تنتشر في محافظة الحديدة, دكاكين صغيرة خصصت للأسر الفقيرة التي يحاول أربابها سد رمق من يعولهم, ولو بالشيء اليسير بسبب الظروف المعيشية والاوضاع الاقتصادية الصعبة جراء ما آلت إليه البلاد في ظل سيطرة ميليشيات "الحوثي والمخلوع" .
فما أن تشير عقارب الساعة إلى الحادية عشرة ظهراً , حتى يكتظ "سوق صدام" بمدينة الحديدة, بجموع غفيرة من سكان الاحياء الفقيرة المجاورة للسوق , في مشهد تتجلى فيه حجم المعاناة التي يتكبدها السكان.
"عبدالحميد" مالك أحد الدكاكين البسيطة في السوق, يعد صديقاً حميماً للعديد من الأسر التي تعيش حياتها بالتقسيط المريح، يقضي ليله في تجهيز أكياس صغيرة يضع في كل واحد منها قليل من المواد الغذائية من زيت وسكر وفلفل وغيرها من البهارات, قيمة الواحد منها من (10-20) ريالاً, ليكون في الصباح مزاراً للعديد من المواطنين البسطاء الذين لا تتجاوز قدرتهم الشرائية 150 ريال فقط, نتيجة الفقر والأوضاع الصعبة, ومع كل هذا مازالت الابتسامات تجد طريقها إلى وجوههم يتشاركون كلمة واحدة (مشي حالك) أملاً في أن يكون القادم أجمل.
فئة عشرة
يقول عبدالحميد محمد حسن 48 عاماً, أنه يعتمد في عملية البيع على هذه الأكياس وبفئات مختلفة و يلاقي إقبالاً كبيراً على شراء هذه الاكياس الصغيرة التي يربطها في الليل خصوصاً من الأسر الفقيرة التي تقطن حيزاً كبيراً من الحارة ويلتحفون الصفيح الذي بنيت منه منازلهم, حيث تشمل القراطيس فئة (10) ريالات على "فلفل وماجي وزر وهيل " وفئة (20) ريال تشمل "الزيت والشاهي " وفئة (30) ريال تشمل "السكر والدقيق والرز "ويعمد السكان على الشراء هذه المواد الغذائية كاحتياج يومي لأسرهم.
علي أحمد هبة 45عاماً يعول أسرة مكونة من 7 أفراد ويسكن أحد البيوت الصفيحية ,ويخرج من بيته في الصباح الباكر ليقف على رصيف أقرب جولة من الحي , باحثاً عن عمل في مجال مهنته في (الحجر والطين) لتمكنه من زيارة صديقهم (عبدالحميد مالك الدكان ) عند الظهيرة لتكون الاكياس الصغيرة ملاذاً آمناً تكفية في وجبة الغداء مع أفراد أسرته الذين ينتظروه بشغف في كل ظهيرة.
"هبه" يكون سعيداً عند الحصول على عمل يقيه مشاق الحياة , ويشتد به البأس في زنزانة الحياة العصيبة المثقلة عندما يظل على واقفاً في الجولة دون جدوى من العمل ,فلا يجد بداً من تنهيده طويلة , يجمع فيها انفاسه المصحوبة بصوته المبحوح , ثم يعود إلى بيته يمشي بخطى حزينة صفر اليدين تحيطه همومه في حصوله على لقمة العيش.
يقول (علي هبة) أن هذا اليوم الذي التقيناه فيه -أمام دكان الحاج (عبدالحميد)- أنه من أسعد ايامه, خصوصاً وانه تمكن اليوم من الحصول على العمل وحصل على (450) ريال , واشترى مواد غذائية في كيس يحتوي على عدة قراطيس تشمل الزيت والرز والفلفل والسكر واشياء أخرى بقيمة (140) ريالات تكفيه من المتطلب الغذائي له ولأفراد اسرته لوجبة الغداء (على قد الحال) حسب تعبيره.
منصور علي حسن (28) عاماً هو الاخر يجسد صورة أخرى لصور الحياة البسيطة والمعاناة على حد سواء, في منطقة صدام الشمالي والذي التقيناه وسط سوق الحارة يحمل في يده قرطاس زيت .
يحكي "منصور" جزءً من واقع حياته اليومية فيقول" بعد ان اكملت الثانوية لم استطيع مواصلة تعليمي الجامعي فأنا أعول 5 افراد , واعمل مع أحد الاصدقاء مساعداً في تصليح وتجهيز أكلات تسمى "الطعمية" , واتقاضى مبلغ "500" ريال اقضيه في شراء احتياجات الاسرة من المواد الغذائية يومياً, ولا استطيع مواصلة تعليمي نتيجة الظروف الصعبة التي نمر بها.
العربة والحمير وصراع البقاء
و بين ثنايا الواقع المؤلم التي تتجسد على ملامح ابناء حارة صدام, ترسو رحلة البحث عند (عبدالله فتيني)-صاحب عربة - يشكو هموماً تشكل بالنسبة له عبئاً يستعصي على تجاوزه في حياته المثخنة بالمتاعب اليومية, فيجد نفسه في أخر ساعة من النهار مثقلاً بالهموم المتراكمة فيسند رأسه على وسادة الأمل لعله يصحو على غد مشرق.
يمتلك (فتيني 52عاما) عربه وحمير للقيام بهمة المشاوير القصيرة في حكاية تجسد الاعتماد الذاتي بديلاً عن السيارات والآلات الحديثة, ويبدأ من الساعات الاولى من كل يوم, ويتمركز على مدخل سوق صدام الشرقي بانتظار من يوكل اليه مهمة نقل بضاعته إلى بيته ليتقاضى مقابل ذلك.
يقول (عبدالله فتيني) انه يقوم بنقل بضائع المتسوقين كالخشب والمواد الاخرى الثقيلة من السوق وإلى البيوت ويتقاضى على تلك المشاوير بحسب المسافة , فمن بين تلك المشاوير يتقاضى 50 ريالاً وبعضها 100 ريال و أخرى 150 ولا تتعدى ذلك.
ويضيف بلهجته التهامية (يومي عيدي) فما أحصل عليه يذهب لأصحاب الدكاكين في الحصول على مواد غذائية لي ولأفراد اسرتي المكونة من 8 أشخاص , قائلاً (مشي حالك ,,أهم شيء أكله شربه).
طفولة تشكو الحرمان
يقطع عدد من الاطفال مسافات كبيرة في رحلة البحث عن الماء للحصول على شربة منه , مستخدمين وسيلة وحيدة لنقل الدبب والقنينات عن طريق الحمير.
لم يكن خليل هيجة (12) عاماً يعرف أنه قدره المحتوم , سيفرض عليه قضاء حياة الطفولة في جلب الماء لمنزلهم المبني من الصفيح , تاركاً فصله الدراسي (الرابع)الذي انقطع عنه منذ أكثر من عام منشغلاً بمهمته التي أوكلت إليه , بعد غياب تام للخدمات الاساسية في حارته التي تبدوا انها قد شطبت من خارطة الدولة , سوى أنهم ينعمون برؤية خطوط الكهرباء التي تمر من بين أحيائهم إلى الجهات المعلومة والمجهولة وإلى أماكن بعيدة ومناطق وعرة.
تحت فوهات البنادق
"الوضع زاد الطين بله", هكذا بدأ حديثه المواطن "عبدالله عمر" قائلاً وبصوته التهامي "من حين مادخلو امحوثيين امحديدة ملقيناش خير, وتحولن حياتنا إلى جحيم, لا كهرباء, لاماء, ولانوم مثل خلق الله ولا أمن ولا أمان, وكل ساعة واتو يعصدوا الحارة عصيد بالاطقم والسلاح" ,في اشارة واضحة من خلال كلامه إلى حجم المعاناة التي يتكبدها هؤلاء التهاميين بعد سيطرة ميليشيات الحوثي على محافظة الحديدة وتحولت حياتهم إلى جحيم ومعاناة أخرى بسبب بهررة الميليشيات وتخويفهم بالسلاح.
حياة بسيطة يعيشها سكان أحياء منطقة صدام بمدينة الحديدة , فرض عليهم الواقع المر التعايش معها والانسجام على حد سواء , فأصبحت حياتهم بالتقسيط وفي صراع يومي من أجل البقاء رغم تفاقم المعاناة اليومية مع سيطرة ميليشيات لا تققه لغة البسطاء سوى البهررة وحمل السلاح ومسيرة يتحدثون عنها نحو الواقع المجهول.