يعيش اليمنيون عامهم الخامس في أتون الحرب التي جعلت معاناتهم أكبر أزمة إنسانية في العالم، بحسب ما تؤكد المنظمات الأممية المعنية في هذا المجال.
وتفيد بيانات في السياق بأنّ 24 مليون يمني من إجمالي 30 مليوناً في حاجة دائمة لمساعدات تقدّمها منظمات دولية تعتمد أساليب عمل تقليدية ساهمت في ازدياد عدد المحتاجين في البلاد عاماً بعد عام. وتُبرّر المنظمات الدولية والمحلية ذلك بالعقبات الأمنية وغير الأمنية التي تواجهها في عملياتها.
وصار موضوع عدم فعالية المساعدات في اليمن من القضايا التي يُسلّط الضوء عليها إعلامياً وكذلك من قبل العاملين في المجال الحقوقي، في حين يتمنى متلقو تلك المساعدات بمعظمهم أن تُلبّى احتياجاتهم الحقيقية.
ويبيّن المسح الأخير الذي أعدّته مجموعة عمل المشاركة المجتمعية التي يُديرها فريق من المنظمات الدولية أنّ "67 في المائة من المستطلعين المتلقين للمعونات يؤمنون بأنّ المساعدات تصل إلى أضعف الفئات الاجتماعية، لكنّ 12 في المائة منهم فقط أكّدوا بأنّ المساعدات تلبّي احتياجاتهم ذات الأولوية".
يقول أحد العاملين في برنامج الأغذية العالمي في صنعاء، وقد اشترط عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إنّ "البرنامج يقدّم أكثر من 60 في المائة من إجمالي المعونة الإنسانية المخصصة لليمن سنوياً، وعمله يقتصر على تقديم الغذاء، فيما خُصّصت حصّة ضئيلة (15 في المائة) من ميزانيته كمساعدات نقدية غير مشروطة، على أنّ تُسلّم لمن تنعدم لديه وسائل الرزق والدخل".
ويؤكد أنّ "كثيرين من الذين يتلقّون السلال الغذائية دورياً يضطرون إلى بيع أجزاء من غذائهم بنصف الثمن من أجل شراء مستلزمات طبخ الطعام، بما في ذلك غاز الطهي وأدواته، بالإضافة إلى تكاليف الطبابة والأدوية وسداد ديون البقالات الخاصة بمواد غذائية أخرى".
ويشير العامل في برنامج الأغذية العالمي إلى "ضرورة الانتباه لعقبات مهمّة تساهم في هبوط أداء البرنامج وغيره من المنظمات، منها تأخير إطلاق التحالف العربي شحنات المواد الغذائية، وعرقلة الحوثيين وصول المواد الغذائية إلى مستحقيها في المناطق المتضررة بشدة"، شارحاً أنّه من شأن ذلك أنّ يعرّض المواد الغذائية للحرارة والرطوبة، فتفقد بالتالي قدراً كبيراً من جودتها وقيمتها الغذائية".
ويتابع: "كنّا قرّرنا توزيع إعانات نقدية في إطار مشاريع كثيرة، يستطيع المستفيدون منها شراء المواد الغذائية أو غيرها من أكثر متطلبات العيش إلحاحاً بالنسبة إليهم، غير أنّ السلطات الحاكمة لم تسمح لنا بأكثر من 15 في المائة فقط من إجمالي تمويلنا، وذلك لأنّها لا تستطيع التحكّم بهذا النوع من المعونات بالسهولة نفسها التي تتحكم بها في ما يخصّ حركة شحنات المواد الغذائية".
من جهته، يقول الناشط محمد علي لـ"العربي الجديد" إنّ "أبرز أسباب تدني فعالية المعونات فشل المنظمات في الحصول على تقييم حقيقي حول أولويات المستفيدين منها، وكذلك عدم تحديث معلومات التقييم المتوفرة والغياب شبه التام لرقابة المنظمات على مرحلة تنفيذ المشاريع ميدانياً لسبب رئيسي غالباً هو العامل الأمني".
ويشرح علي أنّ "المنظمات تقدّم طلباً إلى السلطات لإجراء مسوح ميدانية بهدف تقييم احتياجات المجتمع، لأنّ مثل نلك العمليات تتطلب وقتاً طويلاً ومخاطر ومساومات غير قانونية. وفي النهاية، تضطر المنظمات إلى التفاوض مع السلطات التي ترسل أفراداً من قبلها مع فرق المسح، الأمر الذي يؤثّر على ما يقوله الناس".
ويؤكد علي أنّ "المنظمات تسعى إلى العمل السهل عبر توزيع معوناتها"، مشيراً إلى أنّ "الحرب دمّرت البنية التحتية الخدمية مثل مرافق الصحة والتعليم والمياه والكهرباء وكذلك البنية التحتية الاستثمارية المُدرّة للدخل مثل المشاريع الصغيرة ومرافق الزراعة والصيد بالإضافة إلى عرقلة كسب مهارات العمل وتوفير فرص العمل، فيما لم تقدم المنظمات الدولية على إعادة تأهيل ذلك. من هنا، يبقى اليمنيون في حاجة مستمرة إلى المنظمات التي تقوم بدورها بابتزاز مستمرّ للمموّلين للعام الخامس على التوالي".
ويرى علي أنّ "استمرار أداء المنظمات الإغاثية بهذه الطريقة سوف يعرّض اليمن لكارثة، إذ إنّها تعمل على تحويل اليمنيين بمعظمهم إلى متلقين ينتظرون تلك المساعدات الغذائية التي تصل إليهم في نهاية كل شهر".
في السياق، تفيد دراسة أثر جديدة أعدّها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ومنظمتان غير حكوميتين (URD وALNAP) وبدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بأنّ المنظمات العاملة في اليمن بمعظمها تركّز معوناتها المحددة غير المتنوعة (مساعدات مالية وغذائية)، بمبرّر أنّها تستهدف الحالات ذات الاحتياج الشديد أو تلك التي المهددة بحياتها بسلع أو خدمات أساسية ومعروفة منقذة للحياة.
وتؤكّد الدراسة أنّ "إعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية التي تضررت من جرّاء الحرب يجب أن تكون مكمّلة للمساعدات المنقذة للحياة"، مشيرة إلى أنّ "إصلاح الطرقات الريفية والحضرية والبنية التحتية للمرافق الزراعية والإنتاجية سوف تؤمّن أرزاقاً مستدامة وتفاعلاً اقتصادياً أفضل وبشكل مستدام".
العربي الجديد