مر أكثر من شهرين منذ أن اتفقت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، المدعوم إماراتيا، على آلية لتسريع تنفيذ "اتفاق الرياض" الموقع بين الجانبين برعاية سعودية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وأعلن التحالف العربي في اليمن بقيادة الجارة السعودية في 29 يوليو/ تموز الماضي، عن آلية لتسريع تنفيذ الاتفاق، تتضمن تخلي المجلس الانتقالي عن "الإدارة الذاتية" في المحافظات الجنوبية، وتنفيذ ترتيبات عسكرية وأمنية، ثم تشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين الجنوب والشمال، خلال شهر.
وشملت الآلية أيضا استمرار وقف إطلاق النار بين الحكومة الشرعية والمجلس المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وإخراج القوات العسكرية من محافظة عدن (جنوب- العاصمة المؤقتة)، إضافة إلى فصل قوات الطرفين في محافظة أبين (جنوب)، وإعادتها إلى مواقعها السابقة.
ومع تجاوز تاريخ تنفيذ الآلية، تفيد المعطيات على الأرض بعدم وجود سرعة في تنفيذ الاتفاق، ولا حتى مؤشرات ترجح تطبيق الآلية في المدى القريب.
فانعدام الثقة بين طرفي الصراع في جنوبي اليمن ما زال مستمرا، وسط اتهامات متكررة بعرقلة تنفيذ الاتفاق، الذي يراد منه توحيد المكونات المناهضة لجماعة الحوثي على موقف واحد، تمهيدا لعمل مشترك لاستعادة الدولة، وإنهاء "انقلاب الحوثيين".
وبقوة السلاح، يسيطر الحوثيون المدعومون من إيران على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
تقدم سياسي طفيف
مع إعلان آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض حدث تقدم سياسي طفيف، تمثل في تعيين القيادي البارز في المجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد حامد لملس، محافظا لعدن، وتعيين أحمد الحامدي مديرا لأمن المحافظة.
كما تم التوافق على تكليف رئيس الوزراء الحالي، معين عبد الملك، بتشكيل حكومة جديدة.
واللافت أن "لملس" وصل عدن بعد قرابة شهر من تعيينه، وبدأ ممارسة مهامه على وقع احتجاجات شعبية تطالب بتحسين الخدمات، خصوصا التيار الكهربائي.
وكان يُفترض وصول المحافظ إلى عدن بعد أيام من تعيينه على أقصى تقدير، إلا أن بدء مهامه بعد شهر يفيد بأن البطيء الشديد هو العامل السائد في تنفيذ الاتفاق، حتى في شقه السياسي "غير المعقد".
عدم تمكين مدير أمن عدن
ورغم توافق الحكومة والمجلس الانتقالي على تعيين مدير أمن عدن الجديد، إلا أن الأخير لم يستطع ممارسة مهامه حتى اليوم.
وطالبت الحكومة مرارا بتمكينه، متهمة المجلس الانتقالي بعرقلة تسلمه لمهامه.
وتقول تقارير محلية إن شلال شايع، مدير أمن عدن السابق المحسوب على المجلس الانتقالي، يرفض تمكين مدير الأمن الجديد من مهامه.
ويتمسك "شايع" بمنصب مدير أمن عدن، رغم تعيين المدير الجديد، حيث لوحظ مؤخرا إصدار شرطة عدن بيانات، اطلع عليها مراسل الأناضول، تحمل توجيهات باسم "شايع"، بصفته مديرا للأمن.
أيهما أولا؟
بناءً على آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض، كان يُفترض تشكيل الحكومة الجديدة نهاية أغسطس /آب الماضي، لكن الأمر يواجه عقبات كبيرة وسط تباين الرؤى بين الطرفين.
وتصر الحكومة على ضرورة تنفيذ المجلس الانتقالي للشق العسكري من اتفاق الرياض، ثم بدء ترتيبات تشكيل الحكومة الجديدة.
بينما يتمسك المجلس بتشكيل الحكومة أولا، ثم الشروع بترتيبات الملف الأمني والعسكري.
وقال وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، إن الحكومة نفذت كل ما عليها في إطار آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض. واتهم المجلس الانتقالي بالمماطلة في تنفيذ الشق العسكري.
وأعلن رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، الأحد، أن المجلس قدم خطة لتنفيذ الشق العسكري. ولم يحدد إن كان التنفيذ المقترح سيكون قبل أم بعد تشكيل الحكومة.
ومع انعدام الثقة بين الطرفين، وعدم تقديم أحدهما تنازلات، يُرجح أن يستمر الوضع كما هو من دون تقدم حقيقي قريب على الأرض.
المجلس يوسع نفوذه
وخلال الفترة الماضية، طالبت الحكومة مرارا المجلس الانتقالي باحترام التزاماته وتنفيذ الشق العسكري من الاتفاق، بإخراج قواته من محافظتي عدن وسقطرى.
لكن المجلس يواصل توسعه العسكري وبسط نفوذه على كامل أرخبيل سقطرى (جنوب شرق)، الذي يسيطر عليه منذ يونيو/ حزيران الماضي.
وقال محافظ سقطرى، رمزي محروس، في رسالة بعثها إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي في 28 سبتمبر الماضي، إن المجلس الانتقالي جند أكثر من ألف مسلح في الأرخبيل، وسمح بدخول أجانب وسفينة من دون تأشيرات دخول.
احتمال انهيار الاتفاق
وزير الثروة السمكية، فهد كفاين، وهو من أرخبيل سقطرى، قال إن "التصعيد المتكرر في الأرخبيل من جانب المجلس الانتقالي وداعميه (الإمارات) يضع اتفاق الرياض وآلية تسريعه على المحك، وقد ينهار الاتفاق ونعود لنقطة الصفر".
وأضاف كفاين، عبر "تويتر" الثلاثاء، أن "الدفع بتعقيد الوضع في سقطرى وعسكرة المحافظة، وإدخال مئات المسلحين من خارج الجزيرة، إضافة إلى إنشاء مواقع وقواعد عسكرية خارج نطاق الدولة، هو تصعيد غير مقبول ومحاولة لفرض الأمر الواقع، ولا ينبغي قبوله أو السكوت عليه".
ودعا إلى اجتماع طارئ للحكومة لمناقشة التصعيد الأخير في الأرخبيل، والخروج بموقف حازم، وتحمل المسؤولية تجاه ما حدث.
وتؤكد تصريحات الوزير اليمني مدى الصعوبات التي تواجه تنفيذ اتفاق الرياض، وأن ملف سقطرى بات أكثر تعقيدا، خصوصا في ظل اتهامات حكومية يمنية للإمارات بأنها بدأت بإنشاء قواعد عسكرية واحتجاز مساحات واسعة في الأرخبيل الحيوي، فيما تلتزم أبوظبي الصمت.
والمرجح أن المجلس الانتقالي لن يسلم المحافظات التي سيطر عليها بقوة السلاح، في ظل استمرار تأكيده على تمسكه بخيار الانفصال، رغم أن اتفاق الرياض ينص على تخلي المجلس عن "الإدارة الذاتية".
وبعد شهر على توقيع آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض، أكد رئيس المجلس الانتقالي، في 27 أغسطس/ آب الماضي، أن المجلس لن يتنازل عن هدفه، في "استعادة وبناء دولة الجنوب الفيدرالية"، في إشارة إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، وفق الموقع الإلكتروني للمجلس.
ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية، في 22 مايو/ أيار 1990، بعد اتفاق بين رئيسي الشطرين حينها، علي عبد الله صالح (شمالا)، وعلي سالم البيض (جنوبا).
كل هذه التعقيدات أمام تنفيذ ترتيبات الملف العسكري والأمني، وتمسك المجلس الانتقالي بموقفه، قد تدفع السعودية للضغط على الرئيس اليمني، المقيم في الرياض بشكل شبه دائم منذ بدء الحرب، للقبول بتشكيل حكومة قبل تنفيذ تلك الترتيبات.
ويواجه التحالف العربي اتهامات يمنية متكررة، رسمية وشعبية، بأنه عمل على إضعاف السلطة الشرعية اليمنية، وعدم السماح لرئيسها ومسؤولين حكوميين بالعودة إلى الداخل، وهو ما ينفيه التحالف عادة.
وينفذ هذا التحالف، منذ 25 مارس/ آذار 2015، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية في مواجهة الحوثيين.
وأودت الحرب المستمرة للعام السادس بحياة 112 ألف شخص في اليمن، بينهم 12 ألف مدني، ودفعت بالملايين إلى حافة المجاعة، إذ بات 80 بالمئة من سكان اليمن، البالغ عددهم نحو ثلاثين مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء أحياء، وفق الأمم المتحدة.