في المساء، يتكئ الشاب محمد جمال قرب نافذة، ويراقب من غرفته المظلمة إطلاق النار المتجدد بين القوات الموالية للحكومة اليمنية ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) جنوبي مدينة الحديدة الساحلية، غربي اليمن.
الشاب العشريني، وهو يعمل حارسا للمنزل الواقع قرب خطوط المواجهات، قال إنه "لا يكاد يمر يوم من دون اندلاع مواجهات تتطور في بعض الليالي إلى تبادل القصف بالمدفعية الثقيلة، رغم الهدنة".
وتابع جمال للأناضول: "في إحدى الليالي تصاعد القصف بين الطرفين واستمر لساعات.. كان المنزل يهتز من شدة الانفجارات، فكرت في تلك اللحطة أن أغادر المنزل، لكن الطريق كان موحشا وتوقفت الحركة تماما".
ووسط اتهامات متبادلة بين الطرفين حول من يخرق الهدنة، قال عامر الإدريسي، وهو ضابط في قوات "العمالقة" الحكومية، للأناضول، إن "الحوثيين خرقوا الاتفاق أكثر من 1200 مرة؛ مما أسفر عن مقتل 76 مدنيا".
** وصول إنساني
طرفا النزاع توصلا، خلال مشاورات السويد في ديسمبر/ كانون أول الماضي، إلى اتفاق يقضى بوقف فوري لإطلاق النار في الحديدة على البحر الأحمر، دخل حيّز التنفيذ في 18 من الشهر ذاته.
كما ينص الاتفاق على انسحاب قوات الطرفين إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ، على أن تقع مسؤولية أمن المدينة والموانئ على عاتق قوات الأمن المحلية.
الاتفاق يقضي أيضا بتشكيل لجنة لتنسيق إعادة الانتشار، بقيادة فريق من المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة، وتضم ثلاثة ممثلين عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين.
ووفقا لوزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، في وقت سابق، فإن إعادة الانتشار تعني الانسحاب من المواقع التي تتواجد فيها القوات حاليا إلى مسافات أبعد عن الحديدة ومينائها الاستراتيجي.
غير أن الأمم المتحدة فشلت في تطبيق الاتفاق خلال 21 يوما، وهي المدة المتفق عليها للتنفيذ؛ مما أدى إلى استقالة رئيس لجنة الانتشار، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، ليخلفه الجنرال الدنماركي، مايكل لوليسغارد.
عبّر المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، عن ارتياحه لسير عمليات التفاوض، طالما أن المعارك هدأت وتيرتها، وتوقف تحليق مقاتلات التحالف العسكري العربي، بقيادة الجارة السعودية، الداعم للقوات الحكومية، منذ مارس/ آذار 2015.
ومقابل دعم التحالف للقوات الحكومية ثمة اتهامات لإيران بتقديم الدعم للحوثيين، المسيطرين على محافظات يمنية، بينها صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وبعد مفاوضات استمرت شهرين للجنة تنسيق الانتشار، طرح لوليسغارد مقترحا يتضمن انسحاب الطرفين من بعض مناطق خطوط التماس والموانئ الرئيسية، لتيسير الوصول الإنساني إلى مطاحن البحر الأحمر.
تقع تلك المطاحن جنوبي الحديدة، على خطوط التماس بين الحوثيين والقوات الحكومية، وتسيطر عليها الأخيرة حاليا، فيما تستخدمها الأمم المتحدة، منذ بدء الحرب، لطحن القمح المقدم كمساعدات للمدنيين.
** ترحيب واشتراط
على الفور وافق الحوثيون على مقترح لوليسغارد، وقال المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، إن قوات الجماعة تنتظر إشارة رئيس لجنة إعادة الانتشار لبدء التنفيذ.
فيما قال مسؤول حكومي في لجنة الانتشار للأناضول: "وافقنا على المقترح، شريطة أن يوقع الحوثيون قبل تنفيذه على اتفاق السويد، بما في ذلك الانسحاب من المدينة والميناء بالكامل".
وتوصل الطرفان في السويد إلى الاتفاق، ولم يوقع الحوثيون عليه بعد، لذا تريد الحكومة أن يوقع عليه ممثلو الجماعة في لجنة إعادة الانتشار.
وأضاف المصدر، طلب عدم نشر اسمه: "لا بد أن نكون ضمن المشرفين على تنفيذ الاتفاق، حتى إعادة إدارة المدينة والميناء إلى السلطات المحلية، التي كانت تديرها قبل سيطرة الحوثيين (عام 2014)".
وأوضح أنه "ثمة ضغوطات (لم يحدد مصدرها) على الفريق الحكومي في لجنة الانتشار للموافقة على المقترح دون تنفيذ الشروط الحكومية، مما دفع الفريق إلى التهديد باستقالة جماعية".
رغم هذا الوضع المتأزم، وصف غريفيث، في إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي، ما تحقق بأنه "تقدم كبير" على مسار تطبيق اتفاق السويد.
ودعا الطرفين إلى البدء الفوري في تطبيق الاتفاق من دون مزيد من التأخير، والاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية من إعادة الانتشار.
** لا جديد على الأرض
لكن حتى اللحظة، ما يزال الوضع على الأرض من دون تغيير، فالقوات الحكومية تطوّق المدينة من الجهة الجنوبية والشرقية، والحوثيون يتمركزن داخلها ويسيطرون على الجهة الشمالية، وما تزال المعابر مغلقة.
وقال محمد شلي، وهو ضابط في لواء تهامة الأول التابع للقوات الحكومية، للأناضول، إن "الطرفين ما يزالا يتمركزان في مواقعهما منذ سبتمبر/ أيلول الماضي دون تغيير".
واستبعد شلي أن يتم تطبيق الاتفاق بصيغته الحالية، "لكونه يمثل حماية للمسلحين الذين يفرضون سيطرتهم على المدينة، ويمارسون الانتهاكات بحق المدنيين".
وأردف: "ننسحب من المدينة إلى خارجها بنحو كيلومتر، بينما هم ينسحبون إلى داخل المدينة بنحو 350 مترا، هذا الأمر لن يكون إلا إذا كان هذا مقدمة لانسحابهم الكامل من المدينة والميناء".
وأردف أن "الحوثيين يراوغون في تنفيذ الاتفاقات لالتقاط الأنفاس وتعزيز قواتهم في المدينة، فخلال الأيام الماضية استقدموا العشرات من الآليات المسلحة، واستمروا في حفر الخنادق والتحصينات في الشوارع".
على الجانب الآخر، قال المتحدث باسم قوات الحوثيين، العميد يحيى سريع، في مؤتمر صحفي، إن القوات الحكومية تحاول الالتفاف على القرارات الأممية والتنصل من التزاماتها في اتفاق السويد، عقب عمليات تعزيز مكثفة لقواتهم وبناء التحصينات.
** خلاف كبير
بحسب عضو حكومي في لجنة إعادة الانتشار فإن "تطبيق الاتفاق يشوبه خلاف كبير، ومن الصعب تفسير تصريحات المبعوث الأممي حول تحقيق تقدم".
وأضاف المصدر، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، أن "الخلاف تجدد بين الطرفين، بعد أن امتثل لوليسغارد لمطلب الحوثيين بأن تبدأ القوات الحكومية بالتراجع من مواقعها إلى الخلف بمسافة 15 كيلومترا".
وزاد بقوله: "نعرف مغالطات الحوثيين، ولم ولن تنسحب قواتنا إلا بعد انسحابهم من الموانئ حسب الاتفاق".
وتعلق الأمم المتحدة آمالا على تنفيذ اتفاق الحديدة، كخطوة على طريق إيجاد حل سلمي نهائي لحرب تقترب من عامها الخامس، وجعلت معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
أخبار ذات صلة
الاربعاء, 20 فبراير, 2019
باحثة غربية: الاتفاق الأولي بالحديدة ربما يمنع انهيار "اتفاق ستوكهولم" لكن السلام لازال بعيد المنال
الاربعاء, 20 فبراير, 2019
رئيس الفريق الحكومي لإعادة الإنتشار في الحديدة "بن عزيز" يقدم استقالته
الاربعاء, 20 فبراير, 2019
زعيل: المرحلة الأولى من "اتفاق الحديدة" لا يمكن تنفيذها دون ضمانات وعودة السلطة الشرعية