مهّد بيان المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، الخميس 23 أبريل/نيسان، إلى ما توقعه خبراء بعزم المجلس على تنفيذ انقلاب، أو "شبه انقلاب"، على الحكومة الشرعية التي يرأسها عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا والمدعومة سعوديا.
يستند المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف الأوثق لدولة الإمارات، في تحركاته الميدانية الأخيرة، ومحاولاته الاستيلاء على المباني السيادية في مدينة عدن، العاصمة اليمنية "المؤقتة"، إلى إقراره بأن حكومة عبد ربه منصور هادي، "فقدت شرعيتها بموجب اتفاق الرياض الأخير" لعدم تطبيق الشق السياسي من الاتفاق وغياب موقف "رادع لها من التحالف العربي".
وألحقت الفيضانات الأخيرة أضرارا بالغة في عدد من المدن جنوب اليمن، بما فيها مدينة عدن، دون استجابة إقليمية أو دولية عاجلة تتناسب مع جسامة "الكارثة الطبيعية المؤسفة"، كما يصفها بيان المجلس الذي يتهم الحكومة الشرعية بـ "الاستهتار بحياة وكرامة المواطنين، على خلاف ما لمسناه من تفاعلها والصرف المباشر للتعويضات عندما تعلق الأمر بمأرب اليمنية".
ويكشف بيان الخميس، أو بيان الانقلاب وفق تسميات أخرى، عن واقع الخلافات العميقة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والسعودية التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية بالشراكة مع دولة الإمارات الداعم الأساسي للمجلس الانتقالي.
هناك الكثير من المسوغات التي ساقها المجلس الانتقالي لتفسير الخطوات "التصعيدية" التي أقدم عليها منذ ليلة السبت، 25 أبريل/ نيسان، منها استمرار "التحشيد العسكري من قبل مسلحين تابعين للتجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمين) باتجاه مدن شبوة وأبين وعدن"، بالإضافة إلى اتهامات يوجهها المجلس باستمرار عمليات الاعتقال والخروقات من قبل القوات الحكومية في شبوة وأبين وحضرموت والمهرة وسقطرى.
ويلقي المجلس الانتقالي باللائمة "ضمنا" على السعودية لعدم الرد على "الخطابات الرسمية التي وجهها المجلس للتحالف العربي لإيضاح أسباب منع عودة فريق المجلس الانتقالي في اللجنة المشتركة لتنفيذ اتفاق الرياض إلى عدن في 11 مارس/آذار الماضي".
وكانت السعودية قدر رعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اتفاقا لإنهاء الانقسامات والصراع على السلطة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تضم ممثلين عن المجلس وقوى جنوبية أخرى، على أن تخضع جميع القوات العسكرية تحت سيطرة حكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
ويرى خبراء ومحللون أن فشل السعودية في توظيف امكانياتها لإرغام طرفي النزاع على تنفيذ اتفاق الرياض، من بين الأسباب الأساسية التي تنذر بتفجر الأوضاع في مدينة عدن وباقي محافظات جنوب اليمن، وحدوث المزيد من التصدعات في الجبهة المناهضة لجماعة أنصار الله "الحوثي".
من الواضح أن السعودية بعد خمس سنوات على تدخلها في اليمن وقيادتها التحالف العربي لدعم الشرعية بالشراكة مع دولة الإمارات، باتت تركز بشكل أكبر على إيجاد مخارج "سليمة" للتخلص من تبعات الصراع في اليمن والخروج من الحرب بشكل أو بآخر كانت بعض ملامحه باستغلال جائحة كورونا وإعلان وقف إطلاق نار من جانب واحد، في 8 أبريل/نيسان، وهو القرار الذي رحبت به الأمم المتحدة ومعظم دول العالم، وكذلك جماعة الحوثي التي رحبت أيضا بإعلان التحالف العربي تمديده لمدة شهر إضافي ابتداء من الجمعة، 24 أبريل/نيسان.
ومع تفشي فيروس كورونا وانشغال دول العالم بمواجهته، ومنها السعودية، وتزامنه مع التراجع الحاد "غير المسبوق" في أسعار النفط في السوق العالمية، والمكاسب العسكرية التي تحققت لجماعة الحوثي ميدانيا، وواقع زيادة الانقسامات في الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي، فإن الرياض تجد نفسها أمام خيار التخلي التدريجي عن الانخراط الكامل في الحرب باليمن لتخفيض الإنفاق والتخفيف من الضغوط المالية "المستجدة" على الاقتصاد السعودي.
في الواقع، فقدت الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية، الكثير من نفوذها وسلطاتها الحصرية بعد تشكيل كيانات "موازية" سياسية وعسكرية بدعم دولة الإمارات ضمن المجلس الانتقالي الجنوبي، في حين تخضع مؤسسات الدولة الأساسية لسيطرة جماعة الحوثي منذ انقلاب سبتمبر/أيلول 2014 وسيطرة الجماعة بمشاركة قوات المؤتمر الشعبي العام على العاصمة صنعاء والانقلاب على مخرجات الحوار الوطني لتقاسم السلطة في اليمن.
ولا يبدو التصعيد الأخير من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي والإعلان عن "الإدارة الذاتية للجنوب"، بمعزل عن "برودة" العلاقات بين الرياض وأبو ظبي وظهور المزيد من التناقضات في سياساتهما في اليمن نتيجة الخلافات والاشتباكات بين القوات المؤيدة للحكومة الشرعية والقوات الأخرى المدعومة إماراتيا بقيادة المجلس الانتقالي.
لذلك، فإن اتفاق الرياض فشل في تحقيق وحدة صف القوى المناهضة لجماعة الحوثي، بل يرى مراقبون أنه حقق نتائج عكسية زادت من حدة الانقسامات في الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي التي استغلت التطورات في جنوب اليمن لتعزيز مواقعها العسكرية بالسيطرة على مناطق سبق أن خسرتها في سنوات سابقة، مثل محافظة الجوف وأجزاء مهمة من مدينة مأرب وتعزيز قبضتها في مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة.
وسيواصل المجلس الانتقالي الجنوبي اتخاذ المزيد من الخطوات "التصعيدية" المتلاحقة لفرض الأمر الواقع في جنوب اليمن بالإعلان عن "حالة الطوارئ" العامة في عدن وعموم محافظات الجنوب، وتكليف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية بالتنفيذ اعتبارا من يوم السبت 25 أبريل/نيسان 2020.
وينظر إلى هذه الخطوة على أنها تمثل بداية "انقلاب مكتمل الأركان" بعد تحركات عسكرية في محاولة منها للسيطرة على المباني والمؤسسات السيادية التابعة للحكومة الشرعية والتي تخضع لحماية قوات سعودية في الغالب أو قوات تابعة للحكومة الشرعية.
وينطلق المجلس الانتقالي في "إضفاء الشرعية" على قراراته والخطوات التي يتبعها من "إعلان عدن" في 4 أيار/مايو 2017، وهو عبارة عن "تفويض شعبي منحه أبناء الجنوب للمجلس الانتقالي".
لكن الخطوات "التصعيدية" للمجلس الانتقالي جوبهت برفض الحكومة الشرعية التي رأت فيها "استمرارا للتمرد المسلح في أغسطس/آب الماضي، وإعلان رفض وانسحاب من اتفاق الرياض"، وفقا لبيان وزارة الخارجية في الحكومة الشرعية التي حمّلت المجلس "التبعات الخطيرة والكارثية" لإعلانه حالة الطوارئ العامة.
كما أن العديد من المحافظات أعلنت رفضها لتحركات المجلس الانتقالي الجنوبي وإعلانه ما يشبه "الإدارة الذاتية" الخاضعة لسلطته في العاصمة المؤقتة "عدن".
في كل الأحوال، لا يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي يمتلك ما يكفي من القدرات القتالية أو الإمكانيات المالية لفرض الأمر الواقع في جنوب اليمن مع تصاعد قدرات القوى المناهضة له ضمن قوات الحكومة الشرعية.
الأناضول