قال خبيران يمنيان إن حديث زعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عن "تعاطف" إيران مع الجماعة، لا يعكس حقيقة "التحالف العسكري والسياسي" بين الطرفين، ويستهدف "التهكم من الخصوم"، وفي الوقت نفسه طلب المزيد من الدعم العسكري من الحليف الإيراني، خاصة في المعركة المقبلة، التي يعد لها التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، في محاولة لاستعادة محافظة الحديدة (غرب) ومينائها الاستراتتيجي.
وفي خطاب له، يوم الجمعة الماضي، قال الحوثي إن إيران متعاطفه مع جماعته، وأعرب عن أمله أن يكون لإيران دور أفضل مستقبلا في اليمن، مشددا على أن جماعته ليست معنية بمعاداة إيران لمجرد أن دول الخليج تعاديها، ومعتبرا أن الوجود الإيراني في الجارتين سوريا والعراق فاعل ومؤثر.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن قبل أكثر عامين، تتهم الحكومة اليمنية والتحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، إيران بدعم الحوثيين وتزويدهم بأسلحة متطورة وصواريخ باليستية وحرارية لولاها ما صمودا في المعارك أمام الجيش اليمني والمقاومة الشعبية وطيران التحالف.
ورغم نفي طهران والحوثيين مرارا لتلك الاتهامات، إلا أن التحالف والولايات المتحدة الأمريكية أفادا بأن إيران أرسلت شحنات أسلحة إلى الحوثيين عبر البحر، رغم القيود التي يفرضها التحالف على المياة الإقليمية اليمنية.
ومقابل تكتمها على الدعم العسكري، فإن دعم إيران السياسي للحوثيين معلن، حيث سارعت إلى الاعتراف بما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، المشكل مناصفة بين الحوثيين والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم، كبديل لسلطة الرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي، فضلا عن الهجوم الإيراني المستمر على السعودية، لتزعمها التحالف العربي العسكري ضد قوات الحوثيين وصالح.
كذلك عالجت إيران المئات من جرحى الحرب الموالين للحوثيين، الذين تم نقلهم من مطار صنعاء، قبل إغلاقه في أغسطس/ آب الماضي، إلى مسقط، عاصمة سلطنة عمان، ومن ثم إلى طهران، كما أن "دورها من خلال تدريب قيادات عسكرية حوثية كان حاضرا بقوة"، وفق مصادر مقربة من الجماعة.
فتور منذ أشهر
لكن، ومنذ ستة أشهر، شهدت علاقة الحوثيين بطهران فتورا، إثر الأزمة الاقتصادية التي يعانونها؛ جراء نقل الرئيس هادي لمقر البنك المركزي من تحت سيطرتهم في صنعاء إلى مدينة عدن (جنوب)، العاصمة المؤقتة.
وكانت الجماعة تأمل أن تدعم إيران البنك، الخاضع لسيطرتهم بوديعة مالية، أسوة بالدعم الذي تقدمه السعودية لحليفها هادي، أو أن تُقدم طهران على تدخل عسكري لصالح قوات الحوثيين وصالح، كما فعلت مع حليفها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لكن ذلك لم يحدث.
ووفق مراقبين، فإن اختزال زعيم الحوثيين الدور الإيراني بـ"التعاطف" فقط، والمطالبة بـ"دور أفضل في المستقبل"، هدفه هو استفزاز طهران للعب دور عسكري واضح، خاصة في المعركة القادمة التي يعد لها التحالف العربي، وتهدف إلى استعادة محافظة الحديدة (غرب) على البحر الأحمر، وميناءها الاستراتيجي لقربه من مضيق باب المندب الحيوي لحركة التجارة العالمية.
علاقة سرية
وقال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الناصر المودع، للأناضول، إن "ما قاله الحوثي لا يمثل الحقيقة، فالعلاقة بين الحوثيين وإيران أكبر بكثير مما تبدو عليه، وتتم بشكل سري، ولا يعرف طبيعتها وآلية عملها إلا القلة".
المودع مضى قائلا: "حتى داخل جماعة الحوثيين نفسها، لا يعرف بهذه العلاقة إلا عدد محدود، وهم المعنيون بالتواصل مع إيران و(حليفتها جماعة) حزب الله (اللبنانية)، التي تعد بمثابة الوكيل الإيراني المسئول عن الحوثيين".
واعتبر أن "إيران، وحتى الآن، لم تخسر (تنفق) على الحوثيين ما يتناسب وما قدموه إليها من مكاسب، فسوء إدارة خصوم الحوثيين وفر على إيران تقديم الكثير من الجهود والأموال" .
ورجح أن "يزداد الدعم الإيراني مع كل نكسة أو هزيمة حقيقة يتعرض إليها الحوثيون، فالدعم الإيراني الكبير لم يبدأ بعد، فإيران لن تتخلى عن الحوثيين طالما استراتيجيتها في المنطقة على حالها".
محاولة للتهكم
فيما اعتبر الكاتب والصحفي اليمني المتهم بالشؤون الإيرانية، عبد العزيز المجيدي، أن زعيم الحوثيين "حاول في خطابه ذي الصبغة الطائفية أن يتهكم من الاتهامات لجماعته بالارتباط بإيران، لكنه أكد بقصد أو بدون قصد أن الارتباط عضوي، سواء على مستوى الخطاب أو السلوك"، من خلال دعوته طهران إلى الانخراط في الشأن اليمني بصورة أكبر.
وأضاف المجيدي، في حديث مع الأناضول، أن "الحوثي كان يريد أن يقول إن إيران لم تفعل أكثر من التعاطف مع جماعته، خلال السنوات الماضية.. والواقع أن الإيرانيين أنفسهم يسخرون من مزاعم حليفهم في (محافظة) صعدة (شمال)".
وزاد بأن "إيران كانت حاضرة حتى في تدريب عبد الملك الحوثي على إلقاء الخطابات والتعبير بلغة الجسد، فما بلك بمختلف أنواع الأسلحة وكل خبرات الحرس الثوري الإيراني".
وأردف قائلا إن "الآلاف من القيادات الميدانية العسكرية والأمنية والدينية الحوثية تلقت تدريبها الأساسي في ايران وفقا لتصريحات شخصيات إيرانية خلال عامي 2014 و2015".
وأضاف أنه "غير السلاح الإيراني وعناصر الحرس الثوري وحزب الله المشرفة على المعارك، هناك قوة عسكرية وأمنية إيرانية على الأرض نفذت عملية تحرير دبلوماسي إيراني كان مختطفا في اليمن، وأعلنت وكالة فارس (الإيرانية للأنباء) عن ذلك مطلع مارس (آذار) 2015".
وتابع بقوله: "بحسب قيادات في الجيش (اليمني) الوطني تجري حاليا عملية تلغيم واسعة في المياه الإقليمية اليمنية المشاطئة لمحافظة الحديدة من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني؛ لذا ستفعل إيران، كدولة تفضل خوض حروبها من الخلف بواسطة الميليشيات الطائفية، كل ما في وسعها لتزويد أتباعها بمختلف الأسلحة عبر التهريب، ومنع استعادة الجيش الوطني للحديدة، فهي الرئة الأخيرة التي تسمح للميليشيات بالحصول على السلاح على طول الشريط الساحلي الغربي".
وختم المجيدي بالإعراب عن اعتقاده بأن "طهران ستحاول، في أكثر الصور فجاجة إن حدث، استعراض قوتها من خلال إرسال قطع حربية؛ بدعوى حماية حركة التجارة، لكنها لن تجروء على فعل شيئ يجعلها طرفا مباشرا وصريحا في الحرب".
ورفضا لسياسات الحكومة اليمنية، اجتاح مسلحو الحوثي وصالح صنعاء، في 14 سبتمبر/ أيلول 2014، قبل أن يسيطروا على محافظات أخرى، وبطلب من الرئيس هادي، بدأ التحالف العربي عمليات عسكرية مناهضة لتحالف الحوثي وصالح، في 26 مارس/ آذار من العام التالي.
وأودت هذه الحرب حتى الآن بحياة قرابة سبعة آلاف شخص، وأصابت أكثر من 35 ألف بجراح، وتسببت في نزوح ما يزد عن ثلاثة ملايين يمني، من أصل حوالي 27.4 مليون سمة، فضلا عن دمار مادي هائل، بحسب إحصاءات لمنظمة الأمم المتحدة.