كشفت دراسات أن 5 ملايين يمني يعانون اضطرابات نفسية، بسبب الحرب وتبعاتها السلبية على المجتمع.. وهؤلاء ضحايا لم تتناولهم وسائل الإعلام التي تركز على القتلى والجرحى من ضحايا الحرب.
وحيد حرمته الحرب دراسته وشريكة حياته وجعلت منه عالة على المجتمع يتخبط فيه باحثاً عن مخرج بعد أن فقدت أسرته الأمل في علاجه، الأخيرة تتكلف في علاجه شهرياً عشرين ألف ريال يمني في ظل أزمة اقتصادية خانقة للبلاد مما اضطر أسرته لبيع منزلها، أملاً في أن يجد وحيد العمراني 25 عاماً علاجاً لحالته.
وحيد أحد طلاب كلية التربية قسم الفيزياء، كان هذا قبل أن تقصف مقاتلات التحالف معسكر الصيانة قبل أربع سنوات، كما تقول والدته السيدة سعادة.
وأردفت: كان وقتها وحيد نائماً وكان القصف عنيفاً حيث إن منزلنا يقابل معسكر الصيانة، فجع وحيد بالقصف ونهض مفزوعاً وظل يتقيأ لساعات بادرت بإسعافه للمستشفى وتم تشخيص حالته حينها على أنها حالة طبيعية ناتجة عن الخوف الذي تعرض له إثر الغارة الجوية وأنها ستنتهي مع مرور الوقت.
ثلاث سنوات قضاها وحيد بالتنقل بين المشافي وحالته تزداد سوءاً، تقول والدته حالة وحيد سيئة جداً قمنا بزيارة مراكز العلاج بالأعشاب والمستشفيات لأكثر من ثلاثة أعوام ولكن لا نتيجة، يحاول وحيد التعافي مما أصابه في مستشفى الأمل للأمراض النفسية والعصبية بصنعاء منذ سبعة أشهر. تضيف السيدة سعادة "الحرب حرمت وحيد دراسته وخطيبته وكذلك عقله".
بدورها أصيبت فاطمة المطري 27 عاماً هي الأخرى، بحالة هلع شديدة اثر غارة لطيران التحالف على جبل نقم في مارس 2015. أصبحت فاطمة مرتادة يومية على مراكز العلاج والمصحات النفسية. تقول فاطمة: "أصبحت أخاف من كل شيء حتى قطرات الماء وأصوات الريح، أتوجس خيفة من كل شيء، لا استطيع النوم إلا بمهدئات، أصبحت أتوقع سقوط منزلي بغارة للطيران في أي لحظة".
أطفال اليمن.. أوضاع مأساوية
ما زالت صورة الانفجار الذي هز العاصمة في مارس 2015 عالقة في ذهن فاطمة ولم تستطع نسيانها، وأصبح المنظر على حد قولها كابوساً يتجول في مخيلتها. وتضيف في وصفها عما حدث لها: "شعرت بجسمي يرتطم بجدران غرفتي ونوافذ البيت تتساقط وأصوات تصم الآذان وحرارة مازلت أشعر بها حتى الآن.. للحظة أيقنت أن القيامة قامت كل ما كنت أفكر فيه هو طفلي النائم في الغرفة المجاورة، لم اشعر بنفسي بعدها إلا وأنا في المشفى".
وحيد وفاطمة نموذجان لحوالي 5 ملايين و 455 ألفاً و347 من المتضررين نفسياً بسبب الحرب بحسب دارسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في اليمن، في حين أكد اجتماع مناصرة قضايا الاستجابة النفسية والاجتماعية للمتضررين من الحرب في اليمن أن ملايين اليمنيين بحاجة ماسة إلى رعاية صحية ونفسية بسبب وطأة الحرب.
يقول الدكتور إسلام الأرياني دكتور نفسي إن الحرب عملت على زيادة حالات الإصابة بالأمراض النفسية خصوصاً مع الضربات الجوية القريبة من المناطق المدنية والمهولة بالسكان.
ويضيف: ارتفعت الحالات خلال فترة الحرب على اليمن إلى 200% وتتنوع هذه الحالات بين الإصابة بالرهاب الشديد والفوبيا والفصام وأمراض نفسية أخرى ناتجة عن غارات الطيران الفجائية وتوقف الناس عن العمل والعزلة التي لحقت بأغلب العاملين خلال الحرب. وأوضحت دراسة أعدها مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية أن الصحة النفسية في اليمن تتعرض لإهمال بالغ من قبل السلطات المحلية والمجتمع الدولي وأن النزاع المسلح في اليمن يزيد استمرار واتساع التعرض للصدمات والأمراض النفسية.
وأضافت الدراسة التي أعدها مركز صنعاء بالتعاون مع عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولمبيا ومدرسة ميلمان للصحة العامة، أن اليمني البالغ من العمر 25 عاماً قد عاش بالفعل 14 نزاعاً مسلحاً متفاوت التأثير في حياته.
ارتفاع نسبة المرضى
ووفقاً للدراسة حول الوضع العام للصحة النفسية في اليمن تشير المعلومات إلى أن الكثير من السكان يعانون على الأرجح من التبعات النفسية والاجتماعية والعاطفية.
وأفاد مسؤول في مستشفى الأمل للطب النفسي في صنعاء عن وجود زيادة كبيرة في عدد المرضى بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب. كما أشارت مصادر في وزارة الداخلية وخبراء آخرون في الصحة النفسية في صنعاء أن معدلات الانتحار في العاصمة ارتفعت بنسبة 40.5% بين العامين 2014 و2015 وهو العام الذي شهد حملة قصف مركزة ومكثفة على مناطق مختلفة ومتفرقة في العاصمة.
وأشارت الدراسة إلى أن النزاع الدائر في اليمن والتعرض المتكرر للعنف وانعدام الأمن على نطاق واسع ونقص الأغذية والأمراض والفقر المتفشي والمتسارع وصولاً إلى تحطم الروابط الاجتماعية وانعدام الخدمات الاجتماعية الإنسانية تشكل بمجملها ضغوطا هائلة على اليمنيين مما يفاقم بشدة من تدهور الصحة النفسية على أوسع نطاق.
وأوضحت المعلومات أن ازدياد أعداد حالات الإصابة بالأمراض النفسية في اليمن ترجع لسبب رئيسي وحيد وهو دخول البلاد دوامة الحرب باعتبارها المتغير الوحيد الذي طرأ على البلاد منذ أربع سنوات والتي أدت إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص من منازلهم، أي ما يقارب 11% من مجموع السكان، إضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، بعد انقطاع الرواتب، وضمن هذه الحالات إصابة بعض المقاتلين الذين شاركوا في الحرب والمعارك الميدانية كل هذه الأسباب تودي بمعدّل 80 مصاباً يوميا إلى مستشفى "الأمل" فقط، بحسب مصادر في مستشفى الأمل للأمراض النفسية الذي أكد وصول عشرات الحالات يوميا للعلاج بسبب الأمراض النفسية الناتجة عن الحرب وقال إن هناك أكثر من 70 حالة تزور المستشفى يوميا للعلاج واغلب الحالات يتم تشخيصها على أنها حالات فوبيا وتوترات عصبية.
وقالت الدكتورة زهرة جميل أخصائية علم النفس: لدينا أكثر من 150 حالة تصيب الأطفال وكبار السن حتى الشخوص العاديين، هناك حالات وأنواع مرضية تكون ملازمة للحرب من ضمنها الأكوستيك فوبيا وأفينوفوبيا وباليتوفوبيا وغيرها، كلها ناتجة عن حالات الخوف الشديدة من الحرب ومن أصوات الطائرات الحربية والمدافع والانفجارات.
وتضيف أن هناك آلاف المصابين بأمراض نفسية نتيجة الحرب في اليمن ، تتنوع تلك التأثيرات ما بين خفيفة تبدأ بالرهاب والخوف الطبيعي وتتطور تدريجياً حتى تصل إلى مراحل معقدة.
ومن جانب آخر أظهرت دراسة لمنظمة يمن لإغاثة الأطفال أن أطفال صنعاء وعدن وتعز وأبين أبانوا عن ارتفاع مهول في مشاعر الخوف وانعدام الأمن والقلق والغضب، حيث عانى 31% من الأطفال في الدراسة أعراضاً جسدية بما في ذلك الصداع وآلام الصدر والبطن والإرهاق والتي اعتبرها الباحثون مؤشرات على وجود ضائقة نفسية.
وقد لاحظت دراسة المنظمة تمايزاً واضحاً في شدة الأعراض النفسية بين المحافظات يعادل تقريباً كثافة النزاع في مختلف المناطق وبحسب إفادات لآباء فإن الآثار النفسية تختلف من طفل لآخر حيث إن 5% من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي و 2% عادوا إلى التأتأة و 47% يعانون من اضطرابات نفسية و 24% لديهم صعوبة في التركيز و17% يعانون من نوبات هلع.
ووفقاً لمسح أجرته منظمة الصحة العالمية فإنه من بين 3.507 منشأة صحية في اليمن تبقى الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية غير متوفرة إلا بنسب قليلة.