بعد تعثر لأكثر من عام ونصف العام، تشهد عملية السلام في اليمن محاولة إنعاش، مع بدء مهام مبعوث الأمم المتحدة الجديد، البريطاني مارتن جريفيث، اليوم الخميس.
لكن فرص الحل السياسي لا تزال ضئيلة، في ظل تمسك غالبية أطراف النزاع بخيار الحسم العسكري، وخروج قرار الحل إلى أيدي لاعبين دوليين.
ومن المقرر أن يستهل جريفيث، وهو ثالث مبعوث أممي في اليمن، رعاية أولى جولات المشاورات الجديدة، خلال مارس/ آذار الجاري، في سلطنة عمان، وفق تصريحات سلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد (2015-2018)، الذي انتهت مهامه أمس.
ويأمل الشارع اليمني أن يلتقط أطراف النزاع فرصة السلام الجديدة، والتي تتزامن مع اقتراب النزاع من إكمال عامه الثالث، أواخر مارس/ آذار الجاري.
ودخلت عملية السلام في موت سريري، منذ رفع مشاورات الكويت، في 6 أغسطس/ آب 2016، التي رعتها الأمم المتحدة لمدة تسعين يوما، ووصلت إلى طريق مسدود، إثر رفض وفد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب المؤتمر الشعبي العام التوقيع على اتفاق سلام كانت الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليا، قد رحبت به.
وخلافا للجولات الثلاث، التي رعتها الأمم المتحدة في سويسرا والكويت، تأتي عملية السلام المقبلة وسط متغيرات مختلفة شهدتها الأزمة اليمنية خلال العام الأخيرة.
فعلاوة على الاستنزاف الذي نال من جميع الأطراف، تبدو جماعة الحوثي أوهن من أي وقت مضى، بعد انفراط تحالفها القوي مع قوات الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح (1978-2012).
وانتهى التحالف بين الطرفين بقتل الحوثيين لصالح، في ديسمبر/ كانون أول الماضي، عقب معارك دموية في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015 تدور الحرب في اليمن بين القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية، من جهة، وبين المسلحين الحوثيين، المتهمين بتلقي دعم إيراني، من جهة أخرى.
** ترحيب من الجميع
تحظى عملية السلام الجديدة بامتيازات لم تكن في متناول الجولات الثلاث الماضية، إذ يعلق اليمنيون آمالهم على المبعوث البريطاني الجديد، وهو دبلوماسي مخضرم، يمسك بالملف اليمن، مسنودا بثقل بلده العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، خلافا لسابقيه العربيين، الموريتاني ولد الشيخ أحمد، والمغربي جمال بن عمر (2011-2015).
وقبل تعيين جريفيت حدثت تحركات بريطانية ودولية مكثفة لإنضاج حل سياسي.
فقد طاف وزير الخارجية البريطاني، يوريس جونسون، دول المنطقة، والتقى أبرز اللاعبين في الأزمة اليمنية، وعلى رأسهم قادة سلطنة عمان، التي تتمتع بعلاقة ودية مع جماعة الحوثي، والسعودية، التي تقود تحالفا من 13 دولة لدعم شرعية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي.
وقوبل تعيين جريفيت بترحيب من طرفي النزاع، فالحوثيين، الذي رفضوا التعاطي مع ولد الشيخ أحمد، واتهموه بالانحياز للسعودية، أعلنوا على الفور ترحيبهم بقرار تعيين المبعوث البريطاني، وكذلك فعلت الحكومة الشرعية.
ويُلم جريفيت بالأزمة اليمنية، وسبق له أن التقى كافة أطراف النزاع، أواخر العام الماضي، بصفته مدير للمعهد الأوروبي للسلام.
وسيستهل أولى جولات المشاورات من العاصمة العمانية مسقط، بلقاءات تجمع وفدي جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام، اللذين أصبحا خصمين، منذ مطلع ديسمبر/ كانون أول الماضي.
وتسعى الأمم المتحدة، عبر مشاورات مسقط، إلى رأب الصدع بين الحوثيين وحزب المؤتمر، وجمعهم في فريق تفاوضي واحد يقابل الحكومة الشرعية، كما كان الحال في مشاورات سويسرا عام 2015، ومشاورات الكويت بين أبريل/ نيسان وأغسطس/ آب 2016.
وسيكون تمثيل حزب المؤتمر بالوفد هو العقدة الأكبر أمام الأمم المتحدة، بعد تصدع الحزب، الذي كان يتزعمه صالح، إلى نسخة تمارس مهامها من صنعاء وتبدو أقرب لسيطرة الحوثيين، وأخرى تضم قيادات رفيعة في الوفد السابق، وثالثة تقيم في أبوظبي والقاهرة.
** فرص السلام
ورغم أن بداية عمل المبعوث الجديد ستتزامن مع اقتراب دخول الحرب عامها الرابع والاستنزاف الكبير لجميع الأطراف، إلا أن مراقبين يرون أن فرص إحياء عملية السلام لا تزال ضعيفة للغاية.
وقال ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات (غير حكومي)، إن "كل المؤشرات تفيد بأن المبعوث البريطاني ذو بال طويل، ويميل للأخذ بعناصر متعددة في المفاوضات وإشراك قوى صغرى في المجتمع، مثل القبائل والأطراف المدنية، وهذا لم يكن حاضرا في مقاربات ولد الشيخ أحمد وسيستغرق وقتا للإعداد".
وتابع المذحجي، في حديث للأناضول، أن "جريفيث يحتاج إلى تحضيرات لإنضاج ظروف أي مفاوضات، ولا يريد التورط في الدعوة إلى مفاوضات غير مجهز لها، لأسباب لوجيستية تتعلق بعمله وللظروف الإقليمية".
وبخصوص الحضور البريطاني المكثف في الأزمة اليمنية، قال المذحجي إنه "توجد هوية بريطانية مكتملة، حيث تمسك المملكة المتحدة بالملف اليمني في مجلس الأمن، علاوة على أن المبعوث الأممي بريطاني الجنسية".
واعتبر الخبير اليمني أن "هذه الكثافة البريطانية في الحضور بالملف اليمني ستمنح جريفث ثقلا، لكن بلد مثل بريطانيا مثقل بمصالحه، وهذه المصالح قريبة من السعودية، ولن تخاصمها بالتأكيد".
** تعقيدات وتحديات
لن يكون طريق السلام مفروشا بالورد أمام المبعوث الأممي الجديد، رغم قول سلفه لد الشيخ أحمد، الثلاثاء الماضي، في آخر إفادة له أمام مجلس الأمن، إن "خارطة السلام موجودة، وتم الاتفاق على المقترحات العملية للبدء في تنفيذها وبناء الثقة بين الأطراف".
وبالنسبة لولد الشيخ أحمد فإن ما ينقص إحلال السلام في اليمن هو "إلتزام أطراف النزاع بتقديم التنازلات وتغليب المصلحة الوطنية"، مع تأكيده وجود "سياسيين من كافة الأطراف يعتاشون من الحروب وتجارة السلاح واستغلال الأملاك العامة لأغراض شخصية"، وهولاء سيقفون حجر عثرة أمام عجلة السلام.
ويتمسك الوفد الحكومي بالاحتكام إلى المرجعيات والقرارات الدولية، التي تؤكد على شرعية الرئيس هادي، كأساس للدخول في أي مفاوضات، فيما يدعو الحوثيون إلى وقف التحالف للعمليات العسكرية والطلعات الجوية ورفع الحظر المفروض على المنافذ الجوية والبحرية.
وأعرب المذحجي عن اعتقاده بأن "أحد أبرز التحديات أمام المشاورات المرتقبة، هو سلوك وأداء جماعة الحوثي".
وتابع بقوله إن "الجماعة أصبحت، بعد مقتل صالح، أقل سياسة مما سبق، ما يكشف أن الرئيس الراحل كان يمنحها الغطاء السياسي".
وأضاف أن "مبادرة جماعة الحوثي الأخيرة أقل ما توصف بأنها مجرد كلام إنشائي للاستهلاك فقط (..) أي مبادرة سياسية يجب أن تقترب نحو الخصم إلى نصف الطريق، لكن هذه لم تفعل حتى خمس خطوات".
وكان القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي، أعلن، الأسبوع الماضي، عن تقديم مبادرة إلى الأمم المتحدة لوقف الحرب، تتتضمن: تشكيل لجنة مصالحة، وإجراء انتخابات للرئيس والبرلمان، وضع ضمانات دولية ببدء الإعمار، ومنع أي اعتداء من دول أجنبية على اليمن، وإعلان عفو عام، وإطلاق كل المعتقلين، ووضع أي ملف مختلف عليه للاستفتاء.
وأضاف المذحجي أن "خطاب الحوثيين صار أكثر عدائية جراء تزايد الضغط العسكري من التحالف وتصدع تحالف الجماعة مع صالح، ولذلك فإن جزءا من التحدي لأي مسار سياسي قادم هو كيفية جعل هذه الجماعة تستخدم اللغة السياسية في المفاوضات".
** مساومات الكبار
وإضافة إلى التعقيدات المحلية، رأى الخبير اليمني أن "قرار اليمنيين في شأن بلادهم يتآكل كل يوم، في مقابل ارتفاع دور الفاعليين الدوليين".
وختم المذحجي بأن "مزامنة روسيا للملف اليمني على إيقاع الملف السوري، كما تقول إحدى دلالات استخدامها للفيتو الإثنين الماضي، يؤدي إلى نتيجة بسيطة، وهي أن اليمن انتقل أخيرا إلى منطقة مساومات الكبار، حيث التسويات مختلفة وبعيدة عن أولويات الأطراف المحلية".
وروسيا وإيران هما أبرز داعمين لنظام بشار الأسد في سوريا الذي يقاتل قوات المعارضة منذ عام 2011.
واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بريطاني، دعمته الولايات المتحدة الأمريكية، يقضي بتجديد حظر نقل السلاح إلى اليمن، مع التنديد بإيران.
وموسكو وطهران هما أبرز داعمين لنظام بشار الأسد في سوريا، الذي يقاتل قوات المعارضة منذ عام 2011.
لكن لم تستخدم روسيا "الفيتو" ضد مشروع قرار كويتي- سويدي اعتمده مجلس الأمن، السبت الماضي، ويطالب بتنفيذ هدنة فورية في سوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين