عندما قرر الصحافي سامي نعمان، البقاء في بلدته الريفية شرقي مدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، بعيداً عن بيئة محفوفة بالمخاطر في صنعاء وبقية المدن الخاضعة للحوثيين، كانت عرباتهم المسلحة قد وصلت قريته وفرض مسلحوها طوقاً حول منزله.
يقول نعمان لـ "العربي الجديد": "لم يتهموني بشيء، لكن أن تكون صحافياً فتلك تهمة كافية بالنسبة لهم لاعتقالك إذا لم تكن محسوباً عليهم بشكل صريح".
خلال دقائق، فرضت مليشيا الحوثيين، حصاراً على منزل نعمان، وطلبت منه الخروج من المنزل، وعقب ذلك، اقتادته إلى مدينة الصالح التي حولوها إلى سجن كبير للمختطفين والمخفيين قسراً.
ويقول نعمان الذي عمل أيضاً مسؤولاً إعلامياً في السفارة الكويتية بصنعاء قبل إغلاقها في سبتمبر/ أيلول 2014، "كنت معصوب العينين، وتضمنت أسئلة التحقيق عن المحطات التلفزيونية التي أتعامل معها، وعلاقتي برئيس الحكومة أحمد بن دغر، وبالناشطة توكل كرمان، واتهمت أيضاً وبدرجة أساسية بالعمل لمصلحة دولة الكويت ولوحوا في وجهي بتهمة التخابر مع دولة أجنبية".
"في إحدى ساعات التحقيق قاموا بمطالعة حسابي على فيسبوك"، يضيف نعمان، "لم تعجبهم بعض منشوراتي التي كنت أتناول فيها أزمات الناس المعيشية رغم أننا أصبحنا نتجنب انتقادهم في كثير من القضايا خوفاً من الانتقام فضلاً عن أن انتقادنا لا يقتصر عليهم، بل يطاول الأطراف كافة التي تتقاسم النفوذ في البلاد".
ويتابع "شخص آخر جوار المحقق لم يتكلم خلال التحقيق ولم يشارك بكلمة لكن عندما أخذوا بصماتي مغمض العينين على محضر التحقيق المفترض، صرخ بشتائم مقذعة وقال إنه يلزمني سجن انفرادي ومنع زيارة ودعس حتى أتربى".
ويشير نعمان إلى أن الحوثيين احتجزوه ستة أيام، وأطلقوا سراحه بعد تدخل شخصيات محسوبة على الحوثيين وبعد إرغامه على توقيع تعهد خطي بأن يكون "مواطناً صالحاً".
الصحافي أنور الركن الذي عمل سابقاً في صحيفة "الجماهير" الحزبية كان قد توفي في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري، بعد اختطافه واحتجازه في "مدينة الصالح"، كما احتجز العديد من الصحافيين هناك.
وتقول آخر إحصاءات نقابة الصحافيين اليمنيين، إن مليشيا الحوثيين، لا يزالون يختطفون 13 صحافياً أغلبهم منذ عام 2015 ويعيشون ظروفاً قاسية ولا إنسانية بينهم صحافي مخفي قسريًا هو وحيد الصوفي، مشيرةً إلى أن الصحافي محمد المقري لا يزال مختطفاً لدى تنظيم القاعدة في محافظة حضرموت (شرق اليمن).
وفي السابع والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، اختطفت مليشيا الحوثيين الصحافي الرياضي عباد الجرادي وصادرت كاميرته أثناء تغطيته لفعاليات المخيم الصيفي الرياضي السنوي في ملعب الوحدة بصنعاء.
والجرادي، صحافي عمل في عدد من الصحف الرياضية المحلية، وهو مسؤول إعلامي لنادي وحدة صنعاء المحلي.
وحملت نقابة الصحافيين مليشيا الحوثيين المسؤولية عن حياة وسلامة الجرادي، مطالبة إياها بإيقاف مسلسل استهداف الصحافيين ومضايقتهم بسبب مهنتهم.
وترصد النقابة في آخر تقرير لها 100 حالة انتهاك طاولت الحريات الصحافية والإعلامية في البلاد خلال النصف الأول من العام الجاري توزعت على القتل والاعتداء والتهديد والتعذيب والشروع بالقتل والترويع والمحاكمة وحجب مواقع إخبارية ومصادرة مقتنيات الصحافيين وممتلكاتهم.
وأقدمت عناصر من الحوثيين الثلاثاء الماضي على اختطاف صحافي يعمل لدى وكالة "سبأ" الحكومية بعد أيام من المطاردة من أحد ضواحي العاصمة اليمنية صنعاء. وقالت الوكالة، في خبر نشرته على موقعها الالكتروني إن الحوثيين اختطفوا الصحافي عبدالسلام الدعيس من منزل أحد أقاربه في حي شملان، واقتادوه إلى جهة مجهولة.
ونقلت الوكالة عن مصادر قولها، إن خمسة مسلحين كانوا على متن سيارة، اختطفوا الدعيس أثناء تواجده في المنزل، وصادروا هاتفه المحمول وحاسوبه الشخصي ولا يعرف أحد عن مصيره حتى اللحظة.
وتعاظمت المخاطر المحدقة بالصحافيين، منذ انقلاب الحوثيين الذين تحالفوا مع قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وبحسب إحصائية لنقابة الصحافيين فإن 26 صحافياً يمنياً قضوا خلال الأعوام الأربعة الماضية.
وأدرجت منظمة "مراسلون بلا حدود" اليمن في المركز 167 (من أصل 180 دولة) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة.
اعتقال واعتداء على صحافيين في مناطق الحكومة
لا يقف مسلسل الاعتداءات التي تطال الصحافيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين فحسب، فقد تعرض صحافيون ومراسلون للاعتقالات والاعتداء في مناطق خاضعة لسلطة الحكومة الشرعية.
ففي الرابع عشر من يونيو/ حزيران الماضي، أفاد مراسل تلفزيون "الجزيرة مباشر" هشام الجرادي، عن تعرضه للمضايقة والتحقيق من قبل ضابطين من جهاز الأمن القومي (المخابرات) في مدينة تعز.
وتنقل نقابة الصحافيين عن الجرادي قوله إن الضابطين وعدداً من الجنود وصلوا إلى منزله وفتحوا معه تحقيقاً حول نشاطه الصحافي وطلبوا تفتيش أجهزته الشخصية بتهمة تبني أنشطة إعلامية مسيئة للتحالف العربي. ويضيف الجرادي إن الضابطين ألزموه بتوقيع عريضة بالتوقف عن أي عمل صحافي لصالح شبكة "الجزيرة" وأبلغوه بأنه تحت المراقبة في جميع تحركاته.
أغلقت قوات عسكرية تابعة لقيادة محور تعز (الجيش) مكتب الجزيرة وفق أوامر أصدرتها اللجنة الأمنية العليا في المحافظة، وبحجة تغطيتها الإخبارية التي تنعكس سلباً على مسار معركة الجيش والشرعية وإنهاء الانقلاب الحوثي.
وتعرض الصحافي رداد السلامي للاعتقال من قبل نقطة أمنية تابعة للحزام الأمني المدعوم إماراتياً في محافظة لحج (جنوب اليمن)، وظل معتقلاً في السجن لنحو أسبوع قبل أن يطلق سراحه.
ويروي السلامي جانباً من واقعة اعتقاله، ويقول إنه تعرض للاحتجاز مع شقيقه في نقطة "حالمين" بمحافظة لحج، ويشير إلى إن قوات الحزام الأمني التي يقودها شخص يدعى "أبو علي" استوقفتهم وبدأوا التحقيق معهم، واعتبروا مهنته كصحافي ونشاطه السياسي لدى حزب التجمع اليمني للإصلاح "تهمة".
ويقول السلامي "قالوا لنا ارجعوا بلادكم، أردنا ان نرجع لكنهم فتشوا الباص فوجدوا حاسوبي الشخصي، قلت لهم هذا حقي ولَم أفتحه منذ أربع سنوات ولا أدري ما إذا كان لا يزال يعمل أم لا، قالوا هات تلفونك، أعطيتهم تلفوني فوجدوا رقم الشيخ حميد الأحمر ضمن جهات الاتصال لديّ في "واتساب". كان هذا مدخلاً كفيلاً بجعلهم يجدون مبرراً لبلطجتهم".
ويضيف "السجن مستنقع والطعام مجرد قطع خبز وفاصوليا ليست مطبوخة جيدًا يؤتى بها في أكياس بلاستيكية والغذاء مجرد أرز وبعض الدجاج تفوح منه رائحة مقرفة والماء تكفلت دورة مياه السجن بتوفيره".
ويتابع "حياة لا تستطيع حتى الحيوانات التكيف معها، والأسوأ هو أن تجد ذاتك سجيناً تحدق كل دقيقة إلى جدران قذرة ملطخة بعبارات الذكريات فيما كان الأسرى الحوثيون في الغرفة المجاورة ويحظون بمعاملة أفضل من السجناء الأبرياء معنا، وما حدث لي لا يساوي شيئاً أمام من عذبتهم المليشيا التابعة للإمارات وأهانت كرامتهم".
وفي العاصمة المؤقتة عدن، تعرض نائب مدير تحرير صحيفة "14 أكتوبر" الحكومية الصحافي أيمن عصام سالم، للاعتداء من قبل أحد منتسبي قوات الأمن في المدينة.
ويقول سالم إنه تعرض لإطلاق نار في خط السجن بمديرية المنصورة من شخص يدعى كمال ناصر الكازمي، متهماً قوات الأمن بالتقاعس عن مهامها في القبض عليه.
وفي المدينة أيضاً، اعتقلت قوات أمنية رئيس تحرير صحيفة عدن الغد الأهلية فتحي بن لزرق، يوم الاثنين الماضي، قرب دوار "كالتكس" الذي يقع في مديرية المنصورة وأُطلق سراحه في اليوم ذاته.
ويقول بن لزرق على حسابه في فيسبوك إنه أخلي سبيله بعد أن زج به في سجن سري بنادي الضباط بجزيرة العمال في المدينة عقب 8 ساعات من الإخفاء القسري من قبل قائد في الأمن ويدعى "صامد سناح".
ويوضح أن دوريات على متنها جنود أوقفت سيارته وسط الشارع واعتدوا عليه بالضرب وبأعقاب البنادق وسحبوه من على الأرض بـ"صورة مؤلمة جداً وقاموا بوضع قماش سوداء على عيني". ويتابع "حاول الناس التدخل لإنقاذي لكن الجنود ضربوا مواطنين اثنين وتم أخذنا على متن الأطقم وفوق الطقم تعرضت لعملية ضرب مبرحة بكافة أنواع الأسلحة".
ويشير بن لزرق إلى أنه تعرض وعدد من السجناء للضرب داخل السجن، قائلاً إن المسؤول عن اعتقاله أبلغه إن ما حدث له هو رد على نشر الصحيفة لشكاوى الناس عن الاستيلاء والبسط على أراضي جزيرة العمال.
ويقول "نريد لهذه البلاد أن تتحسن إلى الأفضل، لكن وجه المليشيا هذا لم ولن يكون أبدًا جسر عبور صوب المستقبل، هو جسر عبور صوب الموت، هو حفرة عميقة ستدفن فيها كل أحلامنا".