يثير ظهور قائد الحراك الجنوبي (أو أبرز فصائله المؤسسة على الأقل)، حسن أحمد باعوم، ردود فعل واسعة في الشارع اليمني، بعد أن كسر الصمت من خلال خطاب متلفز يوم السبت الماضي، فضلاً عن بيان شديد اللهجة، صدر عن المجلس الذي يترأسه، ووصف سيطرة الإمارات والسعودية بـ"الاحتلال"، مطالباً دول التحالف بسحب قواتها من جنوب اليمن، والتفاوض معه كممثل للجنوب.
واستطاع فصيل الحراك الذي يترأسه باعوم، أو ما يُسمى "المجلس الأعلى للحراك الثوري لتحرير واستقلال الجنوب"، تحدي قبضة التحالف وحلفائه من القوات والأطراف الجنوبية المسيطرة على مدينة عدن ومحيطها من المحافظات الجنوبية لليمن، لينظم مؤتمراً حضره المئات من قيادات وناشطي "الحراك الجنوبي"، بقيادة "الزعيم باعوم"، كما يُلقب، والذي شارك الحضور بخطاب متلفز، من مقر إقامته خارج البلاد، ورفع صوره الحاضرون.
وخلال "المؤتمر العام الثاني لمجلس الحراك الثوري"، في عدن، جرى الإعلان عن مواقف مثيرة، أبرزها اعتبار دول التحالف (الذي تقوده السعودية والإمارات)، احتلالاً في جنوب اليمن، ومطالبة هذه الدول بسحب قواتها والتفاوض مع المجلس الذي أكد "على الروابط الاجتماعية والدينية التي بيننا (أي مع هذه الدول)، باعتبارها عاملا مساهما في خلق علاقات إيجابية تحافظ على مصالح الجميع في الجزيرة العربية". ولمّح المجلس إلى التصعيد ضد التحالف، عبر التأكيد "على حقنا الكامل في التعامل مع الاحتلال بكافة الطرق والوسائل المشروعة، في الزمان والمكان المناسب وفقاً لمصالحنا الوطنية". (حسب البيان الختامي للمجلس).
أما الموقف الآخر، واللافت في مؤتمر الحراك الجنوبي، فهو الاعتراف بـ"حكومة صنعاء"، إشارة للحكومة التي تألفت باتفاق جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها من حزب المؤتمر الذي يترأسه علي عبدالله صالح، وفشلت بالحصول على اعتراف دولي، ودعا المجلس هذه الحكومة لـ"الاعتراف بحقنا في السيادة على أرضنا". كما وجه خطاباً اقترب فيه من المواطنين من المحافظات الشمالية، وطالب بضغط دولي على التحالف العربي لإنهاء حربه وحصاره المفروض "على الشعبين الجنوبي والشمالي"، حسب وصفه.
ومن أبرز، ما جاء به مؤتمر فصيل الحراك الذي يترأسه باعوم، أنه خلط أوراق حلفاء الإمارات من الحراك نفسه، إذ أكدت مصادر سياسية يمنية قريبة من الحراك لـ"العربي الجديد"، أن مؤتمر الحراك وما أطلقه من مواقف، لقي أصداء واسعة في الأوساط القيادية الجنوبية بما فيها "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي دعمته أبوظبي ويترأسه محافظ عدن عيدروس الزبيدي، بالإضافة إلى القيادات الجنوبية في الحكومة الشرعية.
وفي السياق، أعلن مؤتمر حراك باعوم أن "المجلس الأعلى هو الممثل المؤسس وليس الوحيد للحراك"، ووصف المكون الذي يترأسه الزبيدي بـ"المنشق"، قائلاً "مازلنا وسنظل نمد أيدينا للمكونات المنشقة بما في ذلك ما يسمى بالمجلس الانتقالي، للتحاور بصدور رحبة وإيجابية تامة، بشرط استقلالهم في القرار وإقرارهم بمبدأ رفض أي احتلال مهما كان".
كذلك حمل خطاب باعوم، العديد من الرسائل، إذ بدا أقل حدة تجاه التحالف، مقارنة بمضامين خطاب مؤتمر مجلسه بشكل عام، لكنه اشتمل على نقاط أثارت جدلاً، أبرزها الكشف عن حيثيات موقفه الذي رفض الانخراط أو تأييد حرب التحالف بقيادة السعودية في اليمن. وكشف عن لقاء استضافته العاصمة الإماراتية أبوظبي للقيادات الجنوبية اليمنية في 18 مارس/آذار2015 (قبل أسبوع من انطلاق عاصفة الحزم)، عرض خلاله مندوب التحالف، على تلك القيادات "خوض الحرب لإعادة الشرعية اليمنية وتنفيذ المبادرة الخليجية مقابل مكاسب مادية ودعم لوجستي فقط... من دون أي وعود أو ضمانات سياسية لقضتينا الوطنية (الجنوبية)". وقال باعوم "رفضت شخصياً ورفضت معي كافة القيادات الجنوبية"، مضيفاً اتفقوا على عدم الذهاب إلى الرياض.
ويعد باعوم، أبرز الشخصيات التي ارتبطت بمسيرة الحراك الجنوبي الذي تأسس في العام 2007 وتدرج من مطالب حقوقية إلى دعوات للانفصال عن الشمال. وتعرض باعوم للسجن أكثر من مرة، بما خلق له قاعدة تأييد ورمزية في مسيرة الحراك، لا ينكرها حتى خصومه، الذين باتوا يحسبونه، حليفاً للحوثيين ويتهمونه بتلقي الدعم من إيران. لكن المجلس الذي يترأسه، لمح في بيان إلى أن دول الخليج أقرب لجنوب اليمن من الدول الإقليمية الأخرى (إيران)، قائلاً "هم أقرب لنا بكل المقاييس من دول الإقليم الأخرى، إن حافظوا على وشائج الأخوة وفق الاحترام المتبادل لحق كل شعب في سيادته على كل شبر في أرضه".
وكان باعوم اختفى عن الظهور لأسباب صحية في السنوات الأخيرة، حيث يُعالج خارج البلاد، إلا أن المكون الذي يترأسه لا يزال فاعلاً بنسبة أو بأخرى، خصوصاً مع وجود نجله، فادي باعوم، والذي يصفه البعض بأنه أحد أبرز الشخصيات المحركة للفصيل في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من أن تهمة التحالف مع الحوثيين أو تلقي الدعم من إيران، تجعل من نشاط أي مكون جنوبي في اليمن، محفوفة بالمخاطر، إلا أن مكون باعوم، وبما يتمتع به من رمزية في مسيرة الحراك الجنوبي، استطاع أن ينظم مؤتمراً كبيراً في عدن. وترجع مصادر قريبة من الحراك لـ"العربي الجديد"، ذلك، إلى أخطاء الإمارات وحلفائها، التي جعلت جزءاً من قواعد وقيادات الحراك، يدعم أو لا يمانع في وجود أي فصيل يرفع صوته في وجه "المجلس الانتقالي". ومن المفارقات، أن ذلك ينطبق حتى على بعض مؤيدي الشرعية، والذين يظهرون رضى علنياً أو غير معلن، عن فصيل باعوم، لخلط أوراق مجلس الزبيدي، الذي تأسس بدعم أبوظبي في مايو/أيار الماضي، ويعتبر نفسه "الممثل الوحيد للجنوب".
يذكر أن المحافظات الجنوبية لليمن باتت في وضع أقرب للانفصال من أي وقت مضى، وتقبع تحت نفوذ وسيطرة التحالف بواجهة إماراتية منذ أكثر من عامين. وتحالفت الأخيرة مع مكونات وقيادات محسوبة على الحراك الجنوبي المتشدد المطالب بالانفصال، لكن سياساتها لا تعدم المعارضة، حتى من أوساط الانفصاليين، أنفسهم والذين بات بعضهم - كما هو حال فصيل باعوم - ينظرون إليها بأنها "احتلال".