كشفت مصادر إعلامية ودبلوماسية متطابقة لـ"يمن شباب نت" عن جزء من طبيعة الخلافات التي دارت في دهاليز مجلس الأمن الدولي طوال الأسبوع ونصف الماضي، بشأن مسودة مشروع البيان الرئاسي الذي كان مقررا أن يصدر أمس الثلاثاء عن رئاسة مجلس الأمن الدولي، بخصوص استئناف الجولة الثانية من المباحثات اليمنية في الكويت برعاية الأمم المتحدة.
ورفضت روسيا، أمس الثلاثاء، مسودة المشروع الذي كانت تقدمت به المملكة المتحدة ووزعته على أعضاء المجلس يوم الثلاثاء الموافق 5 يونيو، ووضعته قيد "إجراء الصمت" حتى ظهر الخميس الماضي الموافق 7 يونيو. وهو إجراء يعني طرح المشروع لفترة معينة أمام بقية الأعضاء لمن لديه تعديلات أو ملاحظات خلال الفترة المحددة فعليه أن يكسر الصمت، مالم فيعتبر المشروع متبنى من الجميع.
وبحسب المعلومات، كانت مصر هي أول من قام بكسر إجراء الصمت الأول على مسودة مشروع البيان الرئاسي البريطاني، قبل نهاية الموعد المحدد بـ7 يونيو، حين تقدمت بطلب إجراء ثلاثة تعديلات على المشروع، بينها الغاء الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية. بعدها وصباح الجمعة كسرت روسيا إجراء الصمت وتقدمت هي الأخرى بثلاثة مقترحات على المشروع، قبل أن تخرج نهائيا عن صمتها ظهر الجمعة بسبب عدم قبول مقترحين لها من بين الثلاثة المقترحات التي تقدمت بها.
وبعد عدد من المحاولات الفاشلة لإعادة وضع مسودة مشروع البيان قيد إجراء الصمت، لجأت بريطانيا إلى إجراء حوارات ثنائية لإجراء بعض التعديلات البسيطة قبل وضع المسودة المنقحة مجددا قيد إجراء الصمت، صباح يوم أمس الثلاثاء، الموافق 12 يونيو، لكن روسيا، وللمرة الثانية، منعت يوم أمس اعتماد مسودة المشروع المنقحة والتي اتفق عليها جميع أعضاء المجلس عدى روسيا.
وكانت بريطانيا في البداية، وعقب رفع مشاورات الكويت وإرجائها إلى منتصف الشهر الجاري، ترى بالاكتفاء بإصدار بيان صحفي، لكنها عادت بعد ذلك واختارت إصدار بيان رئاسي باسم مجلس الأمن، وذلك على مايبدو نزولا عن رغبة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، بحسب مراقبين.
وتعرض المبعوث الأممي، خلال الأيام الماضية، لانتقادات حادة من قبل الجانب الحكومي اليمني، بسبب خارطة الطريق التي تقدم بها، وتضمنت تشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما ترفض الحكومة هذا الأمر قبل أن يتم تنفيذ كافة الإجراءات الواردة ضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. وهددت الحكومة الشرعية اليمنية بأنها لن تعود إلى الجولة الثانية من مباحثات الكويت المقررة منتصف الشهر الجاري، مالم يتم تصحيح مسارها وتحديد المرجعيات الرئيسية التي يجب أن تحكم أية مشاورات أو اتفاقات سياسية.
ويحث مشروع البيان الرئاسي، المقدم من بريطانيا، الطرفين إلى استغلال فترة المشاورات لتنقيح المزيد من المقترحات لخارطة الطريق. كما يدعو الطرفين إلى استئناف المحادثات دون شروط مسبقة في موعدها المحدد 15 يوليو في الكويت، بناء على بيان التزامهما قبيل رفع الجولة الأولى، كما يحث البيان الطرفين على إجراء هذه المفاوضات بطريقة أكثر مرونة وبناءة.
المقترحات المصرية
تفيد المعلومات أن مصر تقدمت بثلاثة مقترحات لتعديل مسودة مشروع البيان الرئاسي البريطاني. وحيث كانت المسودة الأصلية (الأولية) تدعو الجانبين إلى استخدام فترة المشاورات لتنقيح مقترحات لخارطة الطريق تشمل تدابير سياسية وأمنية يتوجب اتخاذها بشكل متوازِ (متزامن) كجزء من التوصل إلى اتفاق، فقد ناقشت مصر هذا الأمر، معتبرة بأن الوقت لم يحن بعد للمجلس لأن يلقي بثقله في القضية المتنازع عليها بالنسبة لـ"التسلسل الزمني" للتدابير السياسية والأمنية. لذلك اقترحت على المجلس ان يستخدم الصيغة المتفق عليها ضمن بيانه الرئاسي الصادر في 25 إبريل (S / PRST / 2016/5)، والذي تبناه المجلس في بداية محادثات الكويت، وتضمن دعوة الأطراف لتطوير خارطة طريق لتنفيذ التدابير الأمنية المؤقتة، والانسحاب من المدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة، واستعادة مؤسسات الدولة، واستئناف الحوار السياسي.
وبحسب ما نشره موقع يهتم بما يدور في كواليس مجلس الأمن، فقد أدرجت المملكة المتحدة هذه الصيغة ضمن مسودة المشروع المنقحة، لكنها أبقت غالبية العبارات التي كانت مصر قلقة إزائها. وفي هذه الأثناء تدخلت السنغال وقدمت مقترحا حظا بدعم من قبل مصر، ليتم بعد ذلك الاتفاق على النسخة المعدلة، والتي تم فيها استبدال كلمة "بالتزامن" بكلمة "بالتنسيق".
وكانت الصيغة الاولى للبيان كما قدمتها بريطانيا تدعو الى تشكيل حكومة وحدة وطنية كما تدعو الاطراف اليمنية الى تقديم مقترحات بشأن خارطة طريق تتضمن اجراءات سياسية وأمنية يتم تنفيذها بالتزامن وكجزء من اتفاق ينهي الصراع دون إشارة في هذا السياق الى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وحالت جهود بذلها اليمن ودول التحالف العربي دون تبني المجلس لهذه الصيغة التي تم تغييرها بعد مفاوضات مطولة .
وأضافت المعلومات، أن مصر، أيضا، أعربت عن قلقها بشأن ما أكده المجلس بأن الاتفاقية يجب أن تضع الأساس لاستكمال عملية الانتقال السياسي في اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل اليمنيين. وأعتبرت أنه لم يكن من المناسب الإشارة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، كون ذلك يمكن أن يحكم مسبقا على نتيجة المفاوضات. وبدلا من ذلك اقترحت استخدام اللغة التي تشير إلى جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخاصة القرار 2216. وفي النهاية، تم إجراء تعديل صغير باستبدال مصطلح حكومة وحدة وطنية بـ"حكومة شاملة"، تليها إشارة "لجميع القرارات ذات الصلة".
وعلى ضوء ذلك، تؤكد الصيغة المنقحة لمشروع البيان على أن أي اتفاق تتوصل اليه الاطراف اليمنية يجب أن يضع اساسا من أجل استكمال ناجح لعملية الانتقال السياسي في اليمن وتشكيل "حكومة شاملة" تمثل جميع اليمنيين وبما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. كما يؤكد المشروع أيضا على أهمية استعادة الحكومة السيطرة على جميع مؤسسات الدولة وازالة أي عوائق وعراقيل تعيق ممارسة هذه المؤسسات لمهامها على نحو مناسب.
الإعتراضات الروسية
بعد أن تم كسر الصمت الأول من قبل مصر، تقدمت روسيا صباح يوم الجمعة بمقترحاتها حول مسودة المشروع. وبعد ظهر اليوم نفسه كسرت إجراء الصمت، بعد رفض إدراج مقترحين من بين ثلاثة مقترحات تقدمت بها. وتضمنت المقترحات الإشارة إلى أن استعادة السيطرة على مؤسسات الدولة يجب أن تقوم به حكومة "شاملة"، كما طالبت بإزالة مقترح التعديل المصري الثالث، والذي كان قد أضيف إلى مسودة المشروع، كما أقترح روسيا بإضافة الترحيب باستضافة المملكة العربية السعودية للجنة التهدئة والتنسيق. ومن بين هذه المقترحات الروسية الثلاثة لم يتم إضافة سوى المقترح الثالث: الترحيب باستضافة المملكة السعودية للجنة التهدئة والتنسيق. الأمر الذي جعلها تعيق صدور البيان بشكل نهائي.
اليمن ترفض تجاهل القرار 2216
من جهتها، قالت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"يمن شباب نت" أن اليمن قامت بتوزيع ملاحظاتها على مسودة مشروع البيان الرئاسي على أعضاء المجلس. وكانت لها انتقادات شديدة على النص، بما في ذلك الإشارة الأولى بخصوص "التدابير الأمنية والسياسية المتزامنة"، فضلا عن عدم وجود إشارة إلى قرار المجلس رقم 2216.
واعتبر أن هذا التجاهل، يمكن أن يُفهم على أنه إرسال رسالة مفادها أن المجلس لا يدعم ذلك القرار. ويفسر هذا الأمر، ذلك الغضب الذي ظهر على الرئيس عبد ربه منصور هادي، يوم الاحد، عند وصوله إلى محافظة مأرب، وعكسه خطابه التهديدي بأن الحكومة ستقاطع المحادثات إذا أصرت المبعوث الخاص على تشكيل حكومة وحدة وطنية كجزء من خارطة الطريق.
أما القضية الأخيرة التي يسلط مشروع البيان الضوء عليها، هي تدهور الاقتصاد اليمني، والذي يرجع سببه إلى الانخفاض في احتياطي العملات الأجنبية (الأمر الذي بدوره تسبب في انخفاض كبير لقيمة الريال اليمني، بدء من شهر مايو). لذا يحث مشروع البيان الأطراف على التعاون على وجه السرعة لإيجاد حلول فورية لهذه المشكلة.