انتهى عام 2018 ولا يزال اليمنيون يئنّون تحت الموت اليومي، والفقر والجوع والغلاء. إلا أن الشارع الذي اشتعل في عام 2011، مطالباً بالحرية والعدالة الاجتماعية، عاد ليغصّ بمطالب اليمنيين من جديد، وليفرض على السلطات تحصين بعض حقوقه البديهية.
فقد أشعل التهاوي المستمر للعملة اليمنية، احتجاجات اقتصادية في عدة مدن يمنية، العام الماضي، استمرت أسابيع، وطالبت بوضع حد للأزمة الاقتصادية والغلاء. تحركات دفعت الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى تغيير رئيس الحكومة واتخاذ حزمة معالجات وإصلاحات نقدية.
وبدأت الاحتجاجات بحملة إلكترونية تدعو إلى ثورة جياع ضد أطراف الحرب، وتحمّل الحكومة والتحالف السعودي الإماراتي الداعم لها مسؤولية إنقاذ العملة اليمنية، ووقف انزلاق البلد إلى المجاعة.
وشهدت عدن وتعز ومدن يمنية أخرى احتجاجات مستمرة، خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، إثر التدهور غير المسبوق للعملة اليمنية أمام العملات الأجنبية، وما رافق ذلك من ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية.
ولتهدئة الشارع الغاضب، أعلنت الحكومة الشرعية، مطلع سبتمبر، عن حزمة إجراءات اقتصادية بغرض إنقاذ الريال، منها رفع رواتب موظفي القطاع المدني للدولة، بواقع 30 في المائة، ابتداءً من أكتوبر، فيما اعتبر خبراء أنه إجراء قد يزيد من تدهور سعر صرف العملة.
وعلى وقع تمدد الاحتجاجات، أصدر الرئيس اليمني، في 16 أكتوبر، قراراً بإقالة رئيس الحكومة أحمد بن دغر وإحالته إلى التحقيق، وعيّن وزير الأشغال العامة، معين عبد الملك، رئيساً جديداً للوزراء، وبرر القرار بالفشل الحكومي في الملف الاقتصادي.
وضمن المبررات، تحدّث القرار عن عدم قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، خصوصاً انهيار العملة المحلية، وعجزها عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان في محافظة المهرة.
وعانى الريال اليمني من النزيف المستمر، وهبط سعر صرفه منذ نهاية أغسطس/آب الماضي، ووصل سعر الدولار الواحد إلى نحو 800 ريال، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، مقارنة بنحو 513 ريالاً في منتصف الشهر نفسه.
وأكد الباحث والمحلل الاقتصادي حسام السعيدي، أن الاحتجاجات اليمنية دفعت القيادة إلى التحرك العاجل لمواجهة أزمة تهاوي الريال مقابل الدولار، بالبدء في معالجات نقدية واقتصادية أسهمت في وضع حد للتهاوي المتسارع في قيمة العملة المحلية.
وقال السعيدي، لـ "العربي الجديد": "الاحتجاجات السلمية طريقة ضغط على الحكومات تضمنها الدساتير للشعوب، ووسيلة لمواجهة القرارات التي يراها الشعب ظالمة، أو غير مناسبة، من دون اللجوء إلى العنف. وفي اليمن كانت الاحتجاجات، خلال 2018، اقتصادية للمطالبة بانتظام المرتبات الحكومية، وإنقاذ الريال، ووضع حد للتدهور الاقتصادي".
وأوضح الباحث اليمني، أن الاحتجاجات على مواقع التواصل هي الأكثر نشاطاً والأسرع تفاعلاً، إذ أن القضايا المختلفة، وأهمها الاقتصادية، تشغل اهتمام المغردين ومستخدمي وسائل التواصل، بصورة ملحوظة.
وخلال التقلبات الأخيرة في سعر الصرف، تشكّل رأي عام سريع وقوي في صفحات التواصل يطالب، في معظمه، بضبط السوق والسيطرة على أسعاره. إلى جانب الاحتجاج عن طريق السخرية التي تُعد سمة اليمنيين على مواقع التواصل.
ومر الريال بأوقات عصيبة منذ منتصف العام، وتسارعت وتيرة انهياره بمستويات غير مسبوقة، في النصف الثاني من سبتمبر/أيلول 2018، عندما وصل سعر الصرف إلى ذروته 800 ريال/دولار، في 30 سبتمبر و1 أكتوبر 2018، مقارنة بـ 600 ريال/دولار في منتصف سبتمبر 2018، مرتفعاً بحوالي 33.3 في المائة خلال أسبوعين، وفقا لوزارة التخطيط اليمنية.
وتسبب التهاوي المتسارع للعملة المحلية في شل حركة النشاط الاقتصادي، وولّد هلعاً شديداً لدى المواطنين بكافة أطيافهم أغنياء وفقراء. حيث أغلقت المحلات التجارية الكبيرة أبوابها أمام التبادلات التجارية، وحدث شح شديد في المشتقات النفطية. وأربكت التقلبات السريعة في سعر الصرف أصحاب الأعمال والتجار وصعّبت عليهم تحديد التكاليف وأسعار بيع السلع.
وفي 26 سبتمبر 2018، أعلن البنك المركزي في عدن رفع سعر صرف تمويل واردات السلع الأساسية من 470 ريالاً/دولار إلى 585 ريالاً/ دولار. وشرع في فتح الاعتمادات المستندية لمستوردي السلع الأساسية، مما سد شهية المضاربين في سعر الصرف وأجبرهم على تخفيضه من 800 إلى ما دون 700 ريال/دولار، في 2 أكتوبر 2018. لكنه عاود الارتفاع تدريجياً فيما بعد متجاوزاً 745 ريالاً/دولار، بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018.
واستأنف الريال تهاويه مرة أخرى إلى ما دون 700 ريال/دولار، في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عقب ضخ البنك المركزي في عدن حوالي 170 مليون دولار لتمويل واردات السلع الأساسية. وشهدت العملة اليمنية تحسنا مستمراً، لترتفع إلى 600 ثم إلى 550 ريالاً للدولار وتستقر عند 520 ريالاً للدولار، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ووفقا لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (مستقل)، خلال الأشهر من أغسطس/آب حتى نوفمبر/تشرين الثاني، خسر الريال اليمني الجزء الأكبر من قيمته، منذ تنامي حدة النزاع في مارس/آذار 2015، عندما كان يتم تداوله بسعر 225 ريالاً للدولار الأميركي الواحد.
كما خسر الريال 9 في المائة أخرى من قيمته، في اليوم الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول فقط. وكردة فعل لهذا التدهور غير المسبوق، قامت العديد من محلات الصرافة ومستوردي المواد الغذائية في صنعاء بإغلاق أبوابها للأعمال التجارية.
وانعكس تهاوي العملة المحلية بصورة فورية على أسعار السلع الأساسية التي ارتفعت بنسب تتراوح بين 60 و90 في المائة، خلال عام 2018، بالمقارنة مع أسعار عام 2017. وأدى ذلك إلى زيادة ضعف القدرة الشرائية للأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
وقد تقلص الناتج الاقتصادي بنحو 50 في المائة منذ 2015. ويعيش الآن نحو 52 في المائة من اليمنيين على أقل من 1.90 دولار في اليوم.
وأكدت الأمم المتحدة، أن تراجع العملة يلحق الضرر بملايين اليمنيين، مع رفع أسعار السلع الأساسية، مما أدى بدوره إلى ندرة الإمدادات في السوق.
وتركت الحرب المستمرة، إلى جانب عدم استقرار الأوضاع السياسية، والأزمة الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، ومعدلات البطالة، أكثر من نصف سكان اليمن، البالغ عددهم 27 مليون نسمة، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بحسب تقارير رسمية.
المصدر: العربي الجديد