أثارت عمليات التجنيد على أساس قبلي وفتح معسكرات باسم القبائل بمحافظة شبوة ردود فعل مختلفة أبرزها الموقف الرافض للسلطة المحلية بالمحافظة التي ترى أن هذا النوع من التجنيد غير قانوني,في حين اعتبرها آخرون ومنهم سياسيون وعسكريون بمثابة تفخيخ للمستقبل وإعادة بناء الجنوب على نمط الإمارات,وهو ما يشبه وضع الجنوب في عهد الاحتلال البريطاني.
وتقول مصادر متعددة لـ"يمن شباب نت",إنه يجري تجهيز لواء قبلي باسم قبيلتي(بني هلال ولعبيد),من خلال دعوة أفراد القبيلتين للتجنيد والتسجيل في اللواء المذكور,وهناك معلومات عن تجهيز لواء باسم قبائل "الواحدي",مع غموض يلف الجهة التي تقف وراء عمليات التجنيد.
غير أن المصادر ذاتها,أشارت إلى وقف الإمارات المشاركة بالتحالف العربي وراء هذا الأمر,الذي يجري تنفيذه دون إعلان أو قرارات من القيادة العسكرية للشرعية بمختلف تراتبيتها وحتى الإدارية بالمحافظة.
وبانتقال التجربة إلى شبوة,تكون المحافظة هي الثالثة التي تتولى فيها الإمارات بناء قوة عسكرية وأمنية من آلاف المجندين بدأتها من عدن بإنشاء ما يُعرف بـ"قوات الحزام الأمني",والتي تُتهم بالوقوف وراء عمليات ترحيل أبناء الشمال من المحافظة,وتلتها محافظة حضرموت ببناء قوات"النخبة الحضرمية",المكونة من ستة آلاف جندي.
الغموض الذي يلف هذه القضية يطرح تساؤلات في غاية الأهمية,في مقدمتها ما الحاجة لإنشاء ألوية وفق أسس قبلية وحصرها في قبائل معينة وهناك خمسة ألوية عسكرية في المحافظة قوتها البشرية من مختلف أبناء المحافظة وخارجها,فضلا عن موقف السلطات الشرعية منها ومت يقف وراءها.
رواية المجندين
تتبعنا خيوط القضية لعلنا نعثر على معلومات وافية,وكانت البداية من لقاء أحد المجندين الذي فضّل عدم ذكر اسمه,حفاظا على سلامته,والذي أجاب عن سؤال حول كيفية تجنيده,بالقول"جاءنا مندوبين من أبناء قبيلتنا إلى منازل أهل القرية وقاموا بطلب البطائق الشخصية لأبناء القرية لتسجيلنا في اللواء المسمى بلواء بني هلال وبالعبيد".
وعن اسم الجهة التي تقف وراء دعوات التجنيد,يضيف في تصريحات لـ"يمن شباب نت",إن" أربعة ضباط إماراتيين وصلوا لمحافظة شبوة قبل خمسة أيام واجتمعوا بمندوبين من قبائل بني هلال وبلعبيد وتم التنسيق على أساس يتم انشاء لواء يضم أبناء القبيلتين وسيتم دعمه من قبل بلادهم".
وعقب الاجتماع غادر الضباط الأربعة على أن يتم رفع كشوفات بأسماء المجندين خلال الأسبوعين القادمين,بحسب المصدر ذاته الذي تحدث للموقع.
السلطة المحلية آخر من يعلم
السلطة المحلية بدت وكأنها مرتبكة لا تعلم بما يجري إلا مما يتم تناقله,وهي في كل الأحوال لا ترى مشروعية لتجنيد كهذا,ولا تعترف إلا بالتجنيد الذي يصدر فيه توجيهات أو قرارات من الرئيس عبدربه منصور هادي.
يقول الوكيل علي بن راشد الحارثي القائم بأعمال المحافظ"إن السلطة المحلية بمحافظة شبوة لم تبلغ عن إنشاء لواء جديد من أي جهة لكنها سمعت بهذا بشكل غير رسمي".
ويؤكد الحارثي في تصريحات لـ"يمن شباب نت",مرة أخرى عدم علمه كقائم بأعمال المحافظ بأي شيء من هذا أو تلقيهم طلبا من أي جهة,لكنه استدرك متسائلا" إلا إذا كان هناك طلب قدم لقادة الألوية ولم يبلغونا بهذا الأمر".
وحول موقفه من هذا التجنيد,أجاب"إنشاء معسكرات على أساس قبلي أو مناطقي أو حزبي فهذا هو الخراب الكبير ، واذا لم تبنى على أساس وطني في المحافظة وتركيبتها الاجتماعية فإنها ستخرب أشياء كثيرة في المرحلة القادمة".
وبشكل واضح يؤكد"أن أي لواء يشكل دون قرار جمهوري من الرئيس عبدربه منصور هادي يعتبر غير قانوني ، ولكن إذا كان هناك اتفاق مع جهات الاختصاص من خارج المحافظة أنهم يقوموا بتدريب مجاميع وفي الأخير سيتخذون فيها قرارات فهذا أمر ثاني".
وردا على المعلومات التي تتحدث عن علاقة الإمارات بالمعسكرات,أوضح الحارثي"أن قيادة التحالف العربي بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز واخوانهم في دولة الإمارات لا يرضيهم هذا ولن يقبلوا انشاء معسكرات على هذا الأساس وهم من سيوقفه,ونشكرهم على ما يقدمونه للمحافظة والوطن عامة".
وطالب الحارثي أبناء شبوة بجميع مكوناتهم السياسية والاجتماعية للتكاتف ورص الصف وتوحيد الكلمة حتى يتم تحرير المحافظة من براثن مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية,داعيا الجميع لنبذ كل العصبيات بمختلف مسمياتها والالتفاف حول الشرعية والوقوف "ضد عناصر الإرهاب الايرانية وقوات صالح المستهدفة للبلاد والتوجه إلى بيحان لاستمال تحريرها" .
شكوى للرئاسة وتحذيرات
من جهته,قال محسن الحاج القميشي,مدير عام مكتب محافظ شبوة,إنه سمع عن استقطاب وتجنيد "تبع جهات ربما غير معروفة إلى حد الآن على أساس مناطقي وقبلي وسمعنا عن تشكيل لواء على مستوى قبيلة بلعبيد وبني هلال ويتداول خبر تشكيل لواء على مستوى قبائل الواحدي بهذه التشكيلات وهذه المسميات".
ومع أن القميشي أرجع هذا الأمر إلى"ضعف الدولة الموجودة حاليا",إلا أنه أكد أن السلطة المحلية سترفع شكوى إلى رئاسة الجمهورية والجهات المختصة في حال تأكد لهم أن هناك تجنيد على هذه الأسس وسيطالبون بمعرفة الجهة التي تقوم وراء ذلك.
وفي تصريحات لـ"يمن شباب نت"،رأى القميشي في هذا التجنيد"خطرا كبيرا على المجتمع ليس في المحافظة فقط ,ولكن على الوطن بشكل عام فحينما تشكل ألوية أو وحدات عسكرية على أسس غير وطنية فإنها تسبب شرخ في النسيج الاجتماعي وقد تصبح في يوما من الأيام متناحرة فيما بينها لا سمح الله ".
تفخيخ المستقبل بالصراعات
ويرى سياسيون أن التجنيد على أسس قبلية يضيف جراحا لوطن لم يعد يحتمل الكثير منها,ويتناقض كليا مع التوجه لبناء دولة تحكمها مؤسسات القانون.
ويعتبر المحلل السياسي, يسلم البابكري,أن إنشاء ألوية عسكرية على أساس قبلي معناه تفخيخ للمجتمع وفتح الطريق نحو مستقبل قاتم وتأسيس لدوامة من الصراعات والسير في الاتجاه المعاكس لبناء الدولة .
وأكد البابكري لـ"يمن شباب نت" أنه لا يمكن أن تسير الأوضاع نحو الاستقرار إلا ببناء جيش وطني متحرر من نوازع العصبيات متسلح بولائه للوطن,مضيفا "لم يعد في جسد الوطن متسع لإضافة جراحات جديدة لا يمكن شفاؤها".
ودعا قيادة الدولة والتحالف لإيقاف هذا الفعل التدميري,متسائلا:لا يعقل أن كل التضحيات التي قدمها الشعب اليمني واشقاؤه من دول التحالف تفضي في النهاية إلى إنتاج مليشيات بأشكال ومسميات مختلفة ، يجب إلاسراع في بناء جيش وأمن ملك للوطن وليس مليشيات تحت أي مسمى كانت .
أما الناشط الشبابي عبداللطيف معيض الهلالي,فحذّر من المناطقية,مؤكدا أن من"يريد أن يرجع شبوة لمربع المناطقية ، لا يريد بها خيرا ، كيف وقد اجتمعت شبوة على عدو واحد، في جبهه واحده، على مبدا واحد ، ومزجت هذا الاتحاد بدماء الشهداء".
وأضاف"من يريد إرجاعنا للوراء بعد أن خطونا للأمام خطوات خائن ولا يريد بناء خيرا . ونحن أن رضينا بالرجوع فقد خنا دماء الشهداء وضعينا جهاد الأبطال ورسمنا مستقبل مشوه للجيل القادم ، لكن شبوه قد ارتدت ثوب الأخوة بين كل ابنائها، وعلى ايدي الشهداء والمجاهدين وضع لها والوسام، فلن يستطيع خائن او مندس ان ينزع عنها ثوبها".
بناء الجنوب على نمط الإمارات
من جانبه,اعتبر الخبير العسكري,علي الذهب,أن هذه الواقعة ليست بالجديدة،بالنظر إلى أنه سبقها تشكيل ما يسمى "جيش النخبة الحضرمي" الذي يصل قوامه إلى 6000 جندي ، وقد جرى توزيع نصفهم في مهام أمنية وعسكرية داخل مدن حضرموت الساحل، فيما بقي عدد منهم قيد التدريب.
ورأى في تصريحات لـ"يمن شباب نت",أن الجنوب، ا?ن، يجري اعداده على نمط الامارات، كل كيان جغرافي مستقل بذاته أمنيا، وهي تجربة مر بها الجنوب أثناء الاحتلال البريطاني، كل حيز جغرافي يضم سلطنة أو مشيخة، وكل هذا وذاك صنيعة بريطانية وإن اختلفت الملامح.
وأضاف"الملاحظ أن عدن كون لها جيش من كافة محافظات الجنوب فقط، لتكون حمايتها مشتركة بين أبناء محافظات الجنوب دون الشمال،بينما تكون كل محافظة مسئولة عن حماية نفسها بأبنائها فقط".
وختم تصريحه قائلا"نحن أمام خدعة أخرى اسمها المفاوضات، مثلما فعل مبعوث الأمم المتحدة السابق لليمن، فكما سلم الشمال للحوثيين وسلم الجنوب لحراك ايران الانفصالي، فان هذه المرحلة هي مرحلة تثبيت أقدام هؤلاء، لا أقل لا أكثر".