اتجهت بؤر الصراع في المنطقة خلال العامين الماضيين إلى استخدام أوسع للطائرات المسيّرة، سواء من الدول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، أو من قوات محلية شبه عسكرية تخوض حروبا بالوكالة عن دول أخرى، مثل جماعة "الحوثي" في اليمن.
تشير معظم التقديرات إلى أن إيران تقف - بشكل ما - وراء تزويد الحوثيين بأعداد كبيرة من الطائرات دون طيار.
ولا تتحمل إيران الكثير من الإنفاق من أجل إدامة زخم الحرب التي تخوضها الجماعة بالوكالة عنها ضد منافسها الإقليمي السعودية، التي تتحمل أعباءً باهظة في حربها الطويلة التي في اليمن منذ نحو 5 سنوات.
في حين لا يوجد إعلان رسمي عن تزويد إيران لحلفائها في اليمن بطائرات دون طيار، إلا أن القيادة المشتركة لتحالف دعم الشرعية تواصل التذكير بتزويد إيران لحلفائها بمثل تلك الطائرات.
أما وسائل الإعلام الإيرانية، فتشير دائما إلى أن الحوثيين قاموا بتطوير أنواع من الطائرات دون طيار، لاستهداف المنشآت العسكرية السعودية والبنية التحتية للمطارات والطاقة.
ولا يحتاج استخدام الطائرات دون طيار إلى كلفة مالية عالية مقابل ما تشكله من تهديد على الطرف الآخر في الحرب، بما في ذلك ما يتعلق بالجوانب السياسية والدعائية.
كما أن الأضرار التي تلحقها الطائرات المسيرة لا تبدو كبيرة مقارنة بالأضرار التي يمكن أن تتسبب به المقاتلات التي يمتلكها التحالف العربي والتي يفتقر إليها الحوثيون، لكن استخدامها ضد السعودية والتحالف يكتسب رمزية معنوية لدى الجماعة ومؤيديها.
الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة والقدرات التي تمتلكها الجماعة في اختراق العمق السعودي، فرض على التحالف تغيير العديد من استراتيجياته الدفاعية مع إنفاق متزايد على منظومات الصواريخ الدفاعية ودوريات المقاتلات للتصدي لتلك الطائرات ومنع وصولها إلى أهدافها.
وتحلق الطائرات المسيرة معظم الأحيان على ارتفاعات منخفضة جدا دون مدى الكشف الراداري؛ ما يجعل عملية رصدها وتحطيمها أمرا بالغ الصعوبة على الدفاعات الجوية لقوات التحالف ومنظومة الدفاع "باتريوت" ذات الكلفة العالية التي تبلغ عدة ملايين من الدولارات للصاروخ الواحد، قياسا إلى تكلفة الطائرة دون طيار والتي لا تتعدى عشرات أو مئات آلاف الدولارات.
ونقلت وسائل إعلام في مارس/آذار 2017، عن الجنرال الأمريكي ديفيد بركينز قوله إن صاروخ "باتريوت" الذي تقدر قيمته بحوالي 3 ملايين دولار يستخدم لإسقاط طائرة مسيرة "درون" قيمتها 200 دولار فقط.
ولا يوجد أرقام محددة لعدد الغارات التي نفذها الحوثيون بطائرات مسيرة ضد السعودية أو قوات التحالف، إلا أن تقارير غربية رجحت أن تكون الجماعة نفذت أكثر من 60 غارة داخل السعودية ونحو 10 غارات داخل اليمن؛ ما يكشف تركيز الجماعة على استهداف العمق السعودي بشكل أكبر من استخدامها ضد قوات التحالف.
ومن متابعة لبيانات التحالف والحوثيين، فإن معظم الغارات بالطائرات المسيرة ركزت على البنية التحتية والمنشآت العسكرية والمدنية في أبها ونجران وجازان، و"قاعدة الملك خالد الجوية" في مدينة خميس مشيط، وبدرجة أقل على أهداف عسكرية للتحالف العربي داخل اليمن.
استخدمت الجماعة بنجاح طائرات مسيرة في استهداف تجمعات لجنود قوات التحالف أكثر من مرة، معتمدةً - وفق ما يبدو - على معلومات استخباراتية دقيقة.
منذ العام 2017، تحدثت الجماعة عن امتلاكها مجموعة من الطائرات المسيرة لأغراض الاستطلاع والمراقبة وشن الهجمات، قالت إنها تقوم بتصنيعها بقدراتها الذاتية، لكنَّ مراقبين يعتقدون أن الجماعة ليست قادرة على تصنيع مثل هذه الطائرات، بينما بإمكانها شرائها من الأسواق التجارية وتطويرها لأغراض متعددة.
في أيار/مايو الماضي، استهدفت طائرات مسيرة منشأة نفط سعودية قرب الرياض، تباينت الروايات حول مكان انطلاقها سواء من اليمن، حسب وسائل إعلام الحوثيين، أو من العراق وفق وسائل إعلام أمريكية.
في 11 أبريل/نيسان 2018، استخدمت الجماعة لأول مرة طائرات مسيرة، مستهدفةً مطار أبها الدولي ومنشآت داخل مدينة جيزان قال المتحدث باسم قوات التحالف إن الطائرتين لم تصلا أهدافهما.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، استهدفت الجماعة القاعدة الجوية في محافظة لحج (30 كيلومترا شمال العاصمة المؤقتة عدن)، أسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين.
ومطلع أغسطس/آب، استهدف عدد من الطائرات المسيرة وصاروخ باليستي عرضا عسكريا لقوات الحزام الأمني المرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، أسفر أيضا عن مقتل العديد من كبار القادة العسكريين.
وأبرز الذين سقطوا في الهجوم، منير اليافعي "أبو اليمامة"، والذي أثار مقتله اشتباكات واسعة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة اليمنية، وهي الاشتباكات التي أدت إلى خسارة قوات الانتقالي العديد من المدن ومناطق سيطرتها جنوب اليمن.
ويعد الهجوم بعشر طائرات مسيرة في 17 أغسطس، على "حقل الشيبة" النفطي السعودي (ألف كيلومتر عن الحدود اليمنية وأقل من 10 كيلومترات عن الحدود مع الإمارات)، الاستهداف الأكثر تهديدا للبنية التحتية لقطاع الطاقة السعودي.
ومع أن مسؤولين سعوديين صرحوا بأن الهجوم على "حقل الشيبة" لم يخلف سوى أضرارا طفيفة، لكنه أظهر القدرات المتزايدة للجماعة بشكل أكبر من قدراتها منذ بدء الحرب في مارس/آذار 2015.
وفي تصريحات المتحدث باسم قوات الجماعة في 2 أغسطس، أعلن أن أكثر من 50 غارة شنتها طائرات مسيرة استهدفت مواقع داخل السعودية بين مايو الماضي وأغسطس الجاري.
وبعيدا عن التكلفة المالية الكبيرة في التصدي للطائرات المسيرة، فإن استهداف المواقع المدنية والعسكرية داخل أراضي دول التحالف يشكل تهديدا جديا للأمن والاستقرار في هذه الدول، إضافة إلى ما يتعلق بنجاح الجماعة في تصعيد النزاع بشكل يعطيها مساحة أكبر للمناورة السياسية في مفاوضات التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة.
وفي محاولة من التحالف للحد من قدرات الجماعة على استخدام الطائرات المسيرة، استهدف طيران التحالف مرات عدة "قاعدة الديلمي الجوية" قرب صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثي، والتي يُعتقد أنها تأوي العدد الأكبر من تلك الطائرات، لكن ذلك لم يؤثر على قدرات الجماعة في استخدامها.
من المرجح أن تواصل الجماعة اعتماد سياسة الاستهداف بالطائرات المسيرة دون الحاجة إلى نفقات إضافية أو دعم مالي من إيران ودول أخرى، طالما أثبتت هذه السياسة حقيقة وضع دول التحالف في نطاق التهديد الأمني المتواصل واستنزاف الموارد المالية والعسكرية لهذه الدول.
إلى جانب ذلك، فإن استخدام الطائرات دون طيار يعد تحديا عسكريا لدول التحالف العربي المتفوقة تسليحيا وتقنيا.
وفي كل الأحوال، فإن استخدام الجماعة للطائرات المسيرة لن يكون له تأثير واضح على استراتيجيات التحالف العربي بقيادة السعودية وشراكة دولة الإمارات.
المصدر: الأناضول