جنوبية أخرى.
وبدأ ظهور القضية الجنوبية في اليمن مع تشكيل الحراك الجنوبي في 2007، الذي نشط فيه ضباط عسكريون جنوبيون قالوا إنهم أُجبروا على التقاعد وعانوا تهميشا من جانب نظام الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح (1990 - 2012).
ومنذ انطلاقه، يشكو الحراك الجنوبي مما يقول إنه "تهميش من الحكومات المتعاقبة للجنوبيين، وإقصاء لهم عن المشاركة في السلطة، وعدم تلبية مطالبهم الحقوقية، قبل أن تتصاعد شعاراته لاحقا إلى المناداة بالانفصال".
وبعد رحيل صالح عن السلطة مطلع 2012 بناءً على ثورة شعبية ومبادرة خليجية، خفتت الأصوات المنادية بالانفصال، غير أنها عادت بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
موقف المكونات اليمنية
تتمسك معظم المكونات اليمنية السياسية الفاعلة بالوحدة وترفض ما تسميه "مشاريع التقسيم والتمزق".
ورغم الخلافات الكبيرة بين طرفي الحرب الراهنة، وهما الحكومة والحوثيون، إلا أنهما يتفقان على ضرورة استمرار الوحدة ورفض دعوات الانفصال.
أما الأحزاب الفاعلة، ومن أبرزها المؤتمر الشعبي العام المسيطر على غالبية مقاعد البرلمان، والتجمع اليمني للإصلاح (إسلامي)، وبقية الأحزاب اليسارية والسلفية، فتؤكد هي الأخرى على أهمية التمسك بالوحدة، وحل القضية الجنوبية بعيدا عن أية دعوات تقود إلى التمزق والانفصال.
وتملك هذه الأحزاب قطاعا سكانيا عريضا في المحافظات الجنوبية، ما يجعل أية دعوات للانفصال تصطدم بالحاضنة الشعبية الكبيرة المؤيدة للوحدة والرافضة للعودة إلى مقابل 1990.
كما توجد مكونات وحركات جنوبية مؤيدة للوحدة وموازية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولديها قطاع عريض من السكان، مثل الائتلاف الوطني الجنوبي، والحراك الجنوبي السلمي.
واللافت أنه لا يوجد مكون بارز يحتضن أو يقود دعوات الانفصال سوى المجلس الانتقالي الجنوبي، مع وجود مكونات جنوبية أخرى غير بارزة تدعو إلى ما تسميه "تقرير مصير الجنوب"، وهي لا تربطها علاقة جيدة بالمجلس الانتقالي.
نظرة الجنوبيين للانفصال
مع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، انضم إليه جنوبيون، ورأى فيه البعض المكون الذي يمكن أن يعمل على تحسين واقع الجنوبيين "المأساوي".
والكثيرون ممن انضموا إلى المجلس، كان غرضهم الحصول على وظيفة أو تجنيد في قواته الممولة من الإمارات، فيما انضم آخرون إليه عن قناعة بضرورة الانفصال عن الشمال، أملا في تغيير حال الجنوبيين إلى الأفضل.
ومع سيطرة المجلس على عدن ومناطق جنوبية أخرى، تراجعت شعبيته بشكل ملحوظ؛ لعدم نجاحه في تحقيق أية مطالب شعبية، خاصة على مستوى الخدمات.
وشهدت عدن، مؤخرا، احتجاجات شعبية رافضة للمجلس الانتقالي، حيث حمله المحتجون مسؤولية تدهور الخدمات بشكل أكبر منذ سيطرته على العاصمة المؤقتة. فيما يسيطر الحوثيون على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.
ويرى الكثير من الجنوبيين أن الوضع السائد في المناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي تعد دليلا أوليا مقنعا على أن الانفصال لن يحقق أحلام السكان، ما أدى إلى تراجع مؤشر التعويل على الانفصال كسبيل لمعالجة الأوضاع "المأساوية" في الجنوب.
تمسك عربي ودولي بالوحدة
لم تحصل دعوات الانفصال في جنوبي اليمن على أي تأييد عربي ولا دولي حقيقي.
وشدد مجلس الأمن الدولي، في بيانات عديدة، على احترام وحدة اليمن وسيادته وأمنه واستقراره.
وهو موقف تتبناه الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، وهي الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا.
كما أن كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، تتبنى الموقف نفسه الرافض لانفصال جنوب اليمن عن شماله.
وبالنسبة للدول المجاورة لليمن والمؤثرة فيه، أكدت السعودية مرارا على احترام وحدة اليمن وسيادته، وهو موقف تؤكد عليه بقية الدول العربية، باستثناء الإمارات، بحسب اتهامات يمنية تنفيها أبوظبي.
وتقود السعودية، منذ 2015، تحالفا عربيا ينفذ عمليات عسكرية في جارتها اليمن، دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين.
دعم إماراتي للانفصال
تعد الإمارات، وهي ثاني أبرز دول التحالف العربي، الداعم الأساسي لدعوات انفصال جنوب اليمن عن شماله.
ويقول يمنيون، على المستويين الرسمي والشعبي، إن أهداف وأطماع الإمارات في اليمن قد تكشفت، فهي لم تأت لدعم الحكومة الشرعية في مواجهة الحوثيين، بل للسيطرة على المناطق الحيوية جنوبي البلاد، بما فيها الموانئ والمطارات.
وبالفعل، أنشأت الإمارات، منذ تدخلها في اليمن، قوات موازية ومناهضة لقوات الحكومة الشرعية، انتشرت في محافظات جنوبية، مثل قوات "الحزام الأمني"، وقوات "النخبة الشبوانية"، وقوات "النخبة الحضرمية"، إضافة إلى قوات أخرى تقاتل في الساحل الغربي لليمن.
هذه القوات تم إنشاؤها وتمويلها وتدريبها إماراتيا، بهدف السيطرة الفعلية على المحافظات الجنوبية، والتحكم بثرواتها وموانئها ومطاراتها.
ورغم عدم وجود إعلان صريح من الإمارات بأنها تدعم الانفصال، إلا أن المعطيات في المحافظات الجنوبية تؤكد بلا شك أن أبوظبي داعم أساسي وفعلي لدعوات الانفصال.
وسبق وأن عبرت شخصيات إماراتية مقربة من سلطات أبوظبي عن تأييدها للانفصال، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصف المحافظات اليمنية الجنوبية بـ"الجنوب العربي"، وهو المصطلح الذي يتداوله قياديون في المجلس الانتقالي.
وبدعمها الانفصال، تهدف الإمارات إلى إنشاء قواعد عسكرية، ضمن أطماعها في التوسع الإقليمي، والسيطرة على مساحات من أراضي اليمن، لغرض استثمارها والتحكم فيها.
وعبر المجلس الانتقالي الجنوبي، تستطيع الإمارات تنفيذ ما تريد في المناطق الواقعة تحت سيطرته، فهي التي أسسته وما زالت تمول أنشطته وقواته.
وفي مقابلة مع "الأناضول"، نُشرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، قال وكيل وزارة الإعلام اليمني، محمد قيزان، إن الإمارات احتجزت مساحات واسعة من أراضي أرخبيل سقطرى الاستراتيجي، وتمنع بالسلاح وصول المواطنين إلى هذه الأماكن.
وأضاف أن "مسؤولين في السلطة المحلية أكدوا أن الإمارات بدأت بالفعل بإنشاء قواعد عسكرية في سقطرى، وأنها حاولت ذلك في السابق وفشلت، لكنها وجدت ضالتها بعد التمرد الأخير"، أي سيطرة قوات المجلس الانتقالي على سقطرى، في يونيو/ حزيران الماضي.
وتزيد دعوات وتحركات الانفصال، المدعومة إماراتيا، الوضع كارثيةً في بلد أوقعت فيه الحرب 112 ألف قتيل، بينهم 12 ألف مدني، ودفعت معظم سكانه، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، إلى حافة المجاعة، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
المصدر: الأناضول