نقلت صحيفة "العربي الجديد" اللندنية عن مصادر مقرّبة من قيادة المجلس الانتقالي الانفصالي، قولها، إن" دولة الإمارات العربية المتحدة، تعزز من خطوط التواصل بين وكلائها في المجلس وبين المسؤولين الروس، في محاولة لإيجاد قنوات مستمرة، وذلك في وقت تستعدّ فيه المليشيات المدعومة من أبوظبي لأي تطورات قد تحدث على الأرض في جنوب اليمن، وخصوصاً عدن، في ظل تعنتها في الانصياع لتنفيذ اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بهدف وضع حد لتبعات انقلاب الانفصاليين في جنوب اليمن".
وذكرت المصادر، أن لقاءً جديداً عُقد بين مسؤولين روس وقيادة الانتقالي بتنسيق إماراتي، واضعة إياه في إطار الاستعداد المبكر لمواجهة أي خطوات قد تتخذها السعودية ضد حلفاء الإمارات على خلفية رفض تطبيق اتفاق الرياض. وبذلك تكون الإمارات قد تراجعت للخلف لتقود مواجهة دبلوماسية وسياسية غير مباشرة مع السعودية، وتعزز موقف وكلائها عن طريق دعم روسي على غرار ما فعلته مع اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وذلك في حال قبول الروس التدخل بشكل مباشر في مواجهة السعودية في اليمن، خصوصاً أن السعوديين هم المسؤولون الأساسيون عن الملف اليمني، وهو السبب الذي دفع الروس للتردّد بمواجهة السعودية في اليمن بشكل مباشر منذ انطلاق عاصفة الحزم، عام 2015.
مع العلم أن اللقاء الأخير بين مسؤولين روس وقيادات في الانتقالي لم يكن الأول من نوعه، إذ سبق أن نسقت الإمارات زيارة رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي إلى موسكو في 19 مارس/آذار 2019. وأثناء زيارة الزبيدي وصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى روسيا في زيارة رسمية، ما فسر يومها أن الإمارات أرسلت الزبيدي إلى روسيا قبل زيارة بن زايد، كي لا يقال إنهما ذهبا معاً. وبالتزامن مع الزيارة يومها، زار السفير الروسي في اليمن فلاديمير دودشكين (المقيم في السعودية) مقر الانتقالي في عدن.
وأثناء مشاورات الرياض لحل الأزمة بين الشرعية والانتقالي، عقد في أغسطس/آب الماضي لقاء بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ووفد من الانتقالي، ثم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عقد اجتماع بين الزبيدي والسفير الروسي في الإمارات سيرغي كوزنيتسوف. وجرى لقاء آخر بين دودشكين وبين أحد أعضاء المجلس الانتقالي في الرياض في شهر فبراير/شباط الماضي. وجميع هذه الاجتماعات كانت بتنسيق من الإمارات.
ووفق خبراء سياسيين فإن سعي الإمارات ووكلائها لإعطاء فرصة لدخول روسي على الخط في جنوب اليمن، وعدن تحديداً، هو سلاح ذو حدين. ففي حال تدخلت روسيا لصالح الإمارات ووكلائها فإنها قد تغير سيْر المشهد اليمني. كما من شأن هذا الأمر أن يضع السعودية في مواجهة روسيا، ويهدد علاقة الرياض بأبوظبي. أما إذا رفضت روسيا التدخل، فإن الغضب السعودي المتوقع قد يقلب موازين، وتعجز الإمارات ووكلائها في إيجاد حليف آخر للتخفيف من ردة فعل الرياض حيال ما تتعرض له من غدر على يد حليفتها أبوظبي ووكلائها في الجنوب اليمني.
ومنذ اللحظات الأولى التي رفض وكلاء الإمارات الالتزام بتوجيهات القيادة السعودية في تسليم بعض المرافق لقوات تم تدريبها في السعودية ضمن بنود تنفيذ اتفاق الرياض، بدا أن ردة الفعل السعودية تشير إلى غضب من هذا الإجراء. بالتالي وصلت قوات كبيرة من الشرعية إلى أبين، وعلى رأسها أبرز القيادات العسكرية في الجنوب الموالية للشرعية، بعد أن رفض وكلاء الإمارات تطبيق حزمة جديدة من بنود الاتفاق من خلال استقدام الحشد العسكري من الضالع ولحج ويافع وردفان إلى عدن وأبين في تحدٍ واضح لمساعي السعودية لتطبيق الاتفاق.
ورأى مراقبون لهذه التطورات، أن السعودية أعطت حرية الحركة لقوات الشرعية، في التلويح بانتظار ساعة الصفر لاقتحام عدن عسكرياً، إذا استمر رفض الانتقالي تنفيذ الاتفاق. ومع أنها رسالة من الشرعية، إلا أنها تُعدّ بدرجة رئيسية رسالة سعودية بدعم قوات الشرعية في السيطرة على عدن عسكرياً.
وأبدى كثر اعتقادهم بأنه إذا ما اتخذت الرياض والشرعية هذا الخيار، مع غياب الدعم الإماراتي على الأرض، فإن حسم المعركة سيكون لصالح قوات الشرعية وسيخسر الانتقالي وخلفه الإمارات مكاسبهم التي أكدها اتفاق الرياض. أما في حال حاولت الإمارات التدخل هذه المرة في استهداف قوات الشرعية المدعومة سعودياً، فإن المعركة قد تتخذ أبعاداً كارثية بين السعودية والإمارات، وهذا الخيار غير وارد بنسبة كبيرة، بفعل تهرّب الإمارات من المواجهة المباشرة مع السعودية. لكن الخيار العسكري، وبقدر ما سيكون لصالح الشرعية، إلا أنه قد يفتح المجال لتوترات كبيرة في الجنوب.
ويدفع أطرافا إقليمية ودولية لدعم أطراف محلية تعرضت للهزيمة على يد الشرعية، ويعيد استخدام الشارع كما كان منذ انطلاق الحراك الجنوبي في جنوب اليمن منذ عام 2007 وحتى انطلاق الحرب في 2015.
وتتفق مصادر عدة على أن الإمارات ووكلاءها يتخبطون حالياً، فتارة يصعّدون ويهددون ويهاجمون السعودية وتارة أخرى يهادنون. ويسود اعتقاد بأنهم يراهنون على أن كثيرا من العوامل قد تتغير في المشهد اليمني، ليحاولوا استغلالها وإفشال اتفاق الرياض وفرض سيطرتهم وقوتهم على كامل الجنوب.
ومن أبرز هذه العوامل ليس فقط انتظار الحصول على حليف دولي كبير كروسيا أو غيرها، بل يعولون على انتصار الحوثيين على الشرعية والسعودية في الشمال، خصوصاً في الجوف ومأرب والبيضاء، لذلك فإن أي تقدم يحرزه الحوثيون يُفرح وكلاء الإمارات أكثر من الحوثيين، لاسيما أن من يقود ويشرف ويدعم قوات الشرعية في هذه المناطق هي السعودية، بعد أن أجبرت الشرعية الإمارات على الانسحاب من العمل الميداني في اليمن إثر دعمها تمرّد عدن واستهدافها قوات الشرعية على مداخل العاصمة المؤقتة بواسطة طائراتها الحربية، مستغلة تواجدها حينها ضمن قيادة التحالف وامتلاكها النفوذ في الجانب العسكري.
في السياق، أفادت مصادر عسكرية في المنطقة العسكرية الرابعة وفي السلطة المحلية بعدن، بأن مليشيات المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات راقبت تقدم الحوثيين في الجوف الذي رفع معنوياتها، لتصعّد لهجتها وتحديها للسعودية والشرعية معاً، وبالتالي حشد قوات عسكرية للتوجه نحو عدن وأبين، لكن مع تراجع الحوثيين في الجوف وفشل الحوثيين في اقتحام مأرب عن طريق صنعاء والجوف والبيضاء بدعم سعودي في العتاد والغطاء الجوي الكثيف، خفض الانتقالي ووسائل إعلامه ونشطاؤه من استهداف السعودية تحديداً.
في المقابل، هناك من يعتقد أن استمرار الإمارات ووكلائها في رفض تسليم عدن للحكومة والتحالف وفشلهم في ضبط الأمن وتوفير الخدمات وإعاقة عمل المؤسسات والمنظمات الدولية، وانتشار العصابات والقتل والاغتيالات والنهب وتعدد أقطاب الصراع في عدن وانتشار مليشيات لا يعرف انتماوها وولاؤها، فضلاً عن التطورات العالمية فيما يخص مكافحة فيروس كورونا، تعدّ من أهم التعقيدات في المشهد في عدن وتزيد من تصاعد الغضب ضد الإمارات ووكلائها. وآخر هذه الحوادث تمثل في اقتحام قوات موالية للانتقالي مستشفى الأمل، وهو مستشفى خيري لرعاية مرضى السرطان، ويقع في البريقة غرب عدن، وتم اعتماده ليكون من مراكز الحجر الصحي في عدن.
المصدر: العربي الجديد