كل مساء في رمضان، يتجمع اليمنيون أمام شاشات التلفاز للهروب من جحيم الحرب، التي تعصف بالبلاد لأكثر من عامين، باحثين عن ضحكة يسترقونها من بين أصوات المدافع وأزيز الرصاص.
ودأبت القنوات اليمنية، قبل الحرب، على إنتاج برامج ومسلسلات اجتماعية في معظمها، تناقش قضايا قريبة للمجتمع، مثل الثأر، الزواج، غلاء المهور، وارتفاع الأسعار وغيرها.
لكن القنوات اليمنية، وأغلبها غير حكومي، هذا العام لم تذهب بعيداً عن الحرب وعن الواقع اليومي، فالحرب والسياسة فرضت نفسها على صناع البرامج والمسلسلات في "رمضان"، واستطاعتا أن تهيمنا على المحتوى في الأعمال التليفزيونية، سواء منها الدرامي، أو ما يتخذ أشكالاً أخرى كالبرامج السياسية الساخرة.
ولعل أبرز ما ظهر على الشاشات اليمنية برنامج "عاكس خط" في موسمه الجديد، الذي يقدمه الفنان الساخر "محمد الربع"، على طريقة "ستاند أب كوميدي"، ويبث على قناة "يمن شباب"، وكذا مسلسل "غاغة" في موسمه الثاني، بطولة الفنان الكوميدي "محمد الأضرعي"، وآخرون، وتبثه قناة "سهيل".
كما دخلت المنافسة هذا العام قناة "حضرموت"، التي لاتزال في بداية انطلاقتها، حيث قدمت مسلسلاً ضخم الإنتاج بعنوان "الجمرة"، بطولة الفنان "فهد القرني"، ويحكي قصة قبيلة يمنية وصراع الخير والشر، لكنه يحمل إسقاطات سياسية واضحة.
وعلى الرغم من تنوع الشاشات، التي تعرض تلك البرامج والمسلسلات، إلا أن "السياسة" و"الحرب" سيطرتا على أجندتها، وحملت إسقاطات كبيرة على الواقع المعاش.
ويقول المخرج التلفزيوني "خليل العامري"، إن الواقع اليومي "انعكس على كل ما هو مرئي ومسموع ومقروء".
ويضيف أن "تلونات السياسة والحرب والأزمة والواقع المرير الذي نعيشه يوميا كاتجاه إجباري لا مفر منه، كلها برزت بشكل ملفت من خلال الأعمال التلفزيونية".
ويضيف "العامري"، في حديث للأناضول، أن هذا "ما نلحظه عبر العديد من البرامج والمسلسلات على الشاشات المحلية، مثل البرنامج الساخر (عاكس خط)، الذي ناقش في أولى حلقاته قضية الرواتب المنقطعة منذ نحو 9 أشهر"، وناقش في حلقته الثانية الأسلحة التي يملكها مسلحو جماعة "أنصار الله" (الحوثيون).
وحول مسلسل "الجمرة"، الذي يخرجه العراقي "فلاح الجبوري" وتبثه قناة "حضرموت"، قال العامري، إن العمل، وإن كان في الظاهر يحمل قصة نمطية حول الصراع ما بين الخير والشر (الصراع على السلطة)، إلا أن هناك إسقاطات وملامح بدأت تعلن عن نفسها خلال الحلقات الماضية تكشف عن أن الحبكة الدرامية لا تبتعد كثيرا عما يحدث في الساحة السياسية للبلاد.
ويضيف "وهذا يؤكد على حضور السياسة والحرب في الكثير من الأعمال الدرامية هذا العام".
أما الفنان عبدالمحسن المراني، فيرى أن "الأحداث التي تدور في البلاد هي التي ترسم للبرامج الساخرة ومسلسلات الدراما مسارها الخاص".
ويضيف المراني، للأناضول، وهو مشارك في مسلسل "الجمرة" وبرنامج "عاكس خط"، إن "القضايا والمواضيع، التي يختارها القائمون على الأعمال التلفزيونية، لابد أن تكون ملامسة لقضايا وواقع المجتمع".
ويشير إلى أن "المجتمع اليمني يعاني من انتهاكات وجرائم الانقلابيين".
ويلفت "المراني" إلى أن "السياسة في المسلسلات ربما تكون بعض الأحيان لها إيجابياتها ولها سلبياتها أيضاً، لكن في الوضع الحالي لها إيجابية ولها دور في توعية المواطن اليمني".
وتحظى المسلسلات والبرامج اليمنية بمشاهدات كبيرة على الرغم من انقطاع التيار الكهربائي في عدد كبير من المحافظات، لكن معظم المتابعين من فئة الشباب يلجؤون للمشاهدة على "يوتيوب" بعد أن تقوم القنوات بعرض الحلقات والبرامج اليومية.
كما تحظى تلك الأعمال بنقاش حاد على شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً الحلقات التي تحمل إسقاطات سياسية وتعالج قضايا يومية.
ويشن تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية، منذ 26 مارس/آذار 2005، عمليات عسكرية في اليمن، لدعم القوات الحكومية والمقاومة الشعبية في مواجهة "الحوثيين" والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، المتهمين بتلقي دعم عسكري من إيران، والذين يسيطرون على محافظات يمنية، بينها العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وأودت هذه الحرب حتى الآن بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، أغلبهم مدنيين، وجرحت عشرات الآلاف، وشردت قرابة 3 ملايين من أصل 27.4 مليون نسمة، وفق الأمم المتحدة، التي حذرت من أن ثلث محافظات اليمن الـ22 بات على شفا المجاعة.