بين أنقاض المباني في حي شهد معارك بين المتمردين الحوثيين والقوات اليمنية، يعرض مسؤولون سعوديون مشاريع جديدة بملايين الدولارات مخصصة لليمن، في محاولة للرد على الانتقادات الموجّهة لدور المملكة في النزاع الذي تسبّب بأزمة إنسانية كبرى.
وتقود السعودية تحالفا عسكريا ضد المتمردين المقرّبين من إيران. وفي الوقت نفسه، تنفّذ مشاريع في العديد من مناطق اليمن، بينها بناء مدارس ومحطّات تحلية مياه، وسط ضغوط دولية لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات.
وأدى التدخل السعودي في آذار/مارس 2015 إلى تصعيد كبير في النزاع بين المتمردين والقوات الحكومية، وقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم عدد كبير من المدنيين قضوا في ضربات جوية شنّتها طائرات التحالف، وبات ملايين السكان يواجهون خطر المجاعة.
ويقول مسؤولون سعوديون إن المشاريع التي تنفّذ في اليمن في ظل استمرار الحرب، تأتي في إطار استراتيجية تهدف إلى التقرّب من المجتمعات المحلية وجعل اليمنيين قادرين على الاعتماد على أنفسهم في ظل اقتصاد متدهور، رغم أنّ ناشطين يشكّكون في فعاليتها.
في ميدي في شمال غرب اليمن بالقرب من الحدود السعودية، أعلن مسؤولون سعوديون مؤخرا أن "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن" الذي يقود هذه الاستراتيجية منذ تأسيسه في أيار/مايو 2018، سينفذ مشاريع جديدة بقيمة سبعة ملايين دولار.
وذكر المسؤولون في حفل في الحي الذي طغى عليه الدمار، أن المشاريع وعددها 11، تشمل بناء مدرسة ومركز صحي ومحطة لتحلية المياه.
وقال مدير المشاريع في البرنامج حسن العطاس لوكالة فرانس برس "تأتي هذه المشاريع امتدادا للمشاريع الكبيرة والكثيرة التي نفّذتها وتنفّذها حكومة المملكة العربية السعودية في اليمن الشقيق".
ولم يحدّد المدة المتوقّعة للانتهاء من تنفيذ المشاريع في ميدي.
في كل مكان
وتبدو مديرية ميدي الساحلية الواقعة على بعد نحو 10 كلم من الحدود مع السعودية، في حاجة إلى عملية إعادة اعمار ضخمة ولحملة لنزع الألغام التي زرعت فيها إبان سيطرة المتمردين عليها.
ويخشى العديد من سكان ميدي الذين نزحوا عن منازلهم جراء الحرب، العودة إلى بيوتهم بعد أن استعادتها القوات الحكومية في نيسان/أبريل 2018، بسبب الألغام المنتشرة بين انقاض الأبنية والسيارات المحترقة.
كما أدّت الاضرار التي أصابت مراكب الصيد خلال القتال، والألغام البحرية، إلى شلل في حركة الصيد.
ويقول عبد الفتاح (46 عاما)، وهو أستاذ يمني يعيش في مدينة جيزان السعودية الحدودية، "الألغام في كل مكان"، مضيفا "إذا نزعت الألغام، يعود الناس بعد الإعمار وتوفير المسكن لهم (...) والخدمات الصحية والتعليمية والكهرباء والمياه".
وتخضع ميدي إداريا لمحافظة حجة التي تشهد معارك ولا يزال المتمردون يسيطرون على مناطق عدة منها.
ورغم تأكيدات المسؤولين بأنّ ميدي آمنة، قوبلت محاولة فريق تلفزيوني سعودي بنقل الحفل على الهواء مباشرة بالاعتراض من جانب صحافيين حذّروا من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى كشف موقع تواجدهم وتدفع المتمردين لإطلاق صواريخ باتجاههم.
من السيء الى الأسوأ
وتقدّم السعودية نفسها على أنها أكبر المانحين لليمن، إلى جانب دولة الإمارات العربية التي تتولّى دورا قياديا في التحالف العسكري وتتمتّع بنفوذ كبير في جنوب اليمن وغربه.
وقدّم البلدان نحو 18 مليار دولار منذ 2015 على شكل مشاريع ومساعدات، وتقول الرياض إن حصتها من هذا المبلغ هي 12 مليار دولار.
ورغم هذه المبالغ، نشر ناشطون يمنيون الشهر الماضي عريضة على الإنترنت طالبوا فيها بتطبيق "مبدأ الشفافية وتعزيز الرقابة المجتمعية على أداء المنظمات العاملة في اليمن" التي تلقّت بعض هذه الأموال.
وكتب هؤلاء "كل هذه الأموال التي تم ضخها إلى اليمن، وما يزال المستوى المعيشي والصحي والاقتصادي ينحدر من سيء إلى أسوأ، الأمر الذي خلق تساؤلات حول فاعلية وكفاءة المنظمات في إدارة هذه الأموال".
ولا توازي المبالغ التي قدّمتها السعودية والإمارات الخسائر التي تعرّض لها اليمن.
وأظهرت دراسة أعدّها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الخسائر الاقتصادية وصلت إلى 88,8 مليار دولار هذا العام بسبب النزاع، وستستمر بالارتفاع طالما أن الحرب متواصلة.
وقال الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أوك لوتسما "حتى لو حلّ السلام غدا، قد يحتاج اليمن إلى عقود للعودة إلى مستويات النمو التي كان عليها قبل اندلاع النزاع".
القلوب والعقول
ويشكك آخرون في مدى فعالية المشاريع السعودية قبل انتهاء الحرب التي تسبّبت بتدمير البنية التحتية المهترئة أصلا في اليمن.
ويشير عاملون في المجال الإنساني إلى أن الحصار الذي يفرضه التحالف العسكري على الموانئ اليمنية (لمنع دخول أسلحة، بحسب ما يقول التحالف) يعيق إيصال المساعدات الانسانية.
وتقول الخبيرة في الشؤون اليمنية في جامعة سيدني سارة فيليبس لفرانس برس "فكرة أن السعوديين والإماراتيين سيفوزون بالقلوب والعقول من خلال المساعدة في إعادة الإعمار وتقديم المساعدات لمواجهة أزمة انسانية لهما دور في استمرارها، يثير السخرية".
ويرفض المسؤولون السعوديون هذا الانتقاد، معتبرين أنّه يدفع نحو صرف النظر عن تجاوزات الحوثيين.
لكن بعض اليمنيين يشكّكون في احتمال أن يكون السعوديون يستخدمون المشاريع لتعزيز حضورهم العسكري.
وتقول الباحثة في جامعة اكسفورد اليزابيث كيندال التي تزور المنطقة بشكل منتظم، أنه بالتزامن مع تمويل مدارس وعيادات في المهرة في شرق اليمن، نشر السعوديون عسكريين ومعدات في المنطقة.