لم يشهد العام 2017 أي تغيير جذري في خارطة السيطرة والنفوذ باليمن، لكن توحد جبهة "الشرعية"، وتصدع تحالف الحوثيين مع حزب المؤتمر الشعبي العام، يعدان بتحولات نوعية خلال العام 2018.
وشهدت الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم، أحداث دراماتيكية في مسيرة الحرب اليمنية المتصاعدة منذ أكثر من 3 أعوام ، أبرزها مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على أيدي حلفائه السابقين من جماعة الحوثي، ثم تقارب لافت بين حزب الإصلاح الإسلامي والإمارات ثاني أكبر دول التحالف العربي وتوحد جبهة الشرعية أكثر من أي وقت مضى.
وسيُحدث مقتل "صالح"، وفقا لمراقبين، التحول الأبرز في مشوار الحرب خلال 2018، فعلاوة على خسارة الحوثيين لحليف قوي كان يوفر لهم غطاءً سياسيا في الداخل والخارج، لن تشهد جبهات القتال الحوثية مشاركة معهودة هذا العام من قبل القبائل الموالية لصالح أو القوات العسكرية التي كانت تدين له بالولاء مثل وحدات الحرس الجمهوري.
وبعد مرور حوالي شهر على مقتل "صالح"، لم يفق أنصاره وما تبقى من أسرته من الصدمة بعد، لكن مراقبون يتوقعون أن تتغير خارطة اللعبة مع بدايات 2018، وخصوصا بعد أن يتم الكشف عن الصفقات التي يرتب لها التحالف العربي مع نجل الرئيس الراحل، العميد أحمد علي عبد الله صالح، ونجل شقيقه، العميد "طارق محمد عبد الله صالح"، وأي أدوار عسكرية وسياسية قد يتم إسنادها لهما.
ـ بداية النهاية الحوثية
خلافا للأعوام السابقة من الحرب، تظهر جماعة الحوثي كهدف رئيسي وخصم أول للتحالف العربي والحكومة الشرعية، وهذه المرة بدعم دولي أكبر وتأييد محلي غير مسبوق للقضاء عليها، لم يكن متوفرا خلال 3 أعوام مضت.
وفقا لـ"نبيل الشرجبي"، أستاذ علم إدارة الأزمات في جامعة الحديدة (حكومية)، فقد غيّر مقتل صالح بشكل كبير من المزاج العام في اليمن، وباتت الحاضنة الشعبية والسياسية التي كان صالح يمدها للحوثيين، أكثر تقبلا للعمليات العسكرية ضدهم، حتى وإن كانت في العاصمة صنعاء.
وتوقع الباحث اليمني في حديث مع الأناضول، أن تتزايد وتيرة العمليات العسكرية ضد الحوثيين خلال العام الجديد بشكل غير مسبوق.
وأوضح الشرجبي، أنه "إلى جانب اشتداد الضربات الجوية التي بدأت تستهدف قيادات الحوثي المدنية والعسكرية مستفيدة من معلومات دقيقة على الأرض قد يوفرها أنصار حزب المؤتمر، من المرجح أن يدفع التحالف بعملية عسكرية كبرى نحو صنعاء من أجل خنق الحوثيين".
وخلال العامين الماضيين، كان المجتمع الدولي يقف حائلا دون خوض عملية عسكرية في تخوم صنعاء خشية من كلفة باهظة في صفوف المدنيين، وإفساح المجال للحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، لكن الغطاء الدولي بدا أنه قد تراجع خلال الأيام الأخيرة من 2017، وخصوصا في أعقاب الهجمات الباليستية الحوثية صوب الرياض، والتنديد الدولي الذي قوبلت به.
وكانت جماعة الحوثي تستند على الفيتو الروسي للحيلولة دون أي عمل عسكري كبير ضدهم في صنعاء، لكن موقف موسكو هو الآخر بدأ بالتغير، حيث غادرت البعثة الدبلوماسية الروسية التي واصلت بقاءها في صنعاء منذ اندلاع الحرب عقب مقتل "صالح"، في مؤشر على عدم رضاهم لعملية مقتل الرئيس السابق.
وعلى الجهة المقابلة، أعلنت واشنطن دعمها صراحة للتحالف العربي من أجل القضاء على الحوثيين ضمن استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة، أنها ستواصل العمل مع حلفائها في التحالف العربي وتدريب طياريها على دقة الضربات والحيلولة دون وقوع ضحايا مدنيين.
ـ حسم عسكري لا حل سياسي
أبدت جماعة الحوثي، العام الماضي، تعنتا إزاء كافة خارطات الطرق الأممية لحل النزاع وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي يسعى من خلالها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لإحداث اختراق في جدار الأزمة، إلا أن مراقبون يرون أن حظوظ الحل السياسي غابت بشكل تام وخصوصا عقب مقتل صالح.
وخلافا للركود العسكري الذي كان سائدا قبيل مقتل صالح، شهدت جبهات القتال تحركا لافتا غداة أيام من أحداث صنعاء مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث تمكنت القوات الحكومية بإسناد من التحالف العربي، من التوغل صوب "الخوخة " أولى مديريات محافظة "الحديدة " الساحلية ، وتحرير ما تبقى من محافظة "شبوة " الجنوبية بالسيطرة على مديريتي "بيحان"و"عسيلان" ثم التقدم صوب مديريات محافظة البيضاء (وسط).
ولم تعلن الحكومة الشرعية هذه المرة عن أي خطط لها لـ2018، بعد أن أعلنت أن العام الماضي هو "عام التحرير"، وواجهت حينها عقبات دولية وداخلية مختلفة أدخلت الحرب في ركود كبير، من أجل إفساح الطريق للحل السياسي.
ويستبعد الباحث "الشرجبي"، نجاح أي حل سياسي خلال 2018، والسبب أن "الشرعية" والتحالف العربي أمام أيام مصيرية، مرجحا أن تحدث عملية عسكرية كبرى على أكثر من محافظة تجعل الحوثيين يرضخون لكل شروط وقرارات المجتمع الدولي بتسليم السلاح والانسحاب من صنعاء، ثم الدخول في تفاوض سياسي.
وقال الشرجبي: "الشيء المؤكد أن لدى الشرعية والتحالف من القوة والإمكانات التي تمكنهما من حسم المعركة هذا العام بشكل كامل، وخصوصا إذا نجحت جهود توحيد حزب المؤتمر تحت قيادة واحدة موالية للحكومة، وملامح تلك النوايا بدأت من التعديل الوزاري الأخير وتغيير بعض المحافظين".
ـ استكمال التحرير
في الأسبوع الأخير من 2017، أجرى الرئيس عبدربه منصور هادي تعديلا طفيفا في حكومة أحمد عبيد بن دغر، شمل عدة وزارات أبرزها " الداخلية"، وتغيير 3 محافظين، منهم محافظ تعز (جنوب غرب)، والتي تقاتل الحوثيين منذ 3 سنوات.
وأكد مصدر حكومي للأناضول، أن تغيير محافظ تعز، واستدعاء التحالف العربي لكافة القادة العسكرية بالمحافظة إلى الرياض، ومن ضمنهم قادة الفصائل التي كانت متناحرة فيما بينها، سيتبعه عملية عسكرية كبرى لاستكمال تحرير المحافظة الاستراتيجية.
وقال المصدر، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته كونه غير مخولا بالتصريح لوسائل الإعلام، إن "جبهة الشرعية الآن أكثر تماسكا من ذي قبل بعد إزالة القضايا الهامشية، وعمليات التحرير لن تتوقف عند تعز والحديدة والبيضاء والجوف، بل ستمتد إلى معاقل الحوثيين الرئيسية في صنعاء وصعدة ".
ولا يُعرف ما إذا كان التحالف العربي سيعول خلال العام الجديد على انتفاضة جديد من قبل الموالين لصالح داخل صنعاء، لكن مراقبون يستبعدون ذلك وخصوصا مع زج الحوثيين لكافة القيادات العسكرية والقبلية التابعة لحزب المؤتمر داخل السجون، ويتوقعون أن يقتصر الآمر على عمليات اغتيالات لقيادات حوثية.
ويتوقع مراقبون، أن قبائل طوق صنعاء لا يمكنها تحديد موقف مع الشرعية والتحالف خلال الوقت الراهن خوفا من بطش الحوثي، لكن أي تقدم حقيقي من الجهة الشرقية في مديرية "نهم" سيجعلهم ينخرطون فيها، كون التاريخ المتعاقب للقبائل اليمنية يفصح عن وقوفها مع الطرف الأقوى دائما في أي حروب.