مع دخول الإقتصاد الصيني مرحلة التحول والترقية الهيكلية، بات الإبتكار وريادة الأعمال يحظيان بإهتمام حكومي كبير في الصين. وفي إطار مسعاها لإستقطاب الكفاءات الأجنبية التي تحتاجها التنمية الإقتصادية والإجتماعية، عملت الصين خلال السنوات الأخيرة على تشجيع هجرة الكفاءات العالية إليها، وتسهيل سياسات ممارسة الإبتكار وريادة الأعمال بالنسبة للكفاءات الشابة. من بينها تسهيل إجراءات الإقامة ومنح البطاقة الخضراء الصينية (الإقامة الدائمة)، لمن تتوفر فيهم الشروط.
المبتكر ورائد الأعمال اليمني الشاب أحمد الصيادي، كان أحد الكفاءات الأجنبية الشابة المستفيدة من السياسات الصينية الجديدة، حيث حصل مؤخرا من وزارة الأمن الصينية على البطاقة الصينية الخضراء، بصفته رائد أعمال ومؤسس شركة ناشئة في مجال البيانات الكبيرة وصناعة الذكاء. ووفقا للإستقصاءات التي قامت بها الصحيفة، من المتوقع أن يكون أحمد أول مبتكر ورائد أعمال عربي شاب يحصل على هذا التبجيل من الحكومة الصينية، لقاءا للنجاحات التي حققها خلال السنوات الأخيرة في مجال ريادة الأعمال.
ولد أحمد في مدينة البيضاء باليمن، وفي عام 2005 بدأ دراسته الجامعية بجامعة الصين للعلوم التكنولوجيا، حيث تعلم اللغة الصينية ودرس علوم الحاسوب. ورغم الإختلاف الثقافي بين اليمن والصين، إلا أن أحمد الذي لم يتجاوز العشرين حينها، سرعان ما اندمج في المجتمع الصيني وتأقلم مع الحياة في الصين. ويقول بأنه لم يشأ أن يجعل نفسه شخصا مختلفا عن الصينيين، بل رغب منذ البداية أن يتعرف على عادات وتقاليد الصينيين ويحي حياتهم اليومية. وهذا لم يمنح أحمد فرصة تعلم اللغة الصينية بشكل جيد فقط، وإنما يقول أيضا بأن فهمه للصينيين ومصادقته لهم، قد ساعدته في مشواره المهني لاحقا، وفي ريادة الأعمال والتعاون مع الشركات الصينية الأخرى.
بعد تخرجه في جامعة خهفي عمل أحمد مبرمجا في إحدى الشركات اليابانية بمدينة ووهان. لكن حبه لدراسة علوم الحاسوب، دفعه للإنتقال إلى مدينة بكين، حيث توجد كبريات الجامعات الصينية والأقطاب التكنولوجية. إذ إلتحق بجامعة تشينغهوا، إحدى أشهر الجامعات العالمية في مختلف تخصصات الهندسة لدراسة الماجستير. لكن الدراسة لم تكف شغف هذا الشاب اليمني الطموح بالتكنولوجيا، فقرر في عام 2014 هو وصديقه الصيني أن يطلقا مشروعا في تحليل البيانات الكبيرة وهو لم ينه الدراسة بعد. وبعد تخرجه في عام 2015، تفرغ أحمد بشكل كلي لتطوير مشروعه، ثم في عام 2017 قام بتأسيس شركته الخاصة. ويقوم أحمد وفريقه الآن بإستعمال تقنيات الذكاء الإصطناعي في توزيع محتويات الإنترنت إلى الدول العربية، كما يقدم خدمات التوزيع لعدة شركات صينية تعمل في سوق الشرق الأوسط.
هذا النجاح يخفي وراءه تعب ومثابرة، والأهم من ذلك الطموح الكبير. فخلافا للكثير من الشبان العرب المغتربين الذين يفضلون تأمين الحياة المادية والعائلية أولا بعد التخرج، فضّل أحمد المغامرة ودخول عالم ريادة الأعمال في مجال شديد المنافسة. وهنا تقول زوجته طبيبة الأسنان، بأن أحمد لم يكن منشغلا كثيرا بوضعه المادي، "حتى وإن لم يبق معه فلسا واحدا"، "بل كان كل همه تحقيق حلمه". أما الآن وبعد حصوله على البطاقة الخضراء الصينية، فقد بات أحمد يشعر بأكثر إطمئنان على مستقبله المهني، حيث يرى بأن الإقامة الدائمة ستوفر له المزيد من الإستقرار والقدرة على القيام بمخططات متوسطة وطويلة المدى لأعماله، كما ستجعله يشعر بسعادة أكبر بإقامته في الصين.
هناك عاملين مهمين يعززان ثقة أحمد وتفاؤله بمستقبل أعماله. أولا، البيئة الجيدة لصناعة الإنترنت في بكين. حيث يرى أحمد أن بكين تعد ثاني أفضل بيئة تكنولوجية بعد "السيليكون فالي" في مجال صناعة الإنترنت، ويرى بأن هذا القطاع يشهد تطورا سريعا في الصين، خاصة مع في مجال "إنترنت الجوال"، ويتوقع بأن تصبح الصين الأكثر ريادة في هذا المجال عالميا. كما أن إكتمال المنظومة التكنولوجية ووفرة الخبرات ورؤوس الأموال تتيح لريادة الأعمال في هذا المجال بيئة خصبة لإزدهار الشركات.
ثانيا، تنامي الطلب في السوق العربية. بالتوازي مع البيئة التكنولوجية الجيدة التي تتمتع بها الصين، يرى أحمد أن تنامي الطلب على صناعة الذكاء وتحليل البيانات الكبرى وصناعة الإنترنت في الدول العربية، تفتح لشركته آفاقا كبيرة للتطور. حيث يعتقد بأن المسافة المتقدمة التي قطعتها الصين في هذا المجال بالمقارنة مع الدول العربية، يمكن أن تساعد رواد الأعمال في تكنولوجيات صناعة الذكاء والإنترنت العرب والصينيين على حد السواء في نقل التجارب الصينية الناضجة إلى الأسواق العربية، خاصة مع تقدم مبادرة الحزام والطريق التي من شأنها أن تبسط المزيد من الجسور للتعاون العربي الصيني في مجال التكنولوجيا. ويرى بأن الشركات الصينية قد بدأت فعليا في الإنتشار بشكل جيد في الدول العربية ومنافسة الشركات العالمية الأخرى، سيما في مجال الإتصالات والألعاب الإلكترونية والتقنية السحابية.
في ذات الوقت، لايخفي أحمد الإشارة إلى المشاكل التي تواجهها شركات تكنولوجيا الإنترنت الصينية في الشرق الأوسط، ويرى بأن المستثمرين الصينيين يجب أن يعملوا أكثر على فهم الثقافة المحلية للمستخدم العربي، وتوطين الصناعات في الأسواق المحلية. لأن المنتجات والطرق الناجحة داخل السوق الصينية قد لاتحقق نفس النجاح في العالم العربي، إذا لم تتم مراعاة خصوصيات الأسواق العربية. وبالنسبة للشباب العربي الذي يعمل في مجال تكنولوجيا الإنترنت والصناعة الذكية في الصين، يرى أحمد أن المبرمجين العرب يجب ألا يكتفوا بتعريب المنتجات الصينية، بل أيضا أن يغامروا في خلق المنتجات الجديدة وتطوير المنتجات.
اليمن دائما في البال
حصول أحمد على الإقامة الدائمة في الصين لايعني أنه سينقطع عن اليمن. بل يتحدث أحمد بحسرة شديدة عن الوضع الذي تعيشه بلاده خلال السنوات الأخيرة، ويأمل في أن تستعيد بلاده الإستقرار ليبدأ اليمنيون عملية إعادة البناء والإعمار. ويقول أحمد بأنه يرغب في نقل التجارب الصينية الناجحة في مجال التكنولوجيا إلى اليمن وبقية الدول العربية لمساعدة الناس على تحسين ظروفهم المعيشية، ويرى أن هذا أمرا ممكنا حالما توفرت عوامل الأمن والإستقرار في بلاده خاصة. في ذات الصدد، يقول أحمد بأن الجالية اليمنية في الصين تبذل جهدا كبيرا في مساعدة اليمن بمختلف الطرق، وأن اليمنيين يشتركون مع الصينيين في روح البذل والكفاح من أجل تحسين ظروف الحياة، وأن هذه الصفة لو تم توظيفها بشكل صحيح ستدفع اليمن إلى التطور في وقت قصير. وينصح أحمد التجار اليمنيين في الصين والتجار العرب عموما بضرورة "التفكير في طرق تجاريه اخرى، غير الوسيط التجاري" والإستفادة من نماذج الاعمال الحديثة واستغلال تطور التقنية والإنترنت في التوسع وتكبير الأعمال، ويضيف "لا تنسوا اليمن!".
أما عن الشبان اليمنيين والعرب الذين يدرسون في الصين. فينصحهم أحمد بتعلم اللغة الصينية بشكل جيد والإندماج في المجتمع الصيني، إلى جانب إتقان التخصص العلمي بشكل جيد، لرفع التنافسية داخل سوق الشغل. كما ينصح الخريجين العرب في الجامعات الصينية بالخروج عن التفكير في مزاولة الأنشطة التجارية التقليدية، وطرق أبواب جديدة "غير البيع والشراء"، لأن العالم والصين يتغيران بشكل مستمر.
نقلا عن صحيفة الشعب اليومية أونلاين