على مدى الأسابيع القليلة الماضية، تحدّى موظفو التطعيم ضد شلل الأطفال في اليمن المناطق الوعرة، وعبرُوا خطوط القتال الأمامية المعادية، واجتازوا الوديان والجبال جيئة وذهاباً للوصول إلى الأطفال الذين نزح البعض منهم بسبب الصراع، وواجهوا في عملهم تحدياتٍ مثل انعدام الأمن، وحواجز الطرق، ونقص الوقود، وانقطاع الكهرباء، وغير ذلك من العوائق.
وتقول منظمة اليونيسف إن الآلاف من موظفي التطعيم في مختلف أنحاء اليمن تولوا مهمة تطعيم خمسة ملايين طفل دون الخامسة من العمر ضمن حملة من الباب إلى الباب ضد شلل الأطفال، ووصفتها بالحملة الأولى من نوعها.
قصة كفاح
أحمد عبد الله هو أحد موظفي التطعيم هؤلاء ينطلق برفقة ثلاثة آخرين من زملائه، لتطعيم الأطفال في قرية الأنَف التي تقع على بعد 70 كيلومتر تقريباً شمال العاصمة صنعاء. غير أن الوصول إلى القرية النائية ليس بالمهمّة السهلة.
تقع قرية الأنَف خلف جبل وعرٍ، ولا يوجد طريق أو درب يؤدي إليها. كان على أحمد وزملائه تسلّق الجبل ومن ثم الهبوط عليه من الجانب الآخر حيث يقيم الأطفال مع أسرهم، بحسب تقرير نشرته اليونيسف.
يمثّل الحمار عضواً قيّماً في فريق أحمد للتطعيم، حيث يُسهم ذلك الحيوان القوي والمرِن بشكل كبير في إنقاذ حياة الأطفال في اليمن. إنه يحمل اسطوانة الغاز البالغة الأهمية التي تُستخدم لتشغيل المولد الذي يحافظ على حاوية اللقاح باردة.
يضمن ذلك الحفاظ على جودة اللقاحات ويحول دون تدهورها. منذ تصاعد النزاع في اليمن في مارس 2015، يُعاني ذلك البلد من شحٍّ في إمدادات الكهرباء واضطرابٍ في إمدادات الوقود.
بعد تحميل كافة المستلزمات الضرورية على ظهر الحمار، ينطلق فريق أحمد إلى قمة الجبل في عِزّ الحرّ. في منتصف الطريق، تتسارع دقات قلوبهم من الإرهاق ويحتاجون إلى فترة من الراحة. ينتهز أحمد هذه الفرصة ليُذكِّر زملاءه بالمهمة التي تنتظرهم.
أحمد يقوم بتثبيت حاوية اللقاح المُبَرّدة على ظهر حمار. تساعد الحمير في نقل اللقاحات المُنقِذة للحياة، فضلاً عن المولدات التي تحافظ على اللقاحات باردة.
"عندما نكون مستعدين للتحرك، يتعين علينا التأكد من أن الحِمل مثبّت بإحكامٍ على ظهر الحمار. جهِّزوا أنفسكم واستعدوا لتسلق الجبل. عندما نصل إلى القرى، نحتاج إلى تسجيل عدد الأطفال في كل بيت. إذا كان المنزل لا يوجد به طفل، أكتبوا ذلك أيضاً - حتى لو كان البيت مُسَكَّراً بقفل،" يقول أحمد، في قصة نشرتها المنظمة بموقعها.
بعد صعود وهبوط متعرّجين، يصل أحمد وفريقه أخيراً إلى قرية الانف. يكون الأطفال وأسرهم في انتظارهم بفارغ الصبر. لقد عرَفوا من خلال الإعلانات في الإذاعة قبل عدة أيام من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال أن فريقاً للتطعيم سيزور قريتهم قريباً.
ورغم التعب والإجهاد، يبدأ الفريق في عملية التطعيم بلقاح شلل الأطفال على الفور. يُعطَى كل طفل تحت الخامسة من العمر نقطتين في الفم. كما يُعطى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 شهراً مكمّلات فيتامين أ للمساعدة في تعزيز مناعتهم.
"هذا اللقاح سيحمي طفلكم من مرض شلل الأطفال،" يُخبر أحمد أولياء أمور الأطفال وقد أمسك بقارورة اللقاح في يده. "إذا أصيب طفلكم بشلل الأطفال وأصبح مُعوَّقاً فسيعاني من ذلك جميع أفراد الأسرة، لأنه سيتعيّن عليكم رعاية الطفل وحمله إلى كل مكان، حتى إلى المرحاض."
سباق وتحديات
وفقاً لأحمد، يغطّي فريقه حوالي 20-30 أسرة كل يوم على مدار الحملة التي تستمر لمدة ثلاثة أيام. بعد تطعيم الطفل، توضع علامة على إصبعه السبابة، كما توضع علامة على منزله أيضاً. الغرض من ذلك هو التأكد من عدم ترك أي طفل بدون تطعيم. كما تُساعد العلامة التي توضع على المنزل الفريقَ في معرفة أين انتهى به العمل في اليوم السابق، وأين سيستأنف عمله في اليوم التالي.
"نحن بحاجة إلى تطعيم أطفالنا لأنهم جزء منّا،" يقول أحمد، ويضيف قائلاً: "إننا لن نترك ولا حتى طفلاً واحداً بدون تطعيم."
تأتي هذه الحملة في وقت حرج حيث السكان، وبخاصة الأطفال، في غاية الضعف. فبينما يعيش الأطفال في اليمن على حافة المجاعة وينتشر سوء التغذية على نطاق واسع، يواجه الأطفال مخاطرَ كبيرة للغاية لانتشار الأمراض. وعلاوةً على ذلك، فإن أكثر من نصف المنشآت الطبية اليمنية في 16 محافظة رئيسية في البلاد مغلقة أو تعمل بشكلٍ جزئي، كما أن النظام الصحيّ على وشك الانهيار.
وقامت اليونيسف، جنباً إلى جنب مع شركائها ومع السلطات الصحية، بتوسيع مجال دعمها للتطعيم من خلال توفير اللقاحات للأطفال وكذلك الأدوية اللازمة لعلاج أمراض الطفولة الشائعة، مثل الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي.
بينما مصير النظام الصحي معلقٌ في الميزان، تُعَدُّ مثل هذه الحملات مفيدة ولكنها ليست مستدامة. لا تستطيع هذه التدخّلات وحدها تلبية الاحتياجات الطبية للسكان بأكملهم. يحتاج النظام الصحي إلى الاهتمام به بشكلٍ عاجل، وقبل كل شيء ينبغي وضع حدٍّ للصراع.