أستهجن سياسيون ونشطاء حقوق إنسان ما تضمنته إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن المقدم مؤخرا إلى مجلس الأمن، فيما يتعلق بالحديث عن إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين. ووصفوا ما ورد في هذه الجزئية بأنها "مغالطات كبيرة".
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن رحب، ضمن إحاطته المقدمة الثلاثاء (21 يونيو) إلى مجلس الأمن الدولي، بإجراءات الإفراج عن الأسرى والمعتقلين التي جرت منذ بداية شهر رمضان الجاري، زاعما أن هذه الخطوة جاءت "بناء على توصيات لجنة الأسرى والمعتقلين التي تم إنشاؤها ضمن مشاورات الكويت والتي تعمل على وضع بيانات بأسماء المعتقلين لضمان تبادلهم".
ويقول مصدر حكومي لـ"يمن شباب نت"، فضل عدم كشف هويته، أن اللجنة المذكورة بتصريحات ولد الشيخ تشوبها خلافات كبيرة، ولم تتوصل إلى أية نتائج متفق عليها من الطرفين، وتم البدء بتنفيذها عمليا على الأرض، مضيفا: رغم أن كل طرف رفع بعدد وأسماء المعتقلين الذين يريد إطلاقهم لدى الطرف الأخر، ليتم الاتفاق على إطلاق 50% من كل طرف كمرحلة أولى، إلا أن الحوثيون رفضوا التفاهم بشأن إطلاق الشخصيات السياسية الكبيرة المذكورة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، الأمر الذي علق التنفيذ".
وحول هذه النقطة، كتب وزير حقوق الإنسان اليمني، عزالدين الأصبحي، على صفحته الرسمية بالفيسبوك، في 18 يونيو: "اراد الانقلابيون ان يفرغوا القرار الدولي 2216 ويتحايلوا عليه بان يوافق وفد الحكومة على إطلاق سراح بعض المختطفين والأسرى، ونصمت عن المعتقلين السياسيين، ونتجاهل المذكورين بالقرار الدولي 2216 ويعمل لذلك زفه تجمل قبحهم".
وقال إن الرد الحكومي كان واضحا في هذا الجانب: "اننا لا يمكن ان نقبل بزفه كاذبه ونخون المبدأ"، مشيرا إلى أن الامور واضحة، وهي: اننا سنلتزم من حيث المبدأ بضرورة اطلاق كافة السجناء والمحتجزين والاسرى منطلقين من روح المسئولية وعين الانسانية وانه من غير المقبول ان تقيد حرية اي انسان، وان نشجع كل الجبهات في جيشنا ولدى المقاومة البطلة المناهضة للانقلاب في اطلاق كل اسير ومحتجز.."
واستدرك الوزير الأصبحي بالقول: "ولكن لا نرضخ لأي ابتزاز ولا نتراجع عن المبدأ الواضح والمقرر بالقرار الدولي الذي يجب ان تفضي اليه اي مشاورات وهو الاطلاق الفوري والامن لكل السجناء السياسيين لدى ميليشيا الحوثي وصالح الانقلابية وعلى راسهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي وزملائه"، مشددا: "لهذا لا نقبل عقد الصفقات وعلى المجرمين ان يدركوا انهم سيلاحقون بجرمهم مهما كان".
تبادل أسرى بعيدا عن الكويت
ويُعتقد أن ولد الشيخ كان يشير بحديثه بشأن إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، إلى عمليتي تبادل الأسرى التي تمت بمدينة تعز بين فصائل من المقاومة الشعبية وميليشيات الحوثي، في توقيتين مختلفين من شهر يونيو الجاري، الأولى سبقت رمضان بأيام قليلة والأخرى، وهي الأكبر، جرت قبل أسبوع تقريبا.
والمعلوم هنا أن العمليتان تمتا، بعيدا عن مشاورات الكويت، وبوساطات محلية نجحت في إتمام الصفقتين بين المقاومة والانقلابين. إلا أن المبعوث الأممي أدرجها على ما يبدو ضمن نجاحاته بمشاورات الكويت..!! على الرغم ان الناطق الرسمي باسم مكتب زعيم الميليشيات، محمد عبدالسلام، كتب منشورا على صفحته، مباشرة عقب إتمام الصفقة الثانية بتعز، عَرَضَ فيه على فشل مشاورات الكويت في هذا الجانب، وثبوت صوابية "التواصل المباشر مع المعنيين والميدانيين".
أما وزير حقوق الإنسان اليمني، عز الدين الأصبحي، فقد اعتبر هذه الصفقة – من جهته - تعرية لزيف وكذب الانقلابين، وكتب في منشوره السابق: "وانطلاقا من روح المسئولية كانت اليوم اكبر تعرية لزيف وكذب الانقلابين، وان ممارستهم المجرمة بدت واضحة للعالم. حيث جاءت مبادرة مقاومة تعز البطلة وللمرة الثانية تعريهم بإطلاق الاسرى، متسلحة بروح الوطنية والإنسانية، وهم لا يزالون يصرون على ممارساتهم المخجلة بخطف الابرياء واخفاء قادة الوطن ورموز الفكر والكلمة".
فشل أممي وصراع ذاتي
وإذا كان ما حدث على الأرض، في هذا الجانب، يعد متسقا مع رغبات جماعة الحوثي الإنقلابية، وهو تبادل إطلاق الأسرى بعيدا عن المختطفين السياسيين والصحفيين والناشطين المخفيين قسريا لديها، والذين شدد قرار مجلس الأمن (2216)، على سرعة الإفراج عنهم، فإن ما حدث من تبادل أسرى على هذا النحو، وبعيدا عن القرار الدولي، يعد فشلا ذريعا للمبعوث الأممي إلى اليمن، كما يقول المحامي والناشط الحقوقي اليمني "فيصل المجيدي".
واعتبر المجيدي، في تصريحات لـ"يمن شباب نت"، إن إحاطة ولد الشيخ في هذا الجانب "كانت محاطة بإحباط كبير، لأنه كان يعول كثيرا على هذه النقطة وربما كان ينظر إليها كرافعة قد تقود إلى انفراج معقول في بقية الملفات، بمعنى الوصول إلى بقية الجوانب عبر الملف الإنساني وهو البعد والخلفية التي أتى منها ولد الشيخ". ويستدرك: "ولهذا كان يطلق تصريحاته القوية والإيجابية منذ بداية المشاورات بوجود انفراج في ملف المعتقلين وسيتم الإفراج عنهم قبل حلول رمضان، غير أنه صدم بمواقف الحوثيين المتصلبة وخلطها بين الأسرى الحربيين والذين تم أسرهم في الجبهات والمختطفين والمخفيين قسريا من المدارس والجامعات والشوارع ومنظمات المجتمع المدني ومقرات الأحزاب".
ويتجاوز المجيدي المبعوث نحو الجهة التي بعثته، قائلا: "ثم إن الأمم المتحدة دخلت في صراع نفسي مع ذاتها باعتبار أن مواثيقها وأدبياتها تنص وبصراحة على عدم جواز أن يستمر اختطاف المدنيين واخفائهم باعتبار ذلك من جرائم الحرب المنصوص عليها في المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف الاربع الموقعة في 49 خصوصا الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في الحروب غير الدولية والبرتوكول الإضافي الأول والثاني الصادرين في 76م".
ويخلص المحامي المجيدي إلى اعتبار أنه "من بين هذا الإخفاق الأممي، مع إطفاء الحوثيين لنقطة ضوء كانت تلوح في الأفق، ظهرت إحاطة ولد الشيخ البائسة في هذه النقطة تحديدا".
تبييض مغالطات الميليشيات
ولم يكتفي المبعوث الأممي بنسب تلك الإنجازات لمشاورات الكويت التي يقودها، بل ذهب لتبييض مغالطات ميليشيات الحوثي في هذا الجانب أمام المجتمع الدولي. حيث أشار ولد الشيخ، ضمن الإحاطة نفسها، إلى أن أنصار الله (ميليشيات الحوثي الانقلابية)، قاموا "بالإفراج عن أكثر من 400 من الأسرى والمحتجزين خلال الأسابيع الماضية".
وحتى مع أن هذا الرقم يتجاوز ما أعلنتها ميليشيات الحوثي من أرقام خلال الأسابيع الماضية، إلا أن النقطة الأهم هنا، هي أن معظم من أعلنت الميليشيات إطلاق سراحهم لم يكن لهم علاقة بالأسرى والمختطفين الذين يتم التفاوض على إطلاق سراحهم. فقد أعلنت ميليشيات الحوثي عن إطلاق بعض المعتقلين على انهم أسرى حرب، فيما كشفت وثائق نشرتها الصحافة المحلية بأن معظم من أطلقوا كانوا معتقلين بقضايا جنائية، وبعضهم انتهت محكوميته، فيما عقدت صفقات مع البعض الأخر.
وأعتبر المحامي المجيدي تلك الأرقام أنها تحمل "مغالطات كبيرة"، موضحا: "إذ أن التقارير تتحدث عن إطلاق الحوثيين لـ 110 في اب، و 48 في عمران"، مضيفا: "ويبدو أن من هؤلاء متهمين بقضايا جنائية، كما أن الكثير منهم لم ترد أسمائهم في الكشوفات المقدمة من الحكومة والتي في معظمها تتحدث عن صحفيين وسياسيين وناشطين حقوقيين".
ونشر "يمن شباب نت" قبل أيام وثائق تؤكد إطلاق الحوثيين قرابة 72 سجينا من السجن المركزي بالعاصمة صنعاء، جميعهم متهمون بقضايا جنائية، توزعت بين: تنوعت بين الاتجار بالمخدرات والحرابة والقتل وسرقة المنازل وتفجير القنابل وأنابيب النفط والاختطاف، والإتجار بالمخدرات والحشيش وغيرها من القضايا الجنائية الخطيرة.
على أن إحاطة المبعوث الأممي، في هذا الجانب، رغم كل ما سبق، تضمنت الإشارة إلى نقاط إيجابية حساسة. حيث أكد "على مسؤولية الأطراف بالإفراج غير المشروط عن كافة الأطفال المعتقلين وكذلك الفئات المستضعفة ومن يعانون ظروفا خاصة كالجرحى والمرضى فضلاً عن الأشخاص الذين أشار إليهم قرار مجلس الأمن 2216 (2015)".
كما استدراك بالقول "لكن عمليات الافراج التي جرت تزامنت معها للأسف عمليات اعتقال مدنيين وصحافيين ونشطاء في المجتمع المدني. وهي أعمال تهدف إلى التخويف والترهيب مما يمثل خروقات واضحة لاتفاقيات حقوق الانسان التي أحث الأطراف على احترامها".