لقي مئات الأشخاص في مدينة عدن، المدينة الرئيسية بجنوب اليمن، مصرعهم, الأسبوع الماضي, مع ظهور أعراض لما يبدو أنه فيروس كورونا، حسبما أفاد مسؤولون صحيون محليون في مقابلات مع وكالة أسوشيتد برس.
ويخشى المسؤولون أن الوضع سوف يزداد سوءًا: فاليمن لديه قدرة قليلة على اختبار الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالفيروس، حيث تركت الحرب الأهلية المتواصلة منذ 5 سنوات النظام الصحي في حالة من الفوضى.
وقال أحد حفاري القبور في عدن لوكالة أسوشييتد برس، إنه لم يشهد مثل هذا التدفق المستمر من الموتى - حتى في مدينة شهدت موجات متعددة من معارك الشوارع الدامية خلال الحرب الأهلية.
رسمياً، عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في اليمن منخفض - 106 في المنطقة الجنوبية، مع 15 حالة وفاة. وقد أعلنت السلطات في الشمال الذي يسيطر عليه المتمردون الحوثيون أول حالة هناك في 5 مايو / أيار، وقالت إن شخصين فقط مصابين، أحدهما - مهاجر صومالي -وَقد توفي.
لكن الأطباء يقولون إن الحوثيين يتسترون على عدد متزايد من الحالات لحماية اقتصادهم وقواتهم. وقد زاد ارتفاع عدد الوفيات في عدن - بأكثر من 500 في الأسبوع الماضي فقط ، وفقًا لسجل الحالات بالمدينة - وذلك ضمن سيناريو مخيف ينتشر فيه الفيروس بسرعة في بلد ليست لديه القدرة على مقاومته تقريبًا.
إن الارتفاع في حالات " كوفيد19" المشتبه فيها في اليمن يدق ناقوس الخطر في جميع أنحاء مجتمع الصحة العالمي، الذي يخشى أن ينتشر الفيروس مثل حرائق الغابات في جميع فئات العالم الأكثر ضعفاً مثل اللاجئين, أو أولئك الذين تأثروا بالحرب.
وقال ألطاف موساني، مدير منظمة الصحة العالمية في اليمن "إذا كان لديك انتقال مجتمعي كلي في اليمن، سواءً بسبب الهشاشة،أو الضعف أو القابلية للتأثر، فسيكون ذلك كارثياً".
تقول منظمة الصحة العالمية أن نماذجها تشير إلى أنه في بعض السيناريوهات، يمكن أن يصاب نصف سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة, ويمكن أن يموت أكثر من 40 ألف شخص.
نصف المرافق الصحية في اليمن تعاني من الخلل و 18٪ من 333 منطقة في البلاد لا يوجد بها أطباء. كما انهارت أنظمة المياه والصرف الصحي. وبالكاد تستطيع العديد من العائلات تحمل وجبة واحدة في اليوم.
لا يوجد في اليمن أكثر من 500 جهاز تهوية و 700 سرير وحدة عناية مركزة على الصعيد الوطني. وهناك اسطوانة أكسجين واحدة في الشهر لكل 2.5 مليون شخص. وقد قدمت منظمة الصحة العالمية حوالي 6700 مجموعة اختبار إلى اليمن، مقسمة بين الشمال والجنوب، وتقول إن 32000 مجموعة أخرى قادمة.
وتقول منظمة الصحة إنها تحاول شراء المزيد من المعدات واللوازم الوقائية لمكافحة الفيروس. لكنها قالت إن الجهود تعرقلت بسبب قيود السفر والمنافسة مع الدول الأخرى.
اتخذ الطرفان المتحاربان في الحرب الأهلية في اليمن مسارات مختلفة إلى حد كبير في التعامل مع الوباء، فكل منهما بطريقته الخاصة يؤجج الانتشار المحتمل للفيروس.
الجنوب يقدم صورة للانهيار التام: فيه تتقاتل الفصائل المتناحرة داخل التحالف المدعوم من الولايات المتحدة من أجل السيطرة. لا يبدو أن هناك من يتولى زمام الأمور حيث يبدو أن النظام الصحي المنهك قد توقف تمامًا.
يخشى العاملون الصحيون الذين لديهم القليل من المعدات الوقائية من علاج أي شخص يشتبه في إصابته بالفيروس .
وقد أغلقت العديد من المرافق الطبية في عدن مع فرار الموظفين أو ببساطة الابتعاد عن المرضى. لا أحد يرد على الخط الساخن الذي أنشأته فرق الاستجابة السريعة المدربة من قبل الأمم المتحدة لاختبار الحالات المشتبه بها في المنزل.
وقال محمد ربيد، نائب رئيس المكتب الصحي في عدن "إذا اشتبه في إصابتك بالكورونا وأنت في عدن، فمن المرجح أن تنتظر في المنزل حتى وفاتك".
من 7 مايو حتى الخميس، سجل المسجل المدني في المدينة 527 حالة وفاة، وفقا لما قاله رئيس المكتب, سند جميل ,لوكالة أسوشييتد برس.
وقال مسؤول الصحة بالمدينة إن أسباب الوفاة لم تكن مصنفة، ولكن المعدل كان أعلى بكثير من متوسط معدل الوفيات المعتاد لحوالي 10 أشخاص في اليوم. كما قال العديد من الأطباء أنهم مقتنعون بأن الوفيات مرتبطة بـ كوفيد19. وفي بيان صدر يوم الخميس، قدرت منظمة إنقاذ الطفولة عدد الأشخاص الذين يعانون من أعراض الفيروس في عدن الأسبوع الماضي بــ 385 حالة.
في غضون ذلك، وفي الشمال، يشن المتمردون الحوثيون في السلطة حملة لقمع أي معلومات حول حجم تفشي المرض، وسط حديث الأطباء لوكالة أسوشيتد برس عن زيادة الإصابات والوفيات.
ويقول أطباء ومسؤولون آخرون إن الحوثيين رفضوا الكشف عن نتائج اختبارات إيجابية، ومارسوا ترهيب الطاقم الطبي والصحفيين والأسر الذين يحاولون التحدث عن الحالات. وقال أطباء ومسؤولون صحيون محليون إنهم يعتقدون أن الكثير من الناس يموتون بسبب كورونا في منازلهم، بدون توثيق ذلك.
أخبر الأطباء في ثلاث محافظات شمالية، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وكالة أسوشييتد برس أنهم شهدوا أعدادًا متزايدة من حالات كـورونا المشتبه فيها وكذلك الوفيات. وتحدث الجميع بشرط عدم الكشف عن هوياتهم خوفا من انتقام الحوثيين.
وقد أغلق مسلحو ميليشيات الحوثي عدة أسواق في صنعاء وأغلقوا الشوارع في 10 أحياء، ومنعوا العائلات من مغادرة منازلها، بعد ظهور حالات مشتبه فيها.
وقال العاملون الطبيون إنهم تحت المراقبة ولا يمكنهم التحدث عما يرونه داخل المراكز الصحية.
وقد تم تحذير كل من وزارة الصحة المحلية ومسؤولي المساعدة الدولية بعدم مناقشة الحالات أو احتمال انتقال الفيروس محليًا، حيث يصر المتمردون الحوثيون على أن حالات شمال اليمن القليلة جاءت من الخارج ، وفقًا لمسؤولين مطلعين على المناقشات.
وقال أربعة مسؤولين إنه في الأسبوع الأول من شهر مايو / أيار، دخل عدد كبير من المرضى إلى مستشفى الكويت، وهو مركز علاج كوفيد 19 الوحيد الذي يعمل بكامل طاقته في العاصمة. وقال مسؤول إن 50 منهم على الأرجح مصابون بالفيروس وقد توفي 15 منهم في وقت لاحق. ويقول العاملون إنهم يعتقدون أن المرضى أصيبوا لأن سلطات الحوثيين لم تكشف عن نتائج اختباراتهم.
وقال المسؤول "عندما تكون النتيجة سلبية يعطوننا النتائج".
وقد أظهرت وثيقة سرية لنتائج الاختبار في المستشفى في 4 مايو وجود ثلاث حالات إيجابية. وفي احد صفحاتها كتب اسم امرأة توفيت. وقد حصلت وكالة الأسوشييتد برس على نسخة من الوثيقة، والتي تم تداولها أيضًا على وسائل التواصل الاجتماعي. وأكد مسؤولان صحتها.
وتقول عائلات الذين ماتوا بسبب الاشتباه في إصابتهم بالفيروس إنهم تركوا بلا معلومات عن ذويهم.
وقال أقارب رجل توفي في صنعاء مؤخرًا إن سلطات الحوثيين رفضت إطلاق سراح جثة والدهم من المشرحة، قائلين إنهم ينتظرون نتائج الاختبار. حيث يعتقدون أن مسؤولي الحوثي أرادوا دفن الجثة دون جنازة جماعية يمكن أن تتسبب بنشر الفيروس.
بعد ثلاثة أيام ، وتحت ضغط شديد من الأسرة، أطلق مسؤولو الحوثي الجثة، لكنهم لم يكشفوا عن نتائج الاختبار. وقد أخبرت عائلتان أخريان وكالة أسوشييتد برس عن تجارب مماثلة.
في محافظة إب التي يسيطر عليها الحوثيون، قال مسؤول محلي إن 17 شخصا على الأقل لقوا حتفهم . وقال "إن الوضع خطير للغاية وخارج السيطرة". وقال طبيب في إب إن الاختبارات ترسل إلى صنعاء لكن النتائج لم تكشف مطلقا، مضيفا "هناك حالات، لكن لا يسمح لي بالتحدث".
وفي ذمار قال مسؤول طبي محلي إن ما لا يقل عن 10 حالات اشتباه في الإصابة بالفيروس نقلت الى المستشفى وتوفي شخصان على الأقل. وقد أتى أحدهم من صنعاء، مما يعني حدوث انتقال محلي.
وقال مسؤول طبي“نشتري سترت بلاستيكية ونخيطها معًا لصنع العباءات والأقنعة الواقية. حيث لاتوجد أي طريقة أخرى.
وقال مسؤولو الأمم المتحدة إن سيطرة الحوثيين على المعلومات المتعلقة بانتشار حالات كورونا المشتبه فيها أعاقت استجابتهم لتفشي المرض. كما قال مسؤولون إنه طالما أن الحوثيين لا يعترفون رسميًا بالحالات، فلا يمكن للأمم المتحدة حشد الجهات المانحة الدولية لإرسال الإمدادات لمعالجة تفشي المرض.
في الجنوب، أعلنت السلطات عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 10 أبريل / نيسان، لرجل في السبعينيات من عمره يعمل في ميناء بمحافظة حضرموت.
فرت العديد من العائلات خوفا من تفشي المرض من حضرموت إلى عدن.
بعد عشرين يومًا، أعلنت السلطات عن مجموعة من الحالات في منطقة المنصورة ذات الكثافة السكانية العالية في عدن.
بحلول أوائل شهر مايو، أبلغ مسؤولو المدينة عن عشرات الوفيات يوميـاً.
الخدمات الأساسية في عدن تعيش في حالة فوضى بسبب الحرب الأهلية. وقد تدهور الوضع بعد سيطرة الجماعة انفصالية عليها.
تم تقسيم السلطات الصحية بين معسكرين- أولئك الموالين للحكومة المعترف بها دوليًا ,وأولئك التْابّْعون لمجموعة انفصلت العام الماضي- وحتى الموظفين ليس لديهم أدنى فكرة عمن يقدم التقارير، ولا أحد متأكد من من يتخذ القرارات.
في خضم هذه الفوضى، تغلق العديد من المرافق الصحية أبوابها. وقد توفي ما لا يقل عن خمسة أطباء يشتبه في إصابتهم بالفيروس، وفقا لمسؤول في وزارة الصحة.
ونتيجة لذلك، لا أحد يقوم بالاختبار - والسلطات ليست حريصة على رؤية أرقام أعلى, على أي حال ـ حسبما قاله أحد المسؤولين، مضيفًا "السلسلة بأكملها مختلة".
وتعتقد وكالات الإغاثة الدولية أن الفيروس ينتشر في اليمن منذ مارس. لكن الأطباء ربما غابوا عنه جزئيًا بسبب الفيضانات التي ضربت عدن في أبريل، تاركة أجزاء كاملة مغمورة في مياه الصرف الصحي والمياه لمدة أسابيع.
وقال ثلاثة من مسؤولي الصحة إن الفيضانات ساعدت على تفشي أمراض أخرى، بما في ذلك حمى الضنك والشيكونغونيا. لكن مسؤولي الصحة قالوا إن تفشي هذه الأمراض في الماضي لم يسبق له مثيل في عدد الوفيات.
وقال زكريا القعيطي، الرئيس السابق لمركز العزل الوحيد في عدن بمستشفى الأمل، إنه ليس لديه شك في السبب حيث قال"يمكنني أن أؤكد أن فيروس كورونا ينتشر في عدن".
وقال مسؤولون إن جناح العزل استقبل حتى الآن 60 حالة توفيت 20 منها.
وغالبًا ما تغمر المنشأة في الظلام لنفاد الوقود اللازم لمولدات الطاقة. ولأسابيع، لم يكن لديها مختبر مجهز ولا سيارة إسعاف خاصة لجلب مرضى فيروس كورونا.
كما لم يكن لدى المركز أي أموال - حيث قال القعيطي إن الحكومة علقت ميزانيتها بعد سيطرة الانفصاليين. ولذلك لم يتم دفع أجور 100 من موظفيه، كما استقال 15 منهم.
حالياً، تدير منظمة أطباء بلا حدود الإنسانية الدولية تنظيم مشفى الأمل.
وقال عاصم صبري، أحد سكان عدن، إن صديقه نبيل عبد الباري، رجل الأعمال الشاب الذي كان يعاني من ضيق في التنفس والحمى، مُنع من دخول أربعة مستشفيات.
وأضاف "ألقى الأطباء نظرة واحدة عليه وصاحوا قائلين" أنت مصاب بفيروس كورونا. لقد فقد الأطباء في عدن كل إنسانيتهم ورحمتهم. نحن نتجه في اتجاه خطير للغاية ".
وقال صبري إن عبد الباري عاد إلى منزله وتوفي بعد ذلك بأيام.
في القاطع، أحد أصغر مقابر عدن الست، قال عبدالله سالم ، حفار القبور إنه بات يستقبل 10 إلى 15 جثة في اليوم، أي أكثر بعشر مرات من المعتاد.
وقال إنه لا يعرف كيف يتعامل مع الجثث، لأن تصاريح الدفن لا تذكر سبب الوفاة.
وتساءل بالقول "هل هو كورونا أو حمى الضنك أو السل؟ "ليس لدينا أدنى فكرة".
أخبار ذات صلة
السبت, 16 مايو, 2020
كورونا اليمن.. تسجيل 16 إصابة جديدة لترتفع إلى 122 حالة
السبت, 16 مايو, 2020
مسؤولة أممية: كورونا تفشى بسرعة في اليمن والتعتيم يؤثر على تقييم المجتمع الدولي لخطورة الوضع الصحي
السبت, 16 مايو, 2020
مركز لعلاج الحُميات في عدن يستقبل 582 حالة خلال يومين من بينها 35 حالة اشتباه بكورونا