لا تزال المعاصر التقليدية لزيت السمسم في اليمن صامدة تخدم المواطنين بالطريقة القديمة المتوارثة منذ زمن طويل، رغم ظروف الحرب، والتطور التكنولوجي الذي رافق العديد من المهن الحرفية في البلاد.
وتُشكل معاصر الزيوت الطبيعية في اليمن جزءاً مهماً من الموروث الشعبي المتداول منذ مئات السنين، وتعتبر مصدر عيش للعديد من الأسر في محافظات البلاد، كما أنها تُعد بمثابة موروث ثقافي واجتماعي مهم، لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت الظروف، وعلى الرغم من الأزمة الكبيرة التي تعصف باليمن منذ أكثر من عامين جراء الحرب العنيفة، إلا أن معاصر السمسم لم تتضرر بشكل كبير، كما تضررت العديد من المنشآت التجارية والاقتصادية الأخرى في البلد الفقير.
ويتم جلب حبوب السمسم من عدة مناطق زراعية في اليمن عن طريق مزارعين يتم التعاقد معهم على شراء كميات محددة في عدة محافظات كالحديدة وذمار وصنعاء، وتتفاوت أسعارها باختلاف تكاليف المشتقات النفطية التي تؤثر إيجاباً وسلباً على محاصيل المزارعين في البلاد، وتصنع معصرة السمسم التقليدية من جذوع الأشجار الكبيرة على شكل دائري مجوف من الداخل، مع ارتباطها بحجرة كبيرة ذات لون أسود، ويتم وضع بذور السمسم في المعصرة قبل أن تتم إضافة كميات مناسبة من المياه إليها، وتُحرك داخل المعصرة بواسطة القطب بحركة دائرية عن طريق جمل يقود المعصرة لعدة ساعات وهو مغمض العينين حتى لا يُصاب بالدوار، ليتم الحصول بعدها على زيت السمسم ذي اللون البني والرائحة الزكية والنفاذة.
معاصر متوارثة
تتواجد معاصر الزيوت الطبيعية في اليمن بعدة محافظات وتستخدم هذه المعاصر أيضاً لإنتاج زيوت أخرى مثل الخردل، في حي باب اليمن أشهر الأحياء الشعبية في العاصمة اليمنية صنعاء تستخدم الجمال، بعد تغطية أعينها، في عملية العصر في المعاصر التقليدية التي عادة ما يتم تشغيلها عبر دوران الجمل طيلة وقت العصر الذي قد يتجاوز الثماني ساعات، وينتج خلال تلك العملية ما يقارب 5 لترات من الزيت الجاهز للاستخدام، بالإضافة إلى بعض المكونات الأخرى التي تستخدم كغذاء للماشية واحتياجات أخرى. وحول كيفية استخلاص زيت السمسم يشير الحرازي إلى أنه يتم وضع الحبوب التي يتم جلبها من المزارعين داخل الحجرة الداخلية للمعصرة المرتبطة بخشبة، ومن ثم يقوم الجمل بعصرها لساعات، وبعدها يتم غرف الزيت، والفرق بين زيوت المعصرة التقليدية والزيوت التي تتم صناعتها بآلات حديثة، أو التي يتم جلبها من الخارج أن الزيت الذي يتم إنتاجه في المعصرة، منذ زمن طويل يُعتبر من أفضل أنواع الزيوت جودة وطعماً وفائدة، حيث إن الآلات الجديدة تقوم بحرق الزيت، أما الإنتاج عن طريق المعصرة فيتم بطريقة طبيعية.
فوائد صحية
ويُعتبر زيت السمسم على علاقة كبيرة بحياة العديد من الأسر، التي تضيفه إلى عدة طبخات ووجبات يومية، فضلاً عن استخدامه كأدوية صحية، ويقول الأطباء «يعد زيت السمسم منشطاً عاماً لاحتوائه على فيتامين (أ) والدهون الحمضية التي تنشط الدورة الدموية في الجسم، وإذا اشتمل الغذاء اليومي على فيتامين (أ) فإنه يقلل من ظهور الشيب في الشعر، ويعطي الجلد نعومة ونضارة، ويجعل الخلايا تعمل بحيوية».
ويحرص اليمنيون على شراء زيت السمسم، واستخدامه في الطعام بديلاً للسمن البلدي الذي يتم إنتاجه من حليب الأبقار، وهناك من النساء من يستخدمن زيت السمسم في دهن الشعر، ومنهن من يعتقدن بأن هذا الزيت الطبيعي فعّال ومؤثر بشكل إيجابي على جمال الشعر بدلاً من الزيوت والدهانات الصناعية كذلك هناك من ربات البيوت من يستخدمن هذا الزيت لدهن أولادهن الرضع، «كون ذلك يساعد على نمو جسد الطفل، ويؤثر بشكل إيجابي على عظامه وأعصابه»، حسبما هو سائد شعبياً.
نافع للمسنين
زيت السمسم الذي أصبح جزءاً مهماً من حياة العديد من الأسر اليمنية، يفضل المسنون أيضاً استخدامه بشكل مستمر لاعتقادهم بأن له فوائد صحية كبيرة، فهناك العديد من الأدوية الشعبية في الصيدليات اليمنية تعتمد على زيت السمسم كمادة أساسية في صنع أدوية التدليك لمعالجة آلام الظهر والبواسير والالتهابات، ويستخدم اليمنيون زيت السمسم في تدليك الجسم بعد أن يتم تسخينه على حرارة منخفضة «يجب أن يكون تسخين الزيت تدريجياً» ثم يترك الزيت ليفتر ويصير جاهزاً للتدليك، ويعتبر زيت السمسم من أفضل الزيوت المستخدمة في تدليك الجسم بشكل عام، وقد استخدمه القدماء لهذه الغاية كثيراً، ولا يزال يستخدم في وقتنا الحاضر في اليمن ودول شرق آسيا، خاصة في تدليك بعض النقاط الحساسة في الجسم التي تؤدي إلى الاسترخاء وهدوء الأعصاب حيث يكتسب الجسم بعدها نشاطاً وحيوية.