بعد مرور عام على توقيع اتفاق ستوكهولم الذي أُعلن عن التوصل إليه نهاية 2018، بين الحكومة اليمنية والحوثيين، مازال الاتفاق حبرا على ورق، وسط محاولات متواصلة من مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، لإنقاذه من الفشل الكلي.
وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، توصلت الحكومة اليمنية والحوثيون، إثر مشاورات بالعاصمة السويدية ستوكهولم، إلى اتفاق يتعلق بحل الوضع بمحافظة الحديدة الساحلية (غرب)، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين، الذين يزيد عددهم عن 15 ألفا، وفك حصار مدينة تعز (جنوب غرب).
وتعثر تطبيق اتفاق ستوكهولم للسلام بين الجانبين، وخصوصاً فيما يتعلق بانسحاب الحوثيين من موانئ الحديدية الثلاثة وإطلاق شامل للأسرى والمحتجزين لدى الطرفين، وسط تبادل للاتهامات بالمسؤولية عن عرقلته.
الاتفاق كان يجب إنجازه كاملاً في أيام محددة لكن تعثر تنفيذه، فيما تحاول لجنة تنسيق إعادة الانتشار بالحديدة، المكونة من الأمم المتحدة والحكومة اليمنية والحوثيين، إعادة الحياة له من خلال اجتماعات متواصلة تعقدها في سفينة أممية متواجدة في المياه الدولية في عرض البحر الأحمر.
وفي 19 ديسمبر الجاري، أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، استيفان دوغريك، في مؤتمر صحفي بمقر المنظمة الدولية، أن أعضاء لجنة تنسيق إعادة الانتشار اتفقوا على مناقشة خطة لفتح ممرات إنسانية لتحسين وصول المساعدات وتسهيل حركة المدنيين بسلاسة وبدون قيود.
وأوضح المتحدث الأممي، أن لجنة تنسيق إعادة الانتشار عقدت، الأربعاء والخميس (18 و19 ديسمبر)، اجتماعها المشترك السابع على متن سفينة الأمم المتحدة في المياه الدولية بالبحر الأحمر.
وأردف قائلا "أكد أعضاء لجنة تنسيق إعادة الانتشار مُجدداً التزامهم بالعمل المُشترك على تنفيذ اتفاق الحُديدة".
وشدد "دوغريك"، على أن "اللجنة ملتزمة بالعمل على التنفيذ السريع لخارطة الطريق المذكورة (اتفاق ستوكهولم)".
وفيما يشارف العام 2019 على الرحيل دون أي نجاح حقيقي يُذكر، يرى مراقبون أن تنفيذ الاتفاق في العام المقبل، بات في حكم المستحيل.
** ماذا حقق الاتفاق؟
المحلل السياسي اليمني مأرب الورد، قال في حديث لمراسل الأناضول، إن "اتفاق ستوكهولم لم يحقق سوى خطوتين، تمثلت الأولى في وقف إطلاق النار بمحافظة الحديدة، ويعني بها وقف الحملة العسكرية للحكومة الشرعية والتحالف العربي لتحرير الحديدة التي كانت، في ذلك الوقت، على أبوابها".
وأضاف "الورد" إن "الاتفاق جمد العمل العسكري، وثبت الوضع القائم لصالح الحوثيين وبقاء سيطرتهم على المدينة".
وفيما يتعلق بنزع فتيل أي تفجر للوضع عسكرياً من جديد، رأى "الورد"، أنه "لم يحدث أي تقدم يمكن أن ينزع فتيل الانفجار من جديد، كما لم يحدث أي انسحاب للحوثيين من الموانئ الثلاثة بمدينة الحديدة ولا من المدينة".
وقال "الورد"، إن النجاح الذي حققته لجنة إعادة الانتشار بنشر نقاط لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة، مهدد أيضا في ظل استمرار الخروق من الجانبين والقصف المتبادل الذي طال مدنيين وتسبب بنزوحهم.
وحول ملف تبادل الأسرى، اعتبر أن "ما حدث من عمليات محدودة لتبادل الأسرى هي مجرد تنازلات محدودة من كلا الطرفين، فالاتفاق نص بالأصل على تبادل كامل للأسرى، في حين أن 7 آلاف شخص مدني يتعبون للحكومة اليمنية الشرعية مازالوا معتقلين في سجون جماعة "أنصار الله".
أما فيما يتعلق بفك حصار مدينة تعز، أشار "الورد" أنه "لم يحدث أي تقدم فيه، باستثناء وعود أممية لم تتحقق".
** بصيص أمل
ورأى "الورد" أن "الاتفاق ما يزال صالحا بالنظر إلى أنه يمثل الخطوة الأساسية والتجريبية للمجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق سلام شامل للأزمة اليمنية برمتها".
ويستدرك بالقول: "لكن الأمر يحتاج إلى معجزة وجهود دولية مضاعفة لإنقاذ اتفاق السلام وتنفيذ بنوده خاصة تلك المتعلقة بالانسحابات العسكرية وتسليم زمام الأمور في المدينة لقوات الأمن المحلية".
ويعتقد "الورد"، أن "الظرف الحالي لا يسمح بدفع الاتفاق إلى المضي قدماً نحو التنفيذ، فبريطانيا التي قادت جهود وقف العملية العسكرية للحكومة الشرعية والتحالف العربي من أجل تحرير الحديدة، أصبحت منشغلة بقضاياها الداخلية بعد الانتخابات الأخيرة، والولايات المتحدة كذلك منشغلة بقضايا أخرى".
** الاتفاق ولد ميتا
المحلل السياسي المهتم بالتاريخ اليمني، ثابت الأحمدي، يبدو متشائما فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق السلام بالحديدة.
وقال الأحمدي للأناضول، إن "الاتفاق شكلي وخرج عن المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم 2216)، وجعل من الحوثيين فريقا موازيا للحكومة الشرعية".
وأضاف الأحمدي أن "التعويل على إنعاش الاتفاق اليوم يشبه حلم عودة الميت من قبره".
وتابع "الاتفاق لن يجدي شيئا، لأنه في أساسه جزء من ألاعيب المجتمع الدولي بالقضية اليمنية".
من جانبه، يذهب الصحفي رشاد الشرعبي، إلى أن ما تحقق من خلال الاتفاق كان لصالح الحوثي بإيقاف عملية تحرير الحديدة، وإتاحة الفرصة للجماعة للسيطرة على مناطق جديدة بمحافظات أخرى، فضلاً عن تطوير قدراتها العسكرية لتصل إلى عمق السعودية، فيما لا يزال آلاف المعتقلين المدنيين والمخفيين قسرا رهن الاحتجاز منذ ? سنوات، مع بقاء تعز تحت الحصار.
وقال الشرعبي: "اتفاق ستوكهولم خلال عام كامل، ألحق ضرراً بالقضية اليمنية وقسمها لقضايا فرعية وعمل على تمييع القضية الأساسية المتعلقة بإنهاء الانقلاب وتمكين الشرعية من استعادة سلطاتها والسلاح المنهوب".
وتابع: "الاتفاق ولد ميتاً ومن الصعب تنفيذه مادام وقد تجاوز الزمن مضمونه وليس فقط البرنامج الزمني الذي كان وضع له".
ورأى أن الأمم المتحدة تهتم بالاستمرار في الحديث عن تفاؤل ونجاح بتنفيذ الاتفاق الذي تعتبره إنجازا يحسب لها، وفشله يعني عجزها عن الخروج باتفاق قابل للتطبيق، وفشلها في توفير ضمانات التنفيذ.
وللعام الخامس على التوالي، يشهد اليمن حربا بين القوات الموالية للحكومة ومسلحي الحوثيين المتهمين بتلقي دعم إيراني، والمسيطرين على محافظات، بينها صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
ومنذ مارس/آذار 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، القوات الحكومية في مواجهة الحوثيين.