يعيش التحالف القائم بين جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، مرحلة تآكل من الداخل، ومع اتساع الهوة بين الطرفين جراء استفحال الخلافات، دخلت القيادات العليا، لقلب الأزمة، في محاولة لرأب الصدع، واحتواء انفجار الموقف عسكريًا.
ومع فشل كافة محاولات التهدئة بين الطرفين، واستمرار التصعيد الإعلامي، شهدت الأزمة، يوم 13 سبتمبر/أيلول الجاري، "تواصلًا مباشرًا"، هو الأول من نوعه، بين صالح رئيس الجناح الموالي لها من حزب المؤتمر الشعبي العام، والمقيم في صنعاء، وبين زعيم جماعة الحوثي، عبدالملك الحوثي المقيم في معقله بصعدة شمالي البلاد، والذي شارك في اللقاء على طريقة زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، وذلك عبر دائرة تلفزيونية مغلقة (فيديو كونفرانس).
وتحالف (الحوثي صالح) أُعلن رسميًا أواخر يوليو/تموز 2016، لكن المهرجانات التي نظمت في صنعاء 24 أغسطس/آب الماضي، بشكل منفرد من أجل استعراض قوتهم على الأرض، أزاحت الرماد عن جملة من الخلافات العميقة بين الطرفين المتهمين من الحكومة الشرعية والتحالف العربي، بقيادة السعودية، بالانقلاب على السلطة.
ففي التاريخ المذكور، احتفل حزب المؤتمر الشعبي، بالذكرى الـ35 لتأسيسه في ميدان السبعين، وفي المقابل حشد الحوثيون أنصارهم في 4 ساحات بمداخل العاصمة صنعاء تحت شعار "مواجهة التصعيد بالتصعيد".
وكانت كرة ثلج الخلافات تكبر يومًا بعد آخر، وبعد ظهور خجول لمخرجات مهرجان حزب المؤتمر، في ميدان السبعين بصنعاء، خلال احتفالية ذكرى تأسيسه، بدا أن الحوثيين يتجهون لالتهام حليفهم اللدود صالح.
وفي 9 سبتمبر الجاري، وفي إطار الأزمة، أصدر الحوثيون قرارات بتغيير رؤوساء مجلس القضاء الأعلى والهيئة العامة للتأمينات ووكلاء في وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، من الموالين لرئيس البلاد السابق.
ولم تنجح التفاهمات بين القيادات في إذابة الجليد بين الجانبين، حيث غاب صالح وقيادات حزبه عن مهرجان الحوثيين في الذكرى الثالثة لاجتياحهم صنعاء، الخميس الماضي، كما أعلن حزب المؤتمر، أمس السبت، عن "مقترحات عملية" لتصحيح الاختلالات في الشراكة مع الحوثيين، دون الكشف عن ماهيتها.
وسيكون الطرفان، أمام فرصة قد تكون الأخيرة لحل عاصفة الخلافات بعد تدخل هرم القيادتين، صالح والحوثي، لكن رغم المفاوضات التي قد تستغرق حتى أواخر الشهر الجاري، ستظل الأوضاع الأمنية متوترة، ففي حين ستجمع الغرف مفاوضيهم، ستكون أصابع الطرفين وأنصارهم على الزناد انتظارًا لما ستؤول إليها المباحثات الجديدة.
وستناقش محطة الحوار المقبلة، جوانب الخلافات والتي طرحها حزب صالح، وتستعرض "الأناضول" أبرزها في هذا الإطار.
قرارات انفرادية وعزل رجال صالح
أثارت الترتيبات التي قام بها حزب المؤتمر من أجل الاحتفال بذكرى تأسيسه الـ35، مخاوف الحوثيين بشكل غير مسبوق ما جعلهم يتجهون لعمل مهرجانات مضادة في مداخل العاصمة تحت شعار "التصعيد مقابل التصعيد"، اسفرت بعد يومين عن اشتباكات ومقتل (خالد الرضى) القيادي بحزب صالح و3 حوثيين.
ورغم الاتفاق على "نزع فتيل التوتر" بين قيادات الطرفين، إلا أن الخلافات استمرت بالتصاعد، بعد إطاحة الحوثيين بعشرات الضباط الموالين لصالح في وزارة الداخلية والهيئات التابعة لها، وتعيين قيادات عسكرية موالية للجماعة.
ويشارك حزب صالح بالمناصفة في تمثيل المجلس السياسي المشكل بينهم، لإدارة مناطق سيطرتهم في البلاد.
ويسيطر الحوثيون، وقوات صالح، على العاصمة اليمنية صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014، بما في ذلك المحاكم والمؤسسات القضائية والنيابة العامة وجميع المرافق الأمنية.
ورغم مشاركة الحزب في المجلس مناصفة، إلا أن رئيس المجلس القيادي الحوثي صالح الصماد، أعلن، في 9 سبتمبر الجاري، حزمة قرارات تعكس هيمنتهم على القرار في كل المؤسسات السيادية، حيث عيّن رؤوساء جدد لمجلس القضاء الأعلى وهيئة التأمينات ووكلاء لوزارة المالية.
رفضَ حزب صالح تلك القرارات واعتبرها "غير ملزمة"، وردت عليه الجماعة في بيان رسمي للمجلس السياسي التابع لها، أعلنت فيه مد يدها لمعالجة الاختلالات، لكنها أكدت في المقابل، أن تفعيل أجهزة الدولة واجب وطني، في إشارة إلى تمسكهم بالتغييرات.
ووفقًا لمراقبين، ستكون الأيام القادمة مصيرية لمعرفة ميزان القوى في صنعاء، وهل سينجح صالح في إجبار الحوثيين على التراجع عن قرارتهم وعدم اتخاذ أية قرارات منفردة بناء على شراكة تجمعهم، أم أنهم سيمضون فيها.
تنقلات القضاء وقانون الطوارئ
يعتقد مراقبون، أن تعيين الحوثيين لرئيس جديد لمجلس القضاء، هدفه التمهيد لفرض قانون الطوارئ وإصدار قرارات تقضي بمحاكمة صالح ورجاله، خصوصًا بعد تلميحات الجماعة إلى وجود خلايا في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن القومي (المخابرات الخارجية)، والأمن السياسي (المخابرات الداخلية)، ولابد من عزلهم حتى تستتب الأوضاع الأمنية.
واستقبل صالح قرار مجلس القضاء بشكل مختلف، حيث عقد يوم 11 سبتمبر، اجتماعًا استثنائيًا للجنة العامة لحزب المؤتمر، مع كافة ممثليه في رئاسة البرلمان والمجلس السياسي والحكومة الغير معترف بها دوليًا، واستمرت اللجنة في انعقاد دائم لمدة 3 أيام متتالية.
وبشكل رسمي، يرفض حزب صالح التغييرات في السلك القضائي في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، بحجة أنها ستشرعن لانفصال شمال البلد عن جنوبه، لكن مراقبون يرون أن صالح يعتبرها "تهديدًا حقيقيًا له وقد تسفر بفتح ملفات محاكمته أو فتح ملفات فساد ضده".
ودخلت الحكومة الشرعية على خط أزمة القضاء، وطالبت، يوم 13 سبتبمر، على لسان وزير العدل فيها جمال محمد عمر، جماعة الحوثي بوقف إجراء أي تعيينات أو تنقلات أو انتدابات قضائية أو إدارية حتى تضع الحرب أوزارها، وتجنيب القضاء الصراعات السياسية والعسكرية، كما هددت بوقف صرف مرتبات المحاكم والنيابات في حال تمت تلك التنقلات.
مرتبات الموظفين وتحصيل الموارد
من أبرز الملفات الساخنة بين جماعة الحوثي وحزب صالح، الإيرادات المالية لمؤسسات الدولة في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، والتي يرفضون توريدها إلى البنك المركزي الواقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية في عدن (جنوب)، وهو ما تسبب بأزمة اقتصادية وتوقف رواتب موظفي الدولة منذ 11 عامًا.
ويبسط الحوثيون سيطرتهم على غالبية المؤسسات الإيرادية وخصوصًا ميناء البحر الأحمر، فيما تعد وزارة الاتصالات، هي الجهة الإيرادية الأبرز التي يقودها وزير موال لحزب صالح.
وطالبت اللجنة العامة لحزب لمؤتمر، يوم 11 سبتبمر، بـ "توحيد آليات جباية وتحصيل الموارد وتوريدها إلى الخزينة العامة وفقًا للدستور وصرف رواتب موظفي الدولة"، مع اتهامات للحوثيين بـ"استغلال المواد لأغراض شخصية وعسكرية خاصة"، كما طالبت بـ"صرف رواتب موظفي الدولة".
ويطمح صالح إلى تبني مطالب ملايين اليمنيين بضرورة قيام الحوثيين بدفع رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لكن الحوثيين يرون بأن ذلك نوعًا من المزايدة.
ولا يبدو أن هذه النقطة ستجد حلولًا سريعة، خصوصًا بعد رفض ضمني لها من المجلس السياسي للحوثيين، والذي قال في بيان له يوم 12 سبتمبر، إن "المرحلة لا تحتمل المزايدة تحت عناوين مختلفة مثل المرتبات فذلك هو الانزلاق بعينه في مخطط العدو وأجندته".
حروب الماضي تطل برأسها مجددًا
وفرضت المصالح على الرئيس السابق، أن يتحالف مع جماعة الحوثي، لضرب الرئيس الشرعي للبلاد، عبدربه منصور هادي وحكومته بالإضافة إلى خصومه التقليديين من زعماء قبائل حاشد، والفريق الركن علي محسن الأحمر، نائب هادي، رغم أن الحروب هي من جمعت الطرفين لسنوات.
وتعتبر قبيلة حاشد من قبائل همدان، أكثر القبائل نفوذًا سياسيًا في الجمهورية اليمنية منذ سقوط الملكية عام 1962 وبعد الوحدة اليمنية، يتزعمها صادق الأحمر ابن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.
وخلال الأعوام 2004 ـ 2010، خاض صالح، 6 حروب مع جماعة الحوثي، التي كانت في معاقلها الرئيس بإحدى بلدات محافظة صعدة ، شمالي البلاد.
واندلعت شرارة المعارك بعد اتهام سلطات صالح، مؤسس جماعة الحوثي، حسين بدر الدين الحوثي، بتأسيس تنظيم مسلح، على غرار حزب الله اللبناني، وتبني خطابات معادية للدول الصديقة وعلى رأسها أمريكا.
وانتهت الجولة الأولى من الحروب بعد 4 أشهر من اندلاعها، وذلك عندما أعلنت حكومة صالح مقتل "حسين الحوثي"، في سبتمبر من العام 2004، ليتقلد شقيقه عبدالملك الحوثي زعامة الجماعة حتى اليوم.
أما الجولة الثانية من الحروب، فكانت من مارس/آذار إلى مايو/آيار 2005، والثالثة من نوفمبر/تشرين ثان 2005 إلى يناير/كانون ثان 2006، والرابعة من يناير إلى يونيو/حزيران 2007.
الجولة الخامسة امتدت من مارس إلى يونيو 2008، والسادسة من أغسطس 2009 إلى فبراير 2010.
ويخشى مراقبون، أن تستدعي حالات الثأر القديمة بين الحليفين، تجدد المعارك حال وصول كل النقاشات الحالية حول خلافاتهم العميقة إلى طريق مسدود، خصوصًا مع تزايد الاحتقانات وسط صنعاء.
ووفقًا لمصادر الأناضول، فما يزال التوتر الأمني هو سيد الموقف في صنعاء، مع استحداث الحوثيين عشرات حواجز التفتيش، فيما يدفع صالح بأنصاره إلى صنعاء استعدادًا لأي طارئ قادم.