"منزل والدي هو الوحيد الذي تم تدميره في منطقتنا، أراد الحوثيون تقديم رسالة تهديد للآخرين بأن من سيقف ضدهم، سيلاقي المصير نفسه".
بتلك العبارة يتذكر توفيق جازم ملابسات تفجير منزل والده الشيخ في مديرية حيفان شرق محافظة تعز اليمنية، إذ اضطر والده حينها إلى المغادرة، إلا أن نبأ التفجير هو الذي وصل إليه سريعاً، ففي اليوم الثاني من خروجه كانت الحادثة التي أثرت فيه وفي كل من عايش الواقعة.
عمل متعمد
غادر توفيق وكل أفراد أسرته في عام 2017، والمشهد القاتم هو من انتقل معهم، إذ أصبحوا يعيشون مع ذكرياتهم التي يشعرون وكأن تفجير منزلهم نال منها، وأراد محوها أيضاً، فمنزلهم هو من شهد كل أحلامهم وأفراحهم منذ الطفولة، كما أنه شاهد على مسيرة والديه التي مرت بمنعطفات كثيرة.
وعزا توفيق تفجير منزل والده إلى أنه عمل متعمد، بعد أن امتنع والده عن الحضور مع آخرين لدى الحوثيين، للتوقيع على وثيقة تسمح بسيطرتهم على المديرية، فكان التفجير بمثابة تهديد ولبث الرعب والخوف عند أبناء المنطقة، حتى لا يتبنوا أي شكل من أشكال المقاومة.
موروثات الحكم الإمامي
ويقول الباحث محمد ضيف الله لموقع الجزيرة مباشر إن الحوثيين ورثوا تقليد تفجير منازل خصومهم وللمؤسسات الدينية والمدنية من الحكم الإمامي الذي كان يحكم ما يعرف باليمن الشمالي، قبل الثورة عليه وإسقاطه وإعلان الجمهورية في 26 من سبتمبر/أيلول 1962، مؤكداً أنهم، أي الحوثيين، يستندون إلى حكم فقهي في مذهبهم، يبيح نهب وتدمير ممتلكات من يخرج عليهم.
وأشار ضيف الله إلى أن هناك قرى دمر أغلب منازلها في عدة محافظات يمنية، والحوثيون يلجؤون إلى هذه الفعل التدميري عندما يواجهون مواجهة عنيفة، بينما يكتفون بتدمير منزل أو اثنين، في تقليد غريب، في أكثر المناطق التي سيطروا عليها، وذلك من أجل الترهيب وإخضاع السكان لحكمهم.
انتهاكات موثقة
ووثقت تقارير حقوقية دولية ومحلية إلى أن عدد المنازل التي تم تفجيرها يصل إلى 898 منزلا ومنشأة منها تعليمية ودينية في 21 محافظة يمنية وذلك من الفترة من أول سبتمبر/أيلول 2014، و31 من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وللمرة الأولى تم الإعلان في مدينة مأرب (شمال شرق) عن هيئة مدنية لضحايا تفجير المنازل، وتأتي مهمة الهيئة في الأساس بحسب القائمين عليها إلى إبراز وحشية هذا النوع من الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، والعمل على حصرها وتوثيقها تمهيداً لمحاكمة مرتكبيها وتعويض الضحايا عما لحقهم من أضرار مادية ونفسية.
وذكر الناشط الحقوقي سليمان عبد السلام أن تفجير المنازل أو إحراقها وإتلاف محتوياتها، هي جرائم حرب وثقها الجميع، وتستخدم كدعاية من أجل إرهاب المناوئين، حيث يصورون التفجير ويبثونه في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار عبد السلام إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا الذي سيطر مؤخراً على مدينة عدن، عمد أيضاً إلى الأمر نفسه، لكنه أحرق ولم يفجر، وكل ذلك من أجل تخويف أي معارض له، على حد قوله.
وأضاف أن التفجير يأتي لاحقاً أو مصاحباً للتهجير والنهب، حيث تريد هذه الجماعات ضرب أهم شيء يعتز به المواطن في اليمن وهو منزله وأرضه التي يرتبط بها ارتباطاً كبيراً، فتعمل على إهانة كرامته، فيلجأ الآخرون إلى الصمت حتى لا يتعرضوا لمثل هذا العقاب.
معاناة الأطفال
بدورهم لم يعش الأطفال بمنأى عن هذه الجريمة التي ظلت عالقة في أذهانهم، خاصة التأثير النفسي والاجتماعي لها، وهو ما يشعر به الطفل عرفات سالم صالح (12 سنة) وقد أرادت جماعة الحوثي من تفجير منزله عقابا لوالده، إلا أنه يشعر بأن التعذيب كان له مباشرة.
عرفات لا يندمج في اللعب كثيراً وجدناه وهو يحاول أن يصرف أخته بعيداً، على الرغم من أن المكان كان بجوار "خيمتهم" التي غدت منزلهم الجديد في مخيم لا تتوافر فيها أبسط الخدمات، حيث يقع مأواهم الجديد شرق مدينة مأرب، وهو عبارة عن خيمتين مهترئتين.
يشعر عرفات بالأسى عندما يتذكر منزلهم الجميل في منطقة أرحب التابعة لمحافظة صنعاء، ويقول إن بيتهم كان مبنيا من الحجر، والآن لم يستطيعوا الحصول على مثله بعد أن نهبت أموال أسرته، فالدخل الذي يجده والده اليوم لا يكفي للطعام والشراب.
حاولنا التحدث مع والده، الذي أراد فقط الإشارة إلى أن لحظة التفجير أثرت على أطفاله، حيث فجر الحوثيون منزله لأنه هرب منهم ولم يقبل بأن يقاتل معهم، فكان فعلهم انتقاماً منه، لكن الذي أثر فيه حالة أطفاله، إذ شاهدوا العملية من البداية بعد أن تمت زراعة المتفجرات في أنحاء المنزل، وكان الأطفال وأمهم يرون ذلك، ويقول "إلى وقت قريب وطفلته الصغيرة تستفسر منه عن أسباب تفجير بيتهم".
المصدر: موقع الجزيرة مباشر