أعترف محافظ البنك المركزي اليمني أن البنك يمر بأزمة مالية خانقة، نظرا لانخفاض الموارد العامة للدولة والتدفقات النقدية إلى البنك المركزي. وهو ما كان حذر منه اقتصاديون ومراقبون طوال الفترة الماضية.
وحذر اقتصاديون ومراقبون من التدهور الاقتصادي المتواصل بسبب سياسات البنك المركزي العشوائية والغير قانونية، والتي أدت مؤخرا إلى فقدان السيولة النقدية للعملة المحلية نتيجة إحجام المودعين من إيداع أموالهم ومدخراتهم في كافة البنوك اليمنية، ما تسبب بأزمة سيولة مالية كبيرة.
وحصل "يمن شباب نت" على نسخة من الرسالة التي وجهها محافظ البنك المركزي اليمني محمد عوض بن همام، بتاريخ 19 يوليو الجاري، إلى ثلاثة من وكلائه بالبنك، هم: وكيل المحافظ لقطاع العمليات المصرفية المحلية؛ وكيل المحافظ لقطاع العمليات المصرفية الخارجية؛ ووكيل المحافظ لقطاع المحاسبة والحاسب الألي، وأخطرهم فيها بوجود أزمة مالية خانقة يمر بها البنك، واضطراره إلى اتخاذ إجراءات "بصورة مؤقتة"، تمثلت بصرف المرتبات والأجور (فقط)، و"تأجيل بقية المسحوبات الأخرى".
وجاء في نص الرسالة المذكورة: "نظرا لانخفاض الموارد العامة للدولة والتدفقات النقدية إلى البنك المركزي، مما يتطلب اتخاذ الإجراءات المناسبة (بصورة مؤقتة) وفقا للقوانين والأنظمة والتعليمات النافذة وعلى النحو التالي:
- الاستمرار في صرف المرتبات والأجور فقط (حسابات الموازنة + الجارية) نقدا أو بالتحويلات إلى البنوك أو البريد.
- تأجيل المسحوبات الأخرى إلى وقت لاحق".
وأعتبر اقتصاديون، تواصل معهم "يمن شباب نت" للتعليق على ما ورد في رسالة محافظ البنك السابقة، أنها مؤشر واضح على صعوبة الوضع المالي للبلاد، فيما أعتبرها أخرون نتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية الفاشلة التي حذر منها خبراء اقتصاد طوال الفترة السابقة.
وضع مالي صعب
"هي مؤشر على صعوبة الوضع المالي للبنك المركزي، وهو ما كان كل المراقبون الاقتصاديون المحايدون يتحدثون عنه ويحذرون منه". يقول مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، معلقا على ما ورد في رسالة محافظ البنك المركزي اليمني السابقة.
ويضيف، ضمن تعليقه لـ"يمن شباب نت": الوضع المالي صعب للغاية لاسيما مع تفاقم أزمة السيولة للريال، البنوك تمتلك الدولار والريال السعودي لكنها غير قادرة على تلبية احتياجات عملاءها من الريال اليمني". ويضيف أيضا "دورة النقود خرجت من البنوك، والبنك المركزي سيعجز عن دفع المرتبات لكل المؤسسات خلال الفترة المقبلة".
في وقت سابق، أتهم مراقبون اقتصاديون سلطات الانقلاب الحاكمة والمسيطرة على البنك المركزي اليمني، بسحب الكتلة الأكبر من العملة المحلية من التداول، بعد استنفادها كافة السبل والوسائل المتاحة، ما أدى إلى احداث أزمة سيولة في البلد، نجم عنها إعلان كثير من البنوك عدم قدرتها على توفير متطلبات عملائها من النقود الا بمبالغ محدودة لا تفي باحتياجاتهم، وعدم قدرة معظم الجهات الوفاء بالتزاماتها بما في ذلك دفع مرتبات منتسبيها.
وتتهم الميليشيات الحوثية الانقلابية، باعتبارها الجهة التي تسيطر على قرار البنك وكافة موارد الدولة، بالفساد الممنهج والغير ممنهج، وعبثها بميزانية الدولة وإيراداتها لمصلحة حروبها الداخلية، على الرغم من إبرام اتفاق مع الحكومة الشرعية برعاية دولية قضى بتحييد "البنك المركزي" والإجراءات الاقتصادية بشكل عام حفاظا على النظام الاقتصادي من الإنهيار، غير أن مثل هذا الاتفاق لم يتم العمل به حرفيا، الأمر الذي تثبته حالة التوهان والعجز المالي الذي يمر به البنك المركزي في الوقت الراهن.
ويقول أحد المراقبين الاقتصاديين لـ"يمن شباب نت"، معلقا على رسالة المحافظ: "هذا أمر طبيعي، لا يكشف سوى ما كنا ندركه جميعا من أن البنك المركزي يمر بعجز كبير في السيولة".
وكانت أزمة السيولة هذه تصاعدت أكثر حتى بلغت ذروتها قبل عيد الفطر الماضي، بشكل خاص، وانتظرت قيادة البنك المركزي حتى الأن، على أمل أن تحدث انفراجه عقب العيد "عسى وعلا أن يقوم التجار بإيداع أموالهم بالبنوك" بعد العيد، بحسب المصدر الاقتصادي السابق، الذي فضل إخفاء هويته، وأضاف موضحا "إلا أن ما حصل هو العكس تماما"، وهي نتيجة طبيعية ومتوقعة في اعتقاده نظرا لفقدان المودعين ثقتهم بكافة البنوك اليمنية، التي تعرضت لضغوط كبيرة جدا وغير مسبوقة من قبل المودعين بغية سحب أموالهم، لكنهم كانوا يعودون بخفي حنين، وأفضلهم كان يعود بأقل من المأمول بكثير بعد طوابير طويلة، تستمر من بداية الدوام صباحا وحتى نهايته مساءا..!! الأمر الذي يقول "هز ثقة الناس بهذه البنوك، ما جعلهم يحجمون عن إيداع المزيد من أموالهم فيها والاحتفاظ بها لديهم"، للإبقاء على السيولة النقدية بين أيديهم دون أن يضطروا للمعاناة مجددا.
وتتطابق رؤية مسئول اقتصادي سابق في الدولة مع سابقه، حيث أعتبر في تصريحاته لـ"يمن شباب نت" أن مضمون رسالة المحافظ الأخيرة "تعد نتيجة طبيعية لسياسات قيادة البنك المركزي ووزارة المالية" والتي وصفها بـ"السياسيات العشوائية والانتحارية"، جازما بأن سلطات الأمر الواقع (الميليشيات الانقلابية) المسيطرة والمتحكمة بقرار البنك المركزي ووزارة المالية وموارد الدولة، هي من قامت بحسب السيولة النقدية، ربما نتيجة شعورها بدنو أجلها بعد أن استنفذت كافة الخيارات المتاحة القانونية والغير قانونية.
ويضيف موضحا: فبعد ان استنزفت كل احتياطيات البنك المركزي الخارجية من العملات الصعبة؛ واستهلكت مخزونها من العملة المحلية التي طبعتها لمواجهة الاحتياج، وأصدرت كميات هائلة من أذون الخزانة تجاوزت تريليون ريال خلال العام؛ بعد كل ذلك وغيره لجأت الى هذا الإجراء الانتحاري بسحب السيولة النقدية..!!.
وعليه، يعتقد أن هذه الإجراءات التي وصفها المحافظ ضمن رسالته بأنها "مؤقتة" جاءت كخيار اضطراري "لأن البنك استنفذ كافة الوسائل، ولم يعد لديه ما يصرفه"، مستدركا: "حتى وصل الأمر مؤخرا إلى توقف البنوك الأخرى عن شراء أذون الخزانة التي يصدرها البنك المركزي، لعدم وجود سيولة نقدية لديها، بسبب إحجام الناس من التوريد إليها..!!"
تعارض مع التطمينات الأخيرة
مؤخرا نشرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي تسيطر عليها الميليشيات الإنقلابية بصنعاء، خبرا وصف من معظم المراقبين الاقتصاديين الذين أخذ "يمن شباب نت" تعليقاتهم، بأنه "مجرد خبر تطميني" يحاول طمأنة المودعين واستعادة ثقتهم بالبنك المركزي وإجراءاته.
ويزعم الخبر المذكور أن البنك المركزي عقد اتفاقا مع الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة والاتحاد العام للغرف التجارية وجمعية الصرافين اليمنيين، على مواصلة التعاون المشترك لتعزيز استقرار العملة الوطنية وضخ السيولة في البنوك الوطنية. وأن هذا الاتفاق يتضمن حشد التجار والمواطنين في جميع المحافظات في نشر وتطبيق ثقافة الادخار والإيداع في الأرصدة البنكية في جميع البنوك المحلية، وكذا قيام التجار والصرافين والبنوك الوطنية بالتعامل فيما بينهم عبر النظام المصرفي بالشيكات والنقد ومنح المزايا للتجار والصرافين في عمليات الإيداع والسحب على أن يقوم البنك المركزي بتذليل الصعوبات التي تتعلق بتعاملات التجار مع القطاع المصرفي.
وقالت الوكالة أن محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام أكد للمجتمعين "أن الجهاز المصرفي اليمني متماسك وقوي رغم الظروف التي تمر بها البلاد"...، وطمأن بن همام التجار والصرافين والبنوك الوطنية بشأن انفراج مسألة ترحيل النقد الأجنبي وتغذية أرصدة البنوك الوطنية في الخارج، مؤكدا أن الأطراف الخارجية أبدت موافقتها على تنفيذ المرحلة الثانية خلال الأيام القادمة وسيتم تتابع العملية لاحقا حتى تنفرج الأزمة تماما، داعيا كافة التجار والصرافين إلى التعاون والتكامل والتعامل عبر الأرصدة البنكية وتذليل استخدام النقد، لافتا إلى أن التعاون في هذا المضمار سيكون مثمرا للدورة الاقتصادية داخل البلد ويعزز من قوة الاقتصاد ومواجهة الأخطار المحدقة بالبلد والشعب اليمني...الخ.
خبر الوكالة أعلاه نشر بتاريخ 20 يوليو، أي بعد يوم واحد من تاريخ الرسالة التي وجهها المحافظ إلى وكلائه، وأقر فيها اتخاذ تلك الإجراءات التي وصفها بأنها "بصورة مؤقتة"، ما يجعل من مضمون خبر الوكالة، مجرد "تطمينات" ومحاولة لاستعادة الثقة بالبنك. بحسب مصطفى نصر، الذي أوضح لـ"يمن شباب نت": أن "هناك اخفاء للريال، وبالمقابل هناك فقدان ثقة بالنظام المصرفي، ولذلك عقد اللقاء مع القطاع الخاص والبنوك والصرافين مؤخرا في صنعاء في محاولة لاستعادة الثقة بالبنك المركزي".
وهو أيضا ما ذهب إليه المراقب الاقتصادي الذي أشرنا إليه سابقا، حيث أعتبر أن "الوضع المالي يزداد سوءا وبشكل مفزع للجميع، تجار وبنوك وصرافين ومستفيدين، ولا احد قادر على ايقاف هذا النزيف"، مضيفا: "والوثيقة الصادرة من محافظ البنك، تقول بالمعنى المالي: إن البنك المركزي لم يعد بنك مركزي، وانه فقد السيطرة، وما تبقى لديه من سيولة سوف يستخدمها لتغطية رواتب موظفي الدولة من البريد، وأن ايداعات البنوك واذونات الخزانة وطلبات السيولة للبنوك التجارية لم يعد قادرا على تلبيتها"..!!
وعليه، يرى أنه من الأشرف للبنك المركزي "أن يعلن إفلاسه بدون مزايدات لا طائل منها"، مستدركا: "واعتقد لن يتجاوز الموضوع أكثر من شهر حتى يعلن البنك المركزي عجزه الكامل"، خصوصا وأن "المشكلة الان ستتفاقم أكثر، لأن مواعيد صرف الرواتب اقتربت".
البنوك تفرض عمولات جديدة
ويزيد من تأكيد استمرار حالة العجز في السيولة بالتصاعد، رسالة SMS بعثها قبل أيام "بنك اليمن الدولي" لعملائه، وهو أكبر البنوك اليمنية التجارية الخاصة، هذا نصها: "عملائنا الكرام نود إبلاغكم بأن عمولة السحب النقدي عبر صرافات بنوك المقسم الوطني YFS قد تغييرات إلى 370 ريال للعملية ابتداء من 21/7/2016م."..
ويعلق المسئول الاقتصادي السابق في الدولة على هذا الإجراء الذي أتخذه بنك اليمن الدولي، بالتأكيد على تصاعد أزمة السيولة النقدية، قائلا لـ"يمن شباب نت": "هذا لأن البنوك التجارية كلها عندها مشكله في السيولة، تغذي بها الصرافات او تصرفها عبر الشيكات".
وكان البنك المذكور، في السابق، لا يفرض أية رسوم عمولة على السحب النقدي، والواضح أنه لجأ إلى هذه الطريقة، وفقا للمصدر السابق، بهدف إحجام المودعين عن سحب الكثير من مدخراتهم النقدية لدى البنك، خشية استنزاف أموالهم عبر هذه الطريقة.
ويتيح الصراف الآلي للبنك سحب مبلغ 100 ألف ريال فقط كحد أعلى في اليوم، بدلا من 150 ألف ريال في السابق، ويسحب المبلغ على أربع دفعات، حيث لا تتيح العملية الواحدة سوى سحب 30 ألف ريال، ما يعني أن سحب كامل الـ100 ألف المتاحة في اليوم، ستصل عمولتها الكلية للبنك بمبلغ (1480) ريال، يتم خصمها كعمولة. وهو مبلغ ليس بقليل في نظر معظم المودعين، الأمر الذي يساعد على إحجامهم أكثر عن إيداع أموالهم لدى البنك، إذ كيف يودع أمواله بحرية في البنك، ثم لا يستطيع سحبها بسهولة، بل وبخسارة نسبة تصل إلى 1% من عمليات السحب من الصرافات، التي أصبح من النادر مؤخرا أن تجدها تعمل، بينما تلك التي ما زالت تعمل لا يتم تغذيتها إلا بمبلغ محدد في اليوم لا يمكن تجاوزه، بسبب أزمة السيولة لدى البنوك.
الخلاصة المرة
خلاصة الأمر، أن الاتفاق الذي زعمت وكالة (سبأ) المؤممة من قبل ميليشيات الانقلاب، بأنه تم إبرامه مؤخرا بين البنك المركزي والغرف التجارية واتحادها العام وجمعية الصرافين اليمنيين، مع أنه جاء فقط لبعث التطمينات للتجار والمودعين في محاولة لاستعادة ثقتهم بالبنك وإجراءاته، إلا أنه "لن يتم تنفيذه" كما يعتقد المراقب الاقتصادي الذي اعتمدنا على تصريحاته أعلاه. والسبب في نظره "لأنهم بهذا التصريح أعلنوا افلاسهم للتجار والصرافين والبنوك".
كما أن الرسالة الأخيرة الموجهة من محافظ البنك إلى وكلائه، بإيقاف السحب والاكتفاء فقط بصرف مرتبات وأجور الدولة، تعزز أكثر من حقيقة أن البنك يمر بظروف صعبة للغاية، وأن هذه الإجراءات الأخيرة، التي تظهر وكأن محافظ البنك يسابق فيها الزمن، تأتي في الوقت الضائع، حيث أصبح الحديث عن أية حلول ممكنة ليس سوى مجرد مزايدات لا يمكنها أن توقف الانهيار الكبير المحتم.
"لقد انتهى مشوار الكذب"، ومحافظ البنك "لن يوقف الانهيار المحتم..بل ليس هناك من يستطيع القيام بذلك في الوقت الراهن". يقرر المصدر ذاته هذه الحقيقة المرة.