مع دخول العمليات العسكرية لـ"التحالف العربي" في اليمن عامها الثالث، شهد هذا البلد تغيّرات كثيرة، وساهم التدخل العسكري الحازم في تكوين خارطة جديدة لموازين القوى والسيطرة فيه، بعد حرب شديدة الحدة دفع ثمنها اليمنيون جميعاً، ولا يزالون. بصورة موجزة، باتت الحكومة الشرعية المدعومة من "التحالف العربي"، تسيطر على أكثر من ثلثي البلاد وتضيّق الخناق البري والبحري والجوي على المحافظات الواقعة تحت سيطرة تحالف جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. لكن على الرغم من ذلك، لا تزال سلطة الشرعية وقبضتها في المناطق التي تصفها بـ"المحررة" من الانقلابيين، ضعيفة، وتواجه العديد من التحديات. فالواقع أن الحرب وما أحدثته من انقسام سياسي وعسكري وبروز للانتماءات المناطقية والمجموعات المسلحة المتعددة، جعلت البلاد منقسمة عملياً بين أكثر من مركز. ويتجلى الفرز إلى شمال وجنوب في مقدمة الانقسامات. وإن كان ثمة درس من حرب السنتين، فهو ربما أن الحسم العسكري صعب جداً في الحالة اليمنية الراهنة، وأن الحل السياسي يكاد يكون خياراً وحيداً، وهو ما تدركه قيادة غرفة العمليات العسكرية للتحالف العربي، وتترجمه لفظياً بصورة مواقف من نوع ما ورد في أولى ساعات عمليات عاصفة الحزم حول أن الهدف من الحرب هو إرغام الانقلابيين على قبول الدخول بمفاوضات سياسية جدية.
وللحديث عن تغيرات أنتجها عامان من تدخل "التحالف العربي" الذي بدأ عملياته العسكرية في 26 مارس/ آذار 2015، لا بد من الإشارة إلى الواقع الذي سبق التدخل. آنذاك، كان الحوثيون وحلفاؤهم يسيطرون على أغلب المحافظات اليمنية شمالاً وغرباً بما فيها العاصمة صنعاء، التي قام الحوثيون باجتياحها في 21 سبتمبر/ أيلول 2014. وفي يناير/ كانون الثاني 2015، وضعوا الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية وأجبروه على الاستقالة. إلا أنه تمكن من الإفلات من قبضتهم، وغادر إلى مدينة عدن (ثاني أهم مدن البلاد)، في 21 فبراير/ شباط 2015، ليعلن العدول عن الاستقالة، ويعتبر عدن "عاصمة مؤقتة".
في تلك الأثناء، كان الحوثيون وحلفاؤهم يسيطرون على أغلب المحافظات الشمالية. وكان نفوذهم يمتد إلى عدن ومحيطها من خلال القوات العسكرية والشخصيات المحسوبة على حليفهم صالح. وقرروا ملاحقة الرئيس هادي إلى عدن عسكرياً. وكانت المؤشرات تعكس سعيهم لاستكمال قبضتهم على البلاد، إذ كان الحليفان القوة الأولى بلا منازع في تلك المرحلة. لذلك، ولكي يتم تجنب سيناريو كهذا، جاءت عمليات "التحالف العربي" استجابة لطلب الرئيس هادي، وأصبحت بالتالي مواقع الانقلابيين هدفاً لغارات جوية مكثفة، أدت إلى تغيير موازين القوى على الأرض.
مراحل التحول
التحول النوعي بدأ منذ الأيام الأولى لانطلاق عمليات "التحالف" تحت اسم "عاصفة الحزم". وقد تألف "التحالف" في البداية من عشر دول، منها خمس دول خليجية (قطر والإمارات والكويت والبحرين والسعودية)، باستثناء عُمان، إضافة إلى مصر والمغرب والأردن والسودان وباكستان. وتمكن التحالف من السيطرة على كامل المياه والأجواء اليمنية، ونفذ آلاف الضربات الجوية، استهدفت عدداً كبيراً من المعسكرات ومواقع الانقلابيين، تتوزع على ما يصل إلى 17 من بين 22 محافظة يمنية. وركز على معسكرات ألوية الصواريخ البالستية بأطراف صنعاء. وفي 21 إبريل/ نيسان 2015 (بعد 27 يوماً من انطلاق العمليات)، أعلن "التحالف" انتهاء "عاصفة الحزم"، بعد تدمير جانب كبير من القوة العسكرية التي كان يمثلها الحوثيون وحلفاؤهم، بدءاً من القوة الجوية التي جرى تحييدها وتدمير قواعدها منذ الساعات الأولى لعمليات "التحالف".
"إعادة الأمل"... تأسيس المقاومة
بانتهاء "عاصفة الحزم"، أعلن "التحالف" تدشين مرحلة جديدة تحت مسمى "إعادة الأمل". وتشمل مواصلة العمليات العسكرية ضد الأهداف المتحركة مع إتاحة فرصة لاستئناف مفاوضات الوصول إلى حل سلمي في البلاد. لكن الحرب أخذت تتصاعد وفشلت مختلف جهود التسوية، خصوصاً مع تصعيد الحوثيين وحلفائهم مطلع مايو/ أيار 2015 تجاه الحدود السعودية، لتعود العمليات العسكرية بوتيرة متصاعدة.
خلال هذه المرحلة، والتي يمكن تحديد بدايتها في إبريل/ نيسان 2015، بدأت القوى المناهضة للانقلابيين بالتعبير عن نفسها بشكل أوسع وبدعم من "التحالف"، ليتم تأسيس ما يعرف بـ"المقاومة الشعبية"، التي تألفت من قوات نظامية وعسكريين انحازوا للشرعية، بالإضافة إلى مجندين ومسلحين قبليين ومحليين في المناطق المختلفة. وتصاعدت المقاومة في عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة وتعز ومأرب، وتوسعت لاحقاً إلى أغلب المحافظات. وكان صعودها بمثابة حافز لـ"التحالف العربي" لكي يدعمها من أجل السيطرة برياً في ظل نتائج العمليات الجوية التي تستهدف الانقلابيين.
خروج الانقلابيين من الجنوب
مهدت المواجهات والعمليات العسكرية لـ"التحالف" منذ نهاية مارس/ آذار وحتى يوليو/ تموز 2015، لأول إنجاز بري، تمثل بعملية شاركت فيها قوات المقاومة والجيش اليمني، الموالية للشرعية، مع مشاركة محدودة من قوات "التحالف"، وانتهت بإخراج الانقلابيين من عدن التي كانت الهدف الأول لعودة الشرعية. وجرى الإعلان عن تحريرها في 17 يوليو، وتبعها في أغسطس/ آب الإعلان عن تحرير محافظات لحج وأبين شبوة من الانقلابيين، بعد معارك وعمليات جوية لأشهر، خلّفت دماراً واسعاً وآلاف القتلى والجرحى معظمهم من الانقلابيين.
الانتقال إلى الشمال
مع إعلان "التحالف العربي" وقوات الشرعية اليمنية السيطرة على محافظات عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة (باستثناء أجزاء محدودة)، انتهت سيطرة الانقلابيين عملياً في المحافظات التي تُصنف تاريخياً ضمن منطقة جنوب اليمن، وفقاً للتقسيم الشطري السائد قبل إعادة توحيد البلاد عام 1990. وبذلك كانت المحطة التالية للعمليات العسكرية الميدانية لـ"التحالف" وقوات الشرعية في الشمال، وتحديداً محافظة مأرب الحيوية الواقعة وسط البلاد، والتي كانت في الأصل واقعة تحت سيطرة قوات موالية للشرعية في معظم مناطق المحافظة، باستثناء مناطق في الأجزاء الغربية والشمالية في المحافظة.
وعمل "التحالف" خلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2015، على تأمين سيطرة الشرعية على مأرب وتحويلها إلى مركز لقوات الشرعية ومنطلق لعملياتها نحو محافظة الجوف (شمال مأرب)، والأطراف الشرقية لصنعاء، جنباً إلى جنب مع جبهات المواجهات المستمرة في تعز جنوباً وفي أجزاء من البيضاء وإب، بالإضافة إلى فتح جبهة ميدانية غرباً بالتقدم من جهة السعودية.
وبناءً على ذلك، استقرت الحرب منذ أواخر عام 2015 وخلال عام 2016، على عدة جبهات مشتعلة منذ أشهر طويلة، في ظل تقدم مستمر وبطيء لقوات الشرعية، وذلك في أطراف مأرب الغربية ومحافظة الجوف، حيث سيطرت قوات الشرعية على معظم مناطقها. وترافق ذلك مع تقدم ميداني على جبهة مديرية نِهم، شرق صنعاء، وجبهات محافظة تعز، وأجزاء من محافظة البيضاء، بالإضافة إلى منطقتي ميدي وحرض، بمحافظة حجة الحدودية، شمال غرب البلاد. وتضاف إليها جبهات الشريط الحدودي في مناطق سيطرة الحوثيين مع السعودية، وكذلك مواجهات محدودة بأطراف محافظتي شبوة والضالع، وصولاً إلى أجزاء حدودية من محافظة صعدة، حيث نجحت الشرعية بالتقدم إلى أجزاء حدودية منها، من جهة السعودية.
ومع التقدم الواضح الذي تحقق للشرعية في هذه المحافظات خلال تلك الفترة، فقد أخذت العمليات العسكرية طابعاً استنزافياً، خصوصاً بالنسبة للحوثيين والموالين لصالح، الذين يخوضون المعارك دون غطاء جوي ويفقدون أعداداً كبيرة من الضحايا بسبب الغارات الجوية. وبدورها، تأثرت قوات الجيش الموالية للشرعية ورجال المقاومة بصعوبات القتال، لا سيما أن بعض عناصرها ومقاتليها جرى تجنيدهم وتنظيم معظمهم خلال الحرب.
الساحل الغربي
في خارطة الحرب والتحولات الميدانية خلال العامين الماضيين، تبرز معركة "الساحل الغربي" كواحدة من أهم التحولات أخيراً عبر ما يعرف بعملية "الرمح الذهبي". وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف" بدأ يعّد لهذه العملية منذ الأشهر الأولى لانطلاق عملياته العسكرية، تحديداً عقب تحرير المحافظات الجنوبية. وكانت قد بدأت فعلاً في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بتقدم قوات الشرعية و"التحالف" وإعلانهما السيطرة على مضيق "باب المندب" الاستراتيجي، في الجزء الجنوبي من الساحل الغربي، والذي يتبع إدارياً لمحافظة تعز. كذلك، كانت العمليات العسكرية في الجزء الشمالي من الساحل الغربي (في ميدي وحرض بمحافظة حجة) قد بدأت عملياً منذ أكثر من عام، وواجهت مقاومة شديدة جعلتها ساحة كر وفر. ووسط استمرار العمليات الجوية، وبعد حوادث استهداف الحوثيين لسفن في البحر الأحمر (منها السفينة الإماراتية في أكتوبر 2016)، صعّد "التحالف" عملياته وجهّز لعملية كبيرة تحت مسمى "الرمح الذهبي"، جرى الإعلان عنها مطلع العام الحالي. وتمكنت على ضوئها قوات الشرعية التي يدعمها "التحالف"، من السيطرة على منطقتي ذوباب والمخا، وهما أبرز مناطق الساحل اليمني القريبة من باب المندب، ومن شأن السيطرة عليهما تقليل قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة في الممر الدولي.
تغير موازين ولا حسم
أمام العدد الكبير من الغارات الجوية التي وصلت، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام غربية أخيراً، عن المتحدث باسم "التحالف العربي"، اللواء أحمد عسيري، إلى 90 ألف طلعة جوية، أبدى تحالف الحوثيين وصالح صموداً أكثر مما كان متوقعاً، بالاستفادة من مؤسسات الدولة ومخازن الجيش التي وضعوا أيديهم عليها. ومع ذلك، فقد أدت المواجهات الميدانية في معظم الجبهات، إلى الهزيمة الإجبارية للانقلابيين، إلى حدٍ أصبحت معه دائرة سيطرتهم تضيق كل يوم، كما اقتربت المواجهات من معاقلهم في صنعاء وصعدة.
في المقابل، نشأت في أوساط الشرعية قوات جديدة مؤلفة من خليط من عسكريين ومجندين في صفوفها، أصبحت كبيرة من حيث العدد والعدة، لكنها ذات ولاءات متعددة. ففي عدن ومحيطها، باتت السيطرة محصورة بعدد غير قليل من معسكرات الجيش والأمن، تكونت من عسكريين ورجال مقاومة ومجندين، جلهم تقريباً من أبناء المحافظات الجنوبية. وفي حضرموت، تأسست أيضاً قوات جديدة أمنية وعسكرية، وأبرزها ما يعرف بـ"قوات النخبة الحضرمية" من أبناء المحافظة. أما في مأرب، فهناك عدد كبير من الألوية العسكرية التي تضم عسكريي المحافظات الشمالية الذين وقفوا مع الشرعية، فضلاً عن ألوية بكاملها رفضت الوقوف مع الانقلابيين. وتتألف القوة المناهضة للحوثيين في تعز (جنوب غرب البلاد)، من الآلاف من رجال الجيش والمقاومة المناهضين للحوثيين وصالح.
وكانت الحكومة الشرعية قد أعلنت نهاية العام الماضي، أنها صرفت مرتبات ما يزيد عن 200 ألف عسكري في مناطق سيطرتها. وبغض النظر عما يتردد من دقة الكشوفات، لكن من الواضح أن الحرب قد غيرت الموازين العسكرية، وأوجدت قوة لا يستهان بها بمواجهة الحوثيين وحلفائهم. ومع ذلك، تعاني هذه القوة من ثغرة كبيرة تتمثل في أنها باتت تعبر عن تقسيم مناطقي وولاءات محلية أكثر من كونها قوة تتبع مركزياً للحكومة الشرعية. فالقوات العسكرية والعديد من القادة السياسيين والمحليين في الجنوب، يميلون إلى المطالبة بالانفصال، أو بإقليم مستقل ذاتياً على الأقل.
في المقابل، وعلى الرغم من استمرار سيطرة الحوثيين وحلفائهم على صنعاء ومحافظات مهمة بالكثافة السكانية، إلا أن الوضع الداخلي للمحافظات بات في غاية التعقيد، مع تفاقم الخلافات في صفوف الانقلابيين وعجز الدوائر الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم عن دفع مرتبات الموظفين، والحصار الذي يضيّق الخناق على مناطق سيطرتهم، جواً وبراً، وبدرجة ثالثة بحراً. ولم يعد تحت سيطرة الانقلابيين سوى ميناء الحديدة، الذي تراجعت فيه الملاحة بسبب العمليات الجوية في الساحل الغربي، ومن غير المستبعد إغلاقه إذا ما تصاعدت العمليات العسكرية خلال الأشهر المقبلة.
خسائر كبيرة
في ما يتعلق بالخسائر الناجمة عن الحرب، لا يعلن الحوثيون عن إحصائية تحدد عدد قتلاهم من المسلحين أو العسكريين. وفي الوقت الذي تقول فيه تقارير الأمم المتحدة إن ما يزيد عن عشرة آلاف قتيل سقطوا بالصراع في البلاد، تؤكد مصادر قريبة من الانقلابيين لـ"العربي الجديد"، أن أعداد القتلى أكبر بكثير مما يتم تداوله، وبما قد يصل إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر من العدد المتداول، إذا ما تم الكشف عن أعداد القتلى من المحاربين من مختلف الأطراف.
الصواريخ البالستية
وتعتبر "الصواريخ البالستية" التي سيطر عليها الحوثيون والقوات المتحالفة معهم والتي يستطيعون من خلالها تهديد السعودية، من أبرز العناوين المرتبطة بالحرب في اليمن منذ عامين. وركز "التحالف العربي" على استهداف مواقعها منذ الأيام والأسابيع الأولى للحرب. وعلى الرغم من ذلك، فقد أثبتت الأيام أن ضربات الأشهر الأولى لم تدمر الصواريخ. وأعاد الحوثيون تفعيلها، وتمكنوا من إطلاق صواريخ بالستية بين الحين والآخر باتجاه السعودية أو باتجاه مناطق سيطرة الشرعية. وغالباً ما يتم الإعلان عن إسقاط هذه الصواريخ قبل وصولها إلى أهدافها بواسطة الدفاعات الجوية.
وخلال العامين الماضيين، تم التوصل إلى عدة اتفاقات وقت إطلاق للنار، لكن الهدنة ظلت هشّة. وكانت الهدنة الأولى أعلنت في الفترة الممتدة من 12 حتى 15 مايو/ أيار 2015. والثانية بدأت مع انطلاق مشاورات بييل في سويسرا، في 15 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه (تعرضت لخروق منذ الساعات الأولى). والثالثة، تتعلق بهدنة في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية، وبدأت بشكل غير معلن، مطلع مارس/ آذار 2016، ثم جرى الإعلان عنها في الثامن من الشهر نفسه، واستمرت التهدئة الحدودية مع خروقات متقطعة حتى مطلع أغسطس/ آب من العام نفسه. أما الهدنة الأشهر والأطول، فقد بدأت في العاشر من إبريل/ نيسان 2016، برعاية الأمم المتحدة، بعد تأليف لجنة متخصصة بالإشراف على وقف إطلاق النار، مؤلفة من ممثلين عن الطرفين. وقد بدأت عملها من الكويت، ثم انهارت الهدنة تدريجياً مع إعلان انتقال اللجنة من الكويت إلى ظهران الجنوب في السعودية، في 30 يونيو/ حزيران الماضي، إذ رفض الانقلابيون حضور ممثليهم في اللجنة، ما أدى إلى انهيار تدريجي للهدنة، وتأجيل الحل في اليمن إلى أجل غير مسمى.