"كانوا يأتون لاستجوابي في وقت متأخر من الليل بطريقة مفزعه ومرعبه جداً،..أحيانا كانوا يربطون يديَّ بالقيود حتى يسيل الدم، ويقومون بإدخالي الى دهاليز مظلمة وموحشة لإجراء التحقيق، وكان التحقيق يستمر معي من الساعة الحادي عشرة ليلاً وحتى طلوع الفجر". يتذكر "علي حسن" أبرز ما كان يتعرض له من قبل ميليشيات الحوثي الانقلابية طوال الأشهر التي قضاها محتجزا في سجونهم.
و"علي حسن"، هو أسم مستعار لطالب جامعي، أفرج عنه مؤخرا ضمن صفقة تبادل الأسرى، التي تمت مؤخرا (في 18 يونيو)، بين المقاومة الشعبية بتعز والميليشيات الانقلابية، ويحمل في جعبته قصص مروعة تكشف جانبا مظلما مما قاساه من صنوف التعذيب وسوء معاملة بدنية ونفسية اثناء تغييبه خلف القضبان لأشهر، بما في ذلك حرمانه من الطعام والعلاج ووضعه في أماكن لا تليق بالبشر.
وإلى جانبه، تمكن "يمن شباب نت"، أيضا، من أخذ شهادة مفرج عنه آخر، ونرمز له هنا بالاسم المستعار "محمد علي"، وهو شخصية حقيقية لتربوي تم اختطافه بتعز، ليتعرض هو الأخر للتعذيب وسوء المعاملة، قبل أن يتم تحريره وإنقاذه أيضا في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة. وهي الصفقة التي تمت بوساطة لشخصيات اجتماعية وقبلية بين المقاومة الشعبية في تعز ومليشيات الحوثي، وتم بموجبها إطلاق المقاومة الشعبية لـ115 أسيرا من المليشيات، تم أسرهم في الحرب والمواجهات الدائرة بتعز منذ أكثر من عام ونصف، فيما تم تحرير وإخراج 67 أسيرا ومعتقلا باسم المقاومة الشعبية، رغم أن بعضهم ليسوا منها ولا محاربين في صفوفها.
وأكد الاثنان (علي ومحمد) عدم وجود علاقة لهما بالمقاومة الشعبية، وتم اختطافهما وتغييبهما لأشهر في سجون الميليشيات الانقلابية بتهم عدة. وتحدثا لـ"يمن شباب نت"، عن رحلة اختطافهما وأهوال معاناتهما داخل السجون المختلفة التي تنقلا فيها، دون أن تعرف أسرتيهما أي شيء عن حياتهما. وقد التزم "يمن شباب نت" بعدم ذكر إسميهما الحقيقيين، إلى جانب بعض التفاصيل والقصص المأساوية (الخاصة) التي من شأن ذكرها أن تكشف عن هويتهما الحقيقية، وذلك بناء على طلبهما، لاحترازات أمنية وأسرية واجتماعية.
كلاب بوليسية لإجبارهم على الموت تحت القصف
يقول الطالب "علي حسن" إنه كان بمبنى الجوازات بالعاصمة صنعاء، يجري بعض المعاملات الإجرائية للسفر خارج البلاد من أجل مواصلة تعليمه الجامعي، ويضيف بحرقة: "ومن هناك، تم اختطافي من قبل مسلحين حوثيين بتهمة أنني أتبع المقاومة".
لـ15 يوم تم وضعه في سجن قسم شرطة (45)، قبل أن يتم نقله إلى البحث الجنائي ليخضع للتحقيق بطريقة مستفزه، كما يصف، كـ"التهديد بالإخفاء القسري، والتعذيب بالكهرباء، وغياب شبه كلي للوجبات اليومية، حيث كانوا يعطوننا باليوم كدمة في الصباح وأخرى في المساء، ولمدة أشهر ونحن على هذا الحال".
وعن أساليب التحقيق التي مورست معه، يشرح: "يأتون لاستجوابي في وقت متأخر من الليل بطريقة مفزعه ومرعبه جداً، وكانوا – أحيانا – يقومون بربط يديَّ بالقيود حتى يسيل منها الدم، ويقومون بإدخالي الى دهاليز مظلمة وموحشة لإجراء التحقيق، الذي كان يستمر معي من الساعة الحادي عشرة ليلاً وحتى طلوع الفجر".
في البداية، وجهت لعلي تهمة "تفجير المساجد"، وهي تهمة حين يتذكرها، تخالجه سخرية مشوبة بالمرارة، إذ كيف توجه لطالب جامعي مثله هذه التهمة، التي اشتهرت بها هذه الميليشيات على طول البلاد وعرضها..!! ولاحقا، أضافت له تهمة أخرى، أكثر غرابة، وهي "التخابر مع رجل الأعمال حميد الأحمر"..!! الذي يؤكد أنه لم يلتقِ به يوما "ولا يعرفني ولا تربطني به أي صلة، لا من قريب أو من بعيد".
أما أكثر المواقف خوفا وبشاعة، التي يقول أنه واجهها طوال فترة اختطافه واحتجازه، وكان فيها يشعر أن أجله قد دنى، هو حين تعرض سجن البحث الجنائي، القريب من إدارة أمن العاصمة، لقصف طيران التحالف، وهو محتجز بداخله مع آخرين. يقول واصفا تلك اللحظات: "تركونا في السجن، واتوا بكلاب بوليسية تحرسنا كي لا يحاول أحد منا حتى التفكير بالهرب..".
وإلى جانب تلك القصة، يتذكر موقف مؤلم آخر، يقول: "في إحدى المرات عندما قمنا وبعض الأسرى بالاحتجاج ومطالبة ادارة السجن بتحسين الوضع الغذائي والاهتمام بالمرضى؛ قاموا بحبسي في زنزانة تُدعى زنزانة الضغاطة، وهي عبارة عن غرفة ضيقة ومظلمة مليئة بالمجاري والقاذورات".
أساليب غريبة وبشعة في التعذيب
أما التربوي "محمد علي"، فقد اختطفته ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية عندما ذهب لاستلام راتبه من (....)، ويستدرك لـ"يمن شباب نت": "وهناك استوقفتني عناصر المليشيات بحجة أن هناك بلاغ ضدي بتهمة إتباع الدواعش والتكفيريين"..!! القوا عليه جملة من الأسئلة والاستجوابات، ثم اقتادوه إلى "مدينة الصالح"، وهي عبارة عن مشروع غير مكتمل لمدينة سكنية، تقع نهاية الحوبان - شرق تعز، واتخذتها الميليشيات موقعا لها، وفتحت فيها سجنا كبيرا تغيب فيه كل من تقوم باختطافه.
في سجن "مدينة الصالح"، تم تغييب التربوي "محمد علي" لمدة خمسة أشهر، قبل أن ينقلوه – بعد ذلك -إلى السجن المركزي (سجن العزل الاحتياطي)، الذي – كما يقول - قضى فيه عدة أشهر، لم ير فيها الشمس وسط ظروف احتجاز سيئة في المأكل والمشرب والنظافة؛ ويضيف: "ومن تتدهور صحته يرفضون معالجته أو إسعافه".
لدى محمد أيضا قصص بشعة، ومواقف غريبة ومؤلمة، يصف أحداها لـ"يمن شباب نت"، قائلا: "وذات مرة قاموا باستجوابي والتحقيق معي، وسألوني كم تحفظ من الأحاديث وسور القرآن، فأجبت أنني أحفظ جزئيين من القرآن وعشرون حديثا، فقاموا بضربي وجلدي على عدد ما أحفظ من سور وأحاديث، وكان الضرب كله يتركز على الصدر والمؤخرة".
ويقول محمد أنهم كانوا يمنعون عنهم كل شيء يبقيهم متصلين بالعالم الخارجي، أو ينسيهم معاناتهم وعذابهم اليومي، بما في ذلك الكتب والأقلام. وهنا يختتم سرد مأساته بهذه القصة: "بعد أن تم نقلنا الى السجن الاحتياطي (احتياطي الثورة)، وفيه تم منعنا من كل شيء حتى الكتب والأقلام، وفي إحدى المرات، وجدوا مع أحد الأسرى قلم، فنقلوه مباشرة الى زنزانة أخرى، وقاموا بتعليقة على رافعه، بطريقة اسمها الشواية، وضربوه على مفصل الرجل ضربا مبرحا، بعدها اقتادوه إلى إحدى الزنازين لتعذيبه بالكهرباء".