فرضت الحرب قيودا عديدة على حياة سكان جنوب مدينة الحديدة غربي اليمن، بعد أن تصاعدت حدة القتال بين القوات الموالية للحكومة ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، خلال الشهرين الماضيين.
فالمدينة الاستراتيجية على ساحل البحر الأحمر، وهي مركز محافظة تحمل الاسم ذاته، جرى إغلاق منفذيها الرئيسيين في الجنوب، اللذين يخضعان لسيطرة مشتركة من الطرفين، بينما ما يزال المنفذ الشمالي مفتوحًا.
وبرعاية الأمم المتحدة، توصل طرفا النزاع اليمني في السويد، الخميس الماضي، إلى اتفاق بشأن الحديدة يأمل سكان المدينة أن يفك الحصار عنهم.
الطرفان اتفقا على على وقف فوري وشامل لإطلاق النار، لكن الاتفاق تعرض لخروقات عديدة، فأبلغت الأمم المتحدة الطرفين ببدء سريان وقف جديد لإطلاق النار الثلاثاء.
وينص اتفاق السويد أيضًا على انسحاب الطرفين من مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر، وهو يدر نحو مليار ونصف مليار دولار سنويًا، حسب تقديرات غير رسمية، إضافة إلى انسحاب الطرفين من ميناءي الصليف وراس عيسى، شمالي الحديدة.
وألزم الاتفاق الطرفين بإعادة فتح المنافذ والطرق الرئيسية، وتسليم خرائط الألغام في الطرقات.
وتشرف لجنة من الطرفين والأمم المتحدة على هذه العملية، بما يمكّن من تسهيل حرية الحركة للمدنيين والبضائع، وعدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
لكن يقول مراقبون يمنيون إن بنود الاتفاق تتسم بالغموض والعمومية؛ ما يفتح المجال أمام الطرفين إلى تفسيرها حسب مصالح كل منهما، وهو ما يهدد بفشل الاتفاق.
** رحلة مضنية
بقلق، يراقب خالد الكليدي سيارات الأجرة القليلة التي تعبر الطريق السريع في بلدة "المسعودي"، كي يستقل إحداها في طريقه إلى الشمال نحو مدينة الحديدة.
لكن سيارة "البيجوت" القديمة تتجه أولًا نحو الجنوب، لتبدأ رحلة مضنية من المعاناة وتكبّد المشقة وصولًا إلى المدينة.
يحاول الموظف الأربعيني التعايش مع هذا الواقع، ليستمر في عمله كمشرف مخازن بإحدى شركات الإطارات قرب ميناء الحديدة الاستراتيجي، كي يضمن نفقات أسرته، في ظل انهيار الوضع الإنساني نحو المجاعة.
وبسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات بات معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وللمرة الأولى، تجاوزت احتياجات اليمن من المساعدات لعام 2019 احتياجات سوريا، بحسب الأمم المتحدة.
والكليدي هو واحد من آلاف اليمنيين الذين أُغلقت في وجههم مدينة الحديدة، في ظل إغلاق الطرق الرئيسية والمنافذ.
يسكن الكليدي في مديرية الدريهمي، وهي إحدى بلدات الضواحي الجنوبية للحديدة.
قبل احتدام المعارك كان يقطع مسافة لا تزيد عن 19 كيلومترًا في وقت لا يتجاوز 15 دقيقة، للوصول إلى مقر عمله في شارع صنعاء وسط الحديدة.
وقال الكليدي للأناضول إنه يضطر حاليًا للبقاء في المدينة قرابة شهر، ثم يعود من أجل الاطمئنان على أطفاله ومنزله في القرية، التي لا تبعد كثيرًا عن المعارك.
وتابع: "كنت أذهب إلى عملي خلال ربع ساعة، والآن أسافر سفرا كاملا، بعد أن أغلقوا (الحوثيون والقوات الحكومية) الطريق الساحلي (المنفذ الجنوبي) وطريق كيلو 16 (المنفذ الجنوبي الشرقي)".
وأوضح أن الوضع الجديد فرض على من يريد الوصول إلى مدينة الحديدة، أن يتجه نحو الجنوب حتى بلدة "المنصورية"، ثم ينعطف نحو الشرق ويسلك طريقًا فرعيًا حتى بلدة "السخنة"، وبعدها يتجه إلى الشمال، وصولًا إلى مدينة "باجل".
وأردف: "من هناك تتجه نحو الغرب إلى الكدن، ثم نحو الجنوب، وصولًا إلى المنفذ الشمالي لمدينة الحديدة.. وفي الطريق ستعترضك العشرات من نقاط التفتيش التابعة للحوثيين، وفي كل نقطة لا بد أن تخضع للتحقيق".
وبالاعتماد على خرائط "جوجل"، فإن المسافة التي كان يقطعها الكليدي أصبحت ما لا يقل عن 175 كيلومترا، ويحتاج إلى ساعتين ونصف ليقطعها، في حال لم تتوقف السيارة عند النقاط المسلحة.
لكنه قال للأناضول: "أحيانًا نصل بعد 3 ساعات".
** عرقلة للبضائع والمساعدات
ألقى الوضع الجديد بظلاله على حركة التجارة ونقل المساعدات بين المدن والبلدات الواقعة غربي اليمن، حيث تعتمد مدن كبرى، مثل زبيد وبيت الفقيه وحيس ومحافظة ريمة وأجزاء من محافظة ذمار، على مدينة الحديدة كمركز تجاري.
وبات نحو أربعة ملايين يمني يجدون صعوبة في التنقل، وتضاعفت تكلفة نقل المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، مع الزيادة الكبيرة في أسعار الوقود، وتضرر القطاع الزراعي كثيرًا مع توقف تصدير المحاصيل إلى المدن الرئيسية.
وقال فتحي منصور، وهو تاجر مواد بناء، إن الوصول إلى مدينة الحديدة يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين؛ مما أدى ارتفاع أسعار البضائع، وفاقم من خسائر القطاع الاقتصادي.
وأوضح منصور، في حديث للأناضول، أن "تكاليف النقل ارتفعت بنسبة 400 بالمئة، لكن نأمل في فتح الطرقات مجددًا".
ويستقبل ميناء الحديدة 70 بالمئة من الواردات والمساعدات التي تصل إلى اليمن.
"شحنات المساعدات الإنسانية هي الأخرى أصبح من الصعب نقلها إلى المناطق الجنوبية، بحسب مصدر في برنامج الأغذية العالمي، وهي أكبر منظمة إنسانية تُعنى بمكافحة الجوع في العالم.
وشدد المصدر، طلب عدم نشر اسمه، على أن "المنظمة ملتزمة بتعهداتها لمساعدة الآلاف من النازحين والمتضررين من الحرب، رغم تعقيدات الحرب الجديدة، والعراقيل التي تحدث بين الحين والآخر من أطراف الصراع".
** حصار للمدنيين
ومع إغلاق المنفذين الرئيسيين لمدينة الحديدة، يواجه سكان جنوب الحديدة مصاعب عديدة.
وتحت هذا الحصار، لم يعد أمام سكان الحديدة، وهم نحو 600 ألف شخص بحسب الأمم المتحدة، سوى المنفذ الشمالي.
وقال عامر السلمي إنه تراجع عن فكرة السفر إلى مدينة زبيد في الجنوب، بعد أن تضاعفت مشقة وتكاليف السفر.
وأعرب السلمي للأناضول عن مخاوف كبيرة في حال تمددت المعارك إلى المنفذ الشمالي، "حينها ستكون المدينة محاصرة تمامًا".
وفرضت القوات الموالية للحكومة، مسنودة بقوات التحالف العربي، طوقًا عسكريًا على الحديدة، منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتقدمت القوات بمحاذاة المدينة من الجنوب، نحو الشرق ثم إلى الشمال، وباتت على بعد 5 كيلومترات فقط من ميناء المدينة، و4 كيلومترات من المنفذ الشمالي.
وقال السلمي إن "الطريق الساحلي وطريق كيلو 16 هي مناطق عسكرية تحوي العشرات من الحفريات والحواجز العسكرية وحقول الألغام، وبعد يوم من اتفاق السويد ضاعف الحوثيين من حواجز الصد في طريق كيلو 16".
وتابع: "نأمل من الطرفين أن ينسحبا وفق الاتفاق، وإلا سنكون محاصرين تمامًا".
ويزيد من تعقديات النزاع اليمني أن له امتدادات إقليمية، إذ يدعم التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، القوات الحكومية اليمنية، في مواجهة الحوثيين المتهمين بتلقي دعمًا من إيران.
أخبار ذات صلة
الثلاثاء, 18 ديسمبر, 2018
"الحديدة" الاختبار الأصعب أمام اتفاق السويد
الأحد, 16 ديسمبر, 2018
وكالة: تجدد الاشتباكات في الحديدة للمرة الثالثة منذ اتفاق السويد
الأحد, 16 ديسمبر, 2018
خبير أردني: الحوثيون ليس أمامهم أفق للإخلال باتفاق السويد