لم توقف الحرب الداخلية في اليمن تدفق اللاجئين إليها من دول القرن الأفريقي المجاورة، لكنها فوق ذلك أضافت إليهم أعدادا كبيرة من اليمنيين النازحين داخليا جراء المعارك المسلحة المتواصلة في عدة محافظات، في وقت كشفت فيه مصادر دبلوماسية خاصة وجود عصابات تستغل حاجة اللاجئين للدخول إلى السعودية عبر اليمن، فتقوم بمنحهم إقامات على أنهم يمنيين، مستغلة التسهيلات الأخيرة من المملكة لليمنيين في هذا الجانب.
وأرتفع عدد اللاجئين وطالبي اللجوء، من دول القرن الأفريقي، مضافا إليهم أعداد النازحين داخليا في اليمن، إلى أكثر من ثلاثة مليون شخص، وهو العدد الذي تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في اليمن، أنهم يشكلون حاليا موضع اهتمامها. طبقا لتقريرها الصادر حديثا، وحصل موقع "يمن شباب نت" على نسخة منه بشكل خاص.
وشكلت اليمن منذ مطلع التسعينات تقريبا ملاذا آمنا للاجئين من دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. وفي حين اعتبرت اليمن عند الكثير منهم "بلاد الأحلام"، إما للعمل بحرية أو للحصول على اللجوء والدعم والمعونات الدولية، فقد شكلت أيضا ممرا آمنا للمحظوظين منهم، للتوجه نحو السعودية بشكل خاص، ودول خليجية أخرى، وربما من هناك نحو أوروبا وأمريكا.
وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة فقط، وصل عدد اللاجئين إلى اليمن من دول القرن الأفريقي، إلى قرابة ربع مليون شخص، بواقع (65,000) لاجئ عام 2013، و (91,500) لاجئ عام 2014، و (92,446) لاجئ العام الماضي 2015. كان معظمهم من دولة أثيوبيا، التي تمر بظروف اقتصادية ومعيشية صعبة.
،،
دبلوماسي يمني: هناك عصابات استفادت من قرار السعودية الأخير بتسوية اوضاع اليمنيين، وبدأت بمنح إفادات لأثيوبيين على انهم يمنيين لقاء مبالغ مالية
،،
تدفق مستمر برغم الحرب في اليمن
وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن تحجم الحرب الداخلية اليمنية، التي اندلعت منتصف شهر مارس 2015، من تدفق الأفارقة إليها، إلا أن الأرقام تشير إلى العكس من ذلك تماما. فكما لاحظنا من الأرقام السابقة، فقد أرتفع العدد أكثر خلال العام الماضي (2015)، الذي شهدت البلاد خلاله انطلاق شرارة الحرب الداخلية بين القوات الحكومية اليمنية الشرعية بمساندة المقاومة الشعبية، ضد الميليشيات التابعة للمتمرد الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح، على إثر الانقلاب الذي نفذته الميليشيات على السلطة الشرعية مع مطلع العام الماضي.
وبدراسة متأنية للأرقام الواردة في التقرير، نجد أن 50% تقريبا من إجمالي عدد اللاجئين الأفارقة، وصلوا اليمن خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2015، أي في ذروة الحرب الداخلية. بل، ويزيد من تعزيز هذه الحقيقة، الأرقام الحديثة التي سجلتها المفوضية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري. حيث وصل إلى اليمن قرابة 40 ألف لاجئ أفريقي، منذ مطلع كانون الثاني/يناير، وحتى نهاية نيسان/إبريل الماضي، فقط.
وأشار تقرير المفوضية إلى هذه المشكلة المتفاقمة، منوها إلى أن "اللاجئون وطالبوا اللجوء والمهاجرون من شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي يواصلون الوفود إلى اليمن على الرغم من استمرار الصراع". الأمر الذي يثير تساؤلات عن الأسباب التي تدعو مثل هؤلاء لأن يفروا إلى بلد بات يمر اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأسوأ ظروفه الداخلية جراء الحرب وتدهور للمنظومة الأمنية والاقتصادية والصحية، بل وانهيار شبه كامل للدولة.
كشف الأسباب
ومن الإحصائيات الأخيرة للمفوضية نجد أن معظم الذين قدموا إلى اليمن، مؤخرا، من القرن الأفريقي يحملون الجنسية الأثيوبية. فمن إجمالي الـ(92,446) لاجئا، وصولوا اليمن خلال العام الماضي (2015)، سجلت المفوضية (82,268) لاجئا من الجنسية الأثيوبية فقط.
ووفقا لدبلوماسي يمني، له علاقة بدول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، فإن السبب الرئيسي في ذلك يعود لكون أثيوبيا "من المعروف أنها تواجه ظروفا اقتصادية صعبة، مع كثافة في عدد السكان تقارب الـ90 مليون نسمة بحسب إحصائيات معلنة".
وأردف في تصريحات خاصة لـ"يمن شباب نت" بالقول: "وبالتالي، من الطبيعي أن يحاول بعض الأثيوبيين الفرار بحثا عن موطئ قدم لهم، ولا يجدون إلا اليمن التي يتعامل معها الكثير منهم على أنها جسر عبور إلى السعودية".
وشكلت مجموعة أسباب ارتفاع نسبة اللاجئين الأثيوبيين إلى اليمن، بينها أن الحكومة الأثيوبية شددت خلال العامين الأخيرين على سفر العمالة للخارج بالطرق الرسمية، وذلك بهدف تنظيم هذا التدفق وسن تشريعات جديدة تضبط سوق العمالة المسافرة للخارج عموما، خاصة بعد نشوب الكثير من الاحداث والإشكاليات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية والعمالة المتجهة للخليج بشكل خاص، حيث تكررت المشكلات المتعلقة بظروف الاستقدام وانعدام التأهيل والتدريب وتزايد الشكاوى المرتبطة بحقوق العمالة وظروف العمل ومستوى الضمانات الممنوحة لهم.
،، مفوضية شئون اللاجئين: أدت الحرب الجارية إلى تدهور اجتماعي واقتصادي وإنساني بشكل كبير بالنسبة لجميع اليمنيين ،، ،،
|
وفي هذا السياق، أكد الدبلوماسي اليمني، الذي فضل عدم كشف هويته، أن تلك الإشكاليات "جعلت الحكومة الأثيوبية تتخذ قبل عامين قرارا بمنع سفر مواطنيها للعمل في الخارج الا بشروط عديدة، كما أوقفت منح التأشيرات الا بتوافر اقامات مسبقة للعاملين في الدول المستقدمة، وغيرها من الشروط".
وعليه، ومع الاختناق الذي خلفته تلك الإجراءات، يضيف: "نشطت الهجرات غير الشرعية بالطبع، وكانت اليمن من الوجهات الأولية وذلك في طريق الباحثين عن منافذ للسعودية بشكل خاص".
وكشف الدبلوماسي اليمني لـ"يمن شباب نت"، أن "هناك عصابات استفادت من قرار السعودية الأخير بتسوية اوضاع اليمنيين، وبدأت بمنح إفادات لأثيوبيين بانهم يمنيين، لقاء مبالغ مالية كبيرة"، مؤكدا أن "هناك موظفين يمنيين في جدة والرياض تواطئوا مع هذه العصابات، بل عملوا معها وفي إطارها"
ولفت إلى أن الهدف المعتاد هو "دخول اليمن، ثم السعودية لجمع مبالغ معينة ثم الهجرة الى أوروبا وأمريكا وهذا عمل تنظيمات وعصابات دولية".
الحرب تضيف أعباء اضافية على اليمنيين
لم توقف الحرب تدفق اللاجئين الأفارقة، فحسب، بل أكثر من ذلك أنها أضافت أعباء داخلية إضافية على اليمن، التي توصف بأنها الدولة الأشد فقرا في الوطن العربي. فمن إجمالي الثلاثة مليون الذين ذكر آخر تقرير لمفوضية اللاجئين أنهم يشكلون حاليا موضع اهتمامها، بلغ عدد اليمنيين النازحين داخليا بسبب هذه الحرب: 2 مليون و 755 ألف و 916 نازح داخلي.وفي هذا السياق، لفت تقرير المفوضية إلى أنه "ومنذ أواخر مارس 2015 ونتيجة للتدمير الذي تعرضت له البنية التحتية المدنية، وانقطاع في توافر الخدمات الأساسية، أدى ذلك إلى تدهور في الوضع الاجتماعي، والاقتصادي والإنساني في اليمن بشكل كبير بالنسبة لجميع اليمنيين". وأضاف: "وفضلا عما تقدم، فإن انعدام الأمن، والقيود المستمرة، قد أثرت سلبا على إمكانية الوصول إلى قطاعات كبيرة من السكان المتضررين وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم".
وتجاوزت تأثيرات الحرب أضفاء أعباء جديدة على اليمنيين، لتشكل تحديات إضافية للمفوضية السامية ذاتها، التي قالت إنه "وبالنظر إلى الظروف الأمنية المُضطربة، والعقبات الإدارية، فقد واجهت المفوضية صعوبات عدة في الإبقاء والاحتفاظ بالموظفين على المدى الطويل من أجل ضمان بقاء القيادة إدارية والخبرة تقنية وضمان العمل بكفاءة".