روى ناجون من السجون السرية التي تشرف عليها دولة الإمارات العربية المتحدة، في مدينة عدن جنوبي اليمن، أساليب "التعذيب المخيفة" التي تعرضوا لها خلال فترة اعتقالهم.
ونقلت منظمة سام للحقوق والحريات في تقرير نشرته اليوم الأربعاء على موقعها الرسمي، شهادات لناجين من معتقل "بئر علي" بمدينة عدن، تكشف عن تعرضهم لأساليب تعذيب تمثل انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقال المنظمة التي تتخذ من جنيف مقراً لها، إن المعتقلين في معتقل "بئر علي" يعانون أشد وأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي".
وذكرت المنظمة، أن التشكيلاتُ اليمنيةُ المسلحة – بالاشتراك وإشراف قوات إماراتية – تُدير عدداً من السجون جنوب اليمن، من أهمها سجن خور مكسر، وسجن معسكر العشرين، وسجن معسكر الحزام الأمني، وسجن بئر أحمد، وسجون أخرى بعيدة عن رقابة وإشراف السلطة القضائية".
مالك مزرعة مديراً لسجن وأفراد قبيلته حراس وجنود
في عام 2016 استأجرت القوات الإماراتية مزرعة من أحد المواطنين يدعى “غسان العقربي” (مالك المزرعة) وحولتها إلى معتقل خاص، اشتهر بسجن “بئر أحمد”، بحسب تقرير منظمة سام.
وأشارت إلى أن القوات الإماراتية عينت “العقربي” مديراً للسجن وحولت مجموعة من القبليين الذين ينتمون لعشيرته إلى سجانين وحراس للمعتقل، يتبع المعتقل ما يسمى “قوات الحزام الأمني”، الممولة من الإمارات.
وأوضحت أن سجن “بئر احمد” يتواجد فيه ما لا يقل عن (140) معتقلاً، معظمهم من محافظات عدن، ولحج، وأبين، وتعز.
وسردت المنظمة نقلاً عن شهود ومعتقلين سابقين، أن عملية المداهمة الاعتقال تم عبر مرحلتين، المرحلة الأولى "تقوم قوات الحزام الأمني بإخفاء المعتقلين في “سجن التحالف” ويحقق معهم لساعات طويلة، من دون توجيه اتهام بحقهم، ولا يعرف أهاليهم عنهم شيء، يتعرض السجناء أثناء هذه المرحلة من الاحتجاز إلى تعذيب قاسٍ ومعاملة مهينة، تمنع إدارة السجن الزيارات من الأهالي، أو التواصل مع المعتقلين، أو الحصول على أي معلومات عنهم، تلك الإجراءات تعد انتهاكاً لأبسط الحقوق الإنسانية المكفولة قانوناً للمدنيين".
وقال شاهداً احتجز في “سجن التحالف”، قابلته منظمة سام “لا يوجد أشخاص يمنيين داخل السجن (يعني من الضباط والقائمين على السجن)، فالأشخاص القائمين على السجن؛ هم أجانب لا نعرف جنسياتهم، ربما من أمريكا أو من المكسيك -كما سمعنا- أو من دول أخرى، هم يرتدون زياً موحداً، كأنهم يتبعون شركة أمنية”، يضيف الشاهد: “في السجن، يتواجد جنود أجانب وجنود إماراتيون ليحققوا معنا، وأثناء التحقيق، يقومون بلطمنا وتعذيبنا بعد سكب الماء على وجوهنا”.
وبينت المنظمة، أن المرحلة الثانية: "بعد التحقيق والتعذيب في سجن التحالف يُنقل المعتقلون إلى سجن “بئر أحمد”، حيث يُكشف عن مكان تواجدهم وتقدم ملفات بعضهم للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، تفتقد النيابة في كثير من الأحيان لملفات الكثير من المحتجزين، حيث لا مسوغ قانوني يبرر اعتقالهم أو استمرار بقائهم في السجن".
شهادات مخيفة لناجين
قال منظمة سام إنها حصلت على شهادات موثقه من سجناء سابقين - تحتفظ بأسمائهم حرصاً على سلامتهم- ، يقول أحد السجناء: “كنت معتقَلا في سجن بئر أحمد منذ ما يقارب العام وخمسة أشهر، حيث تم اعتقالي من منزلي على أيدي قوات الحزام الأمني، وأودعوني في سجن التحالف داخل زنزانة انفرادية، أمضيت فيها ما يقارب 75 يوماً، تعرضت فيها لأنواع من التعذيب والمعاملة المهينة والحط من الكرامة، ثم تم نقلي إلى سجن بئر أحمد القديم مع عدد من السجناء الذين نفذوا إضرابا مفتوحا عن الطعام بسبب التعذيب الذي تعرضوا له في سجن التحالف، وعدم عرضهم على النيابة العامة للتحقيق معهم بشكل قانوني وعادل”.
وأضاف السجين طبقاً لتقرير المنظمة“بعد ذلك نقلوني مع عدد من السجناء إلى سجن بئر أحمد الجديد، والذي يبعد حوالي 150 مترا فقط عن السجن القديم، وأثناء نقلنا منعونا من أخذ كافة أغراضنا الشخصية وملابسنا وخرجنا بالملابس التي كنا نرتديها، وعند وصولنا السجن تعرضنا لتفتيش جماعي، مع العلم أن جميع طاقم السجن في سجن بئر أحمد هم من نفس قبيلة غسان العقربي”. انتهت الشهادة.
سجين آخر وصف لراصد منظمة سام، التعذيب الذي تعرض له مع المحتجزين الآخرين : “في البداية كنت في سجن التحالف مع معتقلين من سجن المنصورة المركزي، ومعتقلين من نقطة الرباط ولحج، ومجموعة بسيطة جلبوهم من سجن مدير أمن عدن[اللواء شلال شائع ]، تعرضنا لتعذيب شديد ونحن معصوبي الأعين ومكتوفين الأيدي بواسطة “كلبشات” حديدية، كان يتم تعذيب جميع السجناء بدون استثناء، كنت أجلس مع أشخاص في نفس المجموعة معي وكانوا يتعرضون لتعذيب مخيف لا يتصوره عقل، تعرضنا لتعذيب بواسطة الكهرباء وبالضرب بالحديد والهراوات والعصي، كانت توضع أحجار كبيرة فوق صدور السجناء ويقوم السجان بكسرها، كانوا يضربون رؤوسنا بالأقفال الحديدية، كان التعذيب مخيفاً لدرجة أن جراح بعض السجناء تعفنت وخرج الدود منها دون السماح بإسعافهم أو بتلقيهم العلاج”.
ورصد تقرير المنظمة، رواية أحد أقارب السجين “حبيب” (الاسم غير حقيقي حرصاً على سلامة الضحية) الذي قال “قامت مجموعة تابعة لقوات الحزام الأمني في مدينة عدن باعتقال حبيب من المنزل دون أن نعرف سبب الاعتقال، وعندما وصلوا إلى سجن مكافحة الإرهاب في منطقة “التواهي”، علمنا أنهم احتجزوه في غرفة ضيقة للغاية وقاموا بتعذيبه على الفور، تعرض للضرب والصعق بالصاعق الكهربائي في رأسه وجسده، أجبره السجانون على الوقوف على قدميه لمدة ثلاثة أيام متواصلة أثناء تعذيبهم له” ويضيف الشاهد: “يعاني حبيب الآن من حالة نفسية صعبة جراء الانتهاكات والتعذيب الذي تعرض لها، حيث نقلوه من سجن مكافحة الإرهاب إلى سجن بئر أحمد وهو محتجز حتى الآن هناك”.
من جهته قال لمنظمة سام أحد أقارب السجين “سعد” (الاسم غير حقيقي حرصاً على سلامة الضحية)، “تم اعتقال سعد في 2016 من قبل عناصر تابعة لقوات التحالف الإماراتية، حيث اعتقلوه أثناء عودته من مدينة شبوة إلى مدينة عدن وأودعوه السجن، تعرض للتعذيب الشديد ومن ذلك الضرب والصعق الكهربائي، وقال لنا بعض الأصدقاء أنهم شاهدوه عند الصليب الأحمر في مدينة المنصورة في نهاية عام 2016 على كرسي نقال وعليه آثار كدمات ووخز إبر في جميع أجزاء جسده” وما يزال معتقلا حتى اللحظة.
وفي إفادة أخرى لأحد أقارب المعتقلين، يقول: “السجناء في سجن بئر أحمد تعرضوا لتفتيش دقيق بطريقة مهينة حيث أُجبر السجناء على خلع ثيابهم بالكامل ثم أمروهم بالانبطاح على ظهورهم، وهم عرايا، وأمروهم برفع أرجلهم وهم منبطحين، ومن يرفض تنفيذ الأوامر يُضرب وتطلق عليه الكلاب البوليسية التي تنهشه وهو عارٍ من الثياب حتى تسيل الدماء منه، رغم استعطاف المساجين لكن السجانين بلا رحمة، كل ذلك بحجة التفتيش عن الهواتف الجوالة”.
من جانبه قال معتقل سابق رمز للمنظمة لأسمه بـ“محسن” “يمارس السجانون التعذيب والإذلال على الضحايا، فبعد أن ينزعوا عن الضحية الملابس، يضعون آلات حديد صلبه في دبره، يتواجد في جلسات التعذيب رجال ضخام من أفريقيا يكشفون عن أعضائهم التناسلية ويهددون الضحية بالاغتصاب”.
وأضاف “هنالك كرسي كهربائي للتعذيب، كما أن هنالك حفرة يدفن الضحية فيها ويبقي رأسه مكشوفاً لعدة أيام، يعطى السجين بعض الطعام وهو على حالة تلك، يتبرز ويتبول على ملابسه داخل الحفرة”.
وتابع محسن أيضاً: “يأتي للمعتقل أربعة إماراتيين بدعوى التفتيش عن الجوالات عند المساجين، يقومون بخلع ملابس السجناء وفتح مؤخرات المعتقلين لينظروا فيها بدعوى وجود الجوالات بداخلها، يمارسون الضرب والدعس، ويسبون الحكومة اليمنية ويوصمون النساء اليمنيات بأنهن اسوء من “الحمير”.
أم أحد المساجين تقول لراصد منظمة سام: يقول لي ابني: “وضعوني في غرفة صغيرة يا أمي يسموها الضغاطة، لمدة ثلاثة أيام وأنا أقف لا يمكن أن أجلس أو أحرك رجلاي أو حتى أدور حول نفسي، عند الطعام أخرج من الغرفة لأتناول وجبة طعامي ثم يعيدوني إليها، نتبول على أنفسنا ولا يسمح لنا الخروج إلى الحمام إلا للبراز ”
وتطرقت منظمة سام في تقريرها إلى أن أهالي المعتقلين في السجون التي تديرها تشكيلات مسلحة -ممولة من قبل القوات الإماراتية في اليمن- يتعرضون لإجراءات قاسية موحدة، تُطبّق على جميع الأهالي عند زياراتهم للمعتقلات التي انشأتها وتشرف عليها، تمر الزيارة بأربع مراحل للتفتيش.
منع تنفيذ أوامر القضاء
تقول زوجة أحد المعتقلين تعسفياً في عدن لمنظمة سام: ” النيابة أصدرت أمراً بالإفراج عن زوجي المعتقل في سجن “بئر أحمد” منذ سنتين وفي يوم خروجه رفضت إدارة السجن تنفيذ أمر النيابة بالإفراج عنه، وعندما ذهبت لزيارته الأسبوع الماضي لم أجده في السجن، وأخبروني أنه أرسل الى إدارة الأمن بعدن، وعند مراجعة إدارة الامن أنكروا وجوده عندهم، وقالوا لي: إنهم أبلغوا التحالف بأن زوجي ليس عليه شيء”
وأفاد والد أحد المعتقلين لمنظمة سام: “قوات مكافحة الإرهاب بقيادة “يسران المقطري” أعادت اعتقال ابني ليلاً من داخل منزله في عدن بعد أن أفرجوا عنه في العام الماضي، بعد سنة وأربعة أشهر قضاها في المعتقل”. ويتخوف كثير ممن أفرج عنهم من الحديث مع المنظمات والاعلام خشية إعادة اعتقال أبنائهم مرة ثانية، يقول أحدهم: “لم تعد عدن آمنة، أفكر بالانتقال إلى مدينة أخرى، أو السفر خارج اليمن بحثاً عن الأمان، نعيش حالة قلق والتهديدات تطاردنا رغم عدم ثبوت أي تهمة مما يتهمونا بها”.
توصيات لثلاثة أطراف
وخلص تقرير منظمة سام إلى توصيات للأمم المتحدة ومجلس الأمن، بإحالة ملف السجون الإماراتية في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية بما يمتلك المجلس من صلاحية بموجب نظام روما، وتقديم المتسببين في التعذيب للعدالة، وإنصاف الضحايا، وفتح تحقيق في الانتهاكات الواردة في هذا البيان والاستماع لأهالي الضحايا الموقوفين في السجون القانونية في اليمن ومنها سجن “بئر احمد”.
وطالبت سام، لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بالتحقيق في كل الوقائع الواردة في البيان وإدراج كافة من ثبت تورطه في هذه الانتهاكات على قائمة العقوبات الأممية ضد منتهكي حقوق الإنسان في اليمن، مؤكدة استعداداها للتعاون مع أي جهة تحقيق وإمدادها بكل ما لدينا من معلومات قد تساهم في إنصاف الضحايا.
ووجهت منظمة سام، دعوة إلى السلطات الشرعية اليمنية بحماية المدنيين وفقا للدستور اليمني والاتفاقيات الدولية من أي انتهاكات سواءً الاعتقال التعسفي أو المداهمات الليلية أو التعذيب وتوفير إجراءات قانونية عادلة عند الاعتقال والحبس بما لا ينتهك حرية وكرامة المدنيين وبإشراف الجهات القضائية، وسرعة تفعيل دور المؤسسات القضائية والعمل على التنفيذ الفوري للأوامر القضائية بالإفراج عن المعتقلين في السجون غير القانونية، وإحالة ملفات من لم يفرج عنهم للبت في قضاياهم.
كما طالبت سام السلطات الشرعية اليمنية بفتح تحقيق جدي وبإشراف قضائي ضد كل المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان وتقديمهم للمحاكمة العادلة، وتعويض الضحايا.
ودعت سام، في توصياتها، دولة الإمارات إلى إيقاف الاعتقالات بحق المدنيين في اليمن والابتعاد عن إدارة المعتقلات والسجون خارج إشراف وسلطة القضاء، وتسليم السجون السرية للسلطات القضائية اليمنية وفتح تحقيق مشترك لكشف ملابسات إنشاء هذه السجون وتعويض ضحاياها، واحترام الشرعية اليمنية والالتزام بمذكرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي التي تحدد مدى مشروعية الأعمال التي تقوم بها في اليمن.
كم دعت المنظمة التشكيلات العسكرية التي تشرف عليها الإمارات بمسميات الحزام الأمني أو النخب وغيرها من التشكيلات التوقف عن أي ممارسات غير قانونية تخالف الدستور اليمني والقانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان.