أكمل مطار صنعاء الدولي عامه الأول دون استقبال أي رحلات تجارية لنقل الركاب، ومع دخول العام الثاني، وتزايد الدعوات الدولية إلى إعادة فتح المنفذ الجوي الرئيسي في اليمن، يلقي التحالف العربي بالكرة في ملعب منظمة الأمم المتحدة، بدعوتها إلى الإشراف على إدارة المطار والمساهمة في استئناف الرحلات مقابل رفع الحظر عنه.
ومنذ 21 سبتمبر/أيلول 2014، يسيطر مسلحو جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، المدعومين عسكريا من إيران، على صنعاء، قبل أن يجتاحوا محافظات أخرى.
واستغل الحوثيون الذكرى الأولى لفرض التحالف، بقيادة السعودية، حظرا على الرحلات بمطار صنعاء، لعقد مؤتمرات صحفية وتوجيه رسائل إلى الأمم المتحدة تطالب بإعادة الرحلات، معلنين عن أرقام تقول إن أكثر من 10 آلاف يمني ماتوا جراء حاجتهم للرعاية الطبية في الخارج، حيث لم يتمكنوا من السفر، وهو ما اعتمدت عليه منظمات دولية في بياناتها خلال اليومين الماضيين.
** قصة الحظر
مسألة حظر الرحلات في مطار صنعاء تعود إلى فشل مشاورات الكويت، العام الماضي؛ فبعد 3 أيام من رفعها، وعقب رفض الحوثيين توقيع اتفاق سلام، فرض التحالف العربي، يوم 9 أغسطس/أب 2016، حظرا جويا على المطار، قبل أن يستثني طائرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، التي ظلت تهبط بشكل دائم وتنقل مسؤولين أممين إلى صنعاء.
آنذاك، ظل وفد الحوثيين وحزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) التفاوضي، العائد من الكويت، عالقا في مسقط، عاصمة سلطنة عمان، قرابة شهرين، جراء الحظر على المطار، قبل أن تنقلهم طائرة عمانية خاصة، فيما تم نقل الرحلات التجارية التابعة للخطوط الجوية اليمنية (حكومية) إلى مطاري عدن (جنوب) وسيئون (شرق) الخاضعين للحكومة الشرعية.
وكان مبرر التحالف حينذاك أن المطار يقع في نطاق منطقة عسكرية، هي مديرية "نهم"، التي تدور فيها اشتباكات بين القوات الحكومية ومسلحي الحوثيين وصالح، على بعد قرابة 55 كيلومترا.
لكن استمرار وصول الطائرات الأممية بسلاسة إلى المطار، جعل التحالف يغير، في بيانه الأخير، يوم 8 أغسطس/ آب الجاري، أسباب الحظر إلى "عدم توفر عوامل حسن إدارة المطار، في ظل تحكم الحوثيين به، واستمرار عمليات التهريب"، مبديا "استعدادا لفتح حركة الملاحة أمام الطائرات التجارية، في حال أُسندت إدارة المطار إلى الأمم المتحدة".
** معاناة متصاعدة منذ عامين
عامة، يفرض التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، حظرا جويا على اليمن، منذ انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، في 26 مارس/آذار 2015، وفي العام الأول للحرب، كانت الطائرات الواصلة والقادمة من مطار صنعاء تخضع للتفتيش في مطار "بيشه" العسكري بالسعودية.
وبسبب ذلك الحظر الجزئي كانت القيادات الحوثية الرفيعة والموالية لصالح والوفود التفاوضية تسافر عبر طائرات عمانية فقط برحلات مباشرة من صنعاء إلى مسقط، خشية تعرضها للاعتقال في المطار السعودي، فيما استمر المواطنون بالسفر عبره ذهابا وإيابا باتجاه عدد من الدول العربية، رغم اعتبارها معاناة كبيرة.
وبعد حظر الرحلات التجارية بشكل كامل، كانت المعاناة تشمل غالبية اليمنيين في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ حيث يضطر الراغبون بالسفر إلى قطع مسافات تستغرق قرابة يوم كامل، للوصول إلى مطاري عدن وسيئون، آخر المنافذ الجوية المتبقية.
وقال اليمني عبد الباسط المقرمي، وهو طالب دراسات عليا في إحدى الدول العربية، إن "حظر الرحلات الجوية لم يعاقب سوى المواطنين، فيما استمرت قيادات الحوثي تتنقل إلى الخارج، سواء عبر طائرات عمانية أو أممية كما كان يتداول".
وأضاف المقرمي، في حديث للأناضول، أن "من يقطنون صنعاء يضطرون للسفر نهارا كاملا إلى مدينة عدن (العاصمة المؤقتة)، ثم المبيت هناك ليلة قبل السفر، وكذلك الحال في مطار سيئون (..) هذا الأمر من المستحيل أن يستحمله المرضى الراغبون بالسفر أو كبار السن".
ووفقا لمنظمات أممية إغاثية، فإن حوالي 7 آلاف يمني كانوا يخرجون من البلاد عبر مطار صنعاء سنويا للعلاج في الخارج قبل اندلاع الحرب، لكن الرقم ارتفاع إلى 20 ألف خلال العامين الماضيين من النزاع.
وقال بيان وقعت عليه 15 منظمة دولية، قبل يومين، إن "اليمنيين الذين ينتظرون علاجاً في الخارج من حالات حرجة يتعين عليهم الآن إيجاد مسارات بديلة لمغادرة البلاد، تشمل التحرك بسيارة لمدد بين عشر ساعات و20 ساعة إلى مطارات أخرى، عبر مناطق يحتدم فيها القتال".
الحكومة الشرعية، على لسان وزير خارجيتها، عبد الملك المخلافي، أبدت شعورها بتلك المعاناة، حيث أعلن المخلافي، عقب صدور بيان التحالف، أن المواطن اليمني "واحد بالنسبة للحكومة ومعاناته واحدة"، مشددا على أنه "يجب إنهاء تلك المعاناة في كل المحافظات بإنهاء الانقلاب (الحوثي) والحرب".
المخلافي ذكر، في بيان على صفحته بموقع "تويتر"، ليل الخميس الماضي، أن مشكلة مطار صنعاء تتمثل بإدارته من قبل "مليشيا"، في إشارة إلى الحوثيين، مضيفا أن سيفتح في حال خرجوا من المطار، وتم تسليم إدارته إلى الأمم المتحدة.
** خطوة جادة أم مماطلة
لم يصدر أي تعليق رسمي من الأمم المتحدة حول الدعوة الصادرة من التحالف العربي، وإمكانية إدارة مطار صنعاء لاستئناف الرحلات التجارية، لكن مراقبين يرون أن ذلك مجرد إلقاء للكرة في ملعب المنظمة الدولية، ومماطلة في تلبية المناشدات.
واعتبرت رضية المتوكل، رئيسة منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان (أهلية)، في تصريحات للأناضول، أن ما ذكره التحالف العربي مجرد "تبرير وشرط لا يفيد سوى المماطلة".
المتوكل، التي تحدثت في مجلس الأمن الدولي، في يونيو/حزيران الماضي، حول معاناة المدنيين جراء حظر الرحلات، أضافت أن "الحديث عن تهريب أسلحة أمر مضحك؛ فكل الطائرات تمر عبر مطار بيشه (السعودي)، كما أن الزج بالأمم المتحدة وسط كل مشكلة إنسانية ملحة أصبح وسيلة مملة وفيها استخفاف بمعاناة الناس".
وأضافت أن "طلب فتح مطار صنعاء هو مطالب الناس العاديين الذي يدعي التحالف عبر هذا التصريح أنه أغلقه في وجههم من أجلهم".
** سيناريو ميناء الحديدة يتكرر
خلال الأسابيع الماضية كان ميناء الحديدة (غرب) يتصدر واجهة تعقيدات الأزمة اليمنية، وبسببه رفض الحوثيون وحزب صالح التقدم أي خطوة إلى الأمام ما لم يتم رفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي.
ومن أجل عدم القيام بعملية عسكرية لاستعادة الميناء، كونه يستقبل غالبية واردات اليمن والمساعدات الإنسانية، اشترط التحالف أن توكل إدارته إلى الأمم المتحدة، وهو ما رفضه الحوثيون.
ويرى مراقبون أن فتح موضوع مطار صنعاء قد ينقل الحديث حول ميناء الحديدة وخارطة المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى مستوى آخر من الجدل.
وحسب الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، فقد "جاءت دعوة التحالف كخطوة للتخلص من الحرج، عقب النداءات الإنسانية من المنظمات والمبعوث الأممي وسفير بريطانيا"، متوقعا أن "ترفض الأمم المتحدة دعوة التحالف، كما حدث في موضوع إدارة ميناء الحديدة".
الزرقة مضى قائلا للأناضول إن "فتح موضوع مطار صنعاء قد يعني تأجيل الحديث عن تسليم ميناء الحديدة ونقل مستوى الجدل والنقاش إلى مستوى آخر، وهو استمرار للدوران في حلقة مفرغة سيكون عنوانها المقبل: أيهما يسبق الآخر مطار صنعاء أم ميناء الحديدة".
واعتبر أنه "في المجمل كل هذا الجدل ما زال على هامش الأزمة الحقيقية، وتأجيلا للاستحقاقات الكبيرة".
وتسببت الحرب في تدهور الأوضاع الإنسانية باليمن، حتى بات أكثر من 20 مليون يمني (من أصل حوالي 27.4 مليون نسمة) بحاجة إلى مساعدات إنسانية؛ فضلا عن نزوح قرابة ثلاثة ملايين شخص، ومقتل وإصابة عشرات الآلاف، وفق الأمم المتحدة.