اضطرت زعفران، إحدى النازحات من مدينة تعز، إلى بيع الحصيرة الوحيدة في غرفتها المزدحمة لتتمكن من إعادة تعبئة اسطوانة الغاز المنزلية. بالنسبة لها، فإن الجلوس على أرضية أسمنتية جرداء أقل ألماً من ترك طفليها جوعى.
وتستذكر زعفران: "عندما اشتدت التفجيرات في منطقتنا، اضطررنا للهرب حفاة الأقدام ولم نستطع حتى أن نأخذ معنا أي قطعة ملابس. لجأنا حينها لإحدى المدارس، لكن بعد أيام قليلة طُلب منا أن نغادر المكان وانتهى بنا المطاف في هذا المكان المزدحم بمدينة إب".
وتضيف: "لسنا محرومين فقط من الغذاء والسكن اللائق والعمل، لكننا أيضاً نعاني من الأمراض التي تتطلب أدوية غالية الثمن وزيارات متكررة للمستشفيات".
"لم أكن أتخيل أبداً أن يأتي يوم أضطر فيه إلى التسول في الشوارع كي أنقذ نفسي وأسرتي من الهلاك،" تروي زعفران قصتها ودموعها تتساقط. "كل ما أريده هو سكن ملائم وحصة غذائية فقط".
زعفران واحدة من أكثر من 500,000 نازح فروا من محافظة تعز، وهم يمثلون تقريباً رُبع إجمالي النازحين في اليمن.
وتسبب الصراع المستمر منذ عامين في اليمن إلى إفقار الملايين من اليمنيين، بما فيهم أكثر من مليوني نازح لا يزالون غير قادرين على العودة لديارهم. كما أدى سوء الإصحاح ومحدودية الوصول للمياه الآمنة إلى تدهور الوضع الصحي للنازحين، متسبباً في ازدياد الأمراض الجلدية كالجرب وارتفاع حالات الإسهال المائي الحاد. وباتت أمراض الجهاز التنفسي العلوي والأمراض المنقولة بالنواقل مثل حمى الضنك والملاريا سهلة الانتقال في الظروف غير الصحية والمزدحمة التي يعيش فيها النازحون.
وخلقت حالة النزوح في محافظة إب وغيرها من المحافظات عبئاً على المرافق الصحية العامة.
وبات الطلب على خدمات مركز غسيل الكُلى بمستشفى الثورة العام بمحافظة إب خارج نطاق قدرة المركز الذي يعج بأكثر من 200 حالة جديدة من مرضى الفشل الكلوي النازحين من محافظة تعز. وتوفر أيضاً أقسام أخرى مثل قسم الأطفال والولادة الطارئة خدمات صحية مجانية للنازحين، ما خلق عبئاً مالياً إضافياً على المستشفيات والمرافق الصحية العامة الضعيفة أساساً.
ويقول الدكتور نيفيو زاغاريا، القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن: "نازحون كثيرون اضطروا للفرار من الصراع الشرس ليجدوا أنفسهم يعيشون في فقر مدقع ووسط ظروف صحية قاسية".
ويضيف: "تدهورت الأوضاع الصحية لهؤلاء النازحين جراء النظام الصحي المتعثر وانعدام الأمن إضافة إلى صعوبة الوصول للمياه الآمنة. نعمل سوياً مع الشركاء الصحيين لتوفير الخدمات الصحية والأدوية الأساسية للمرافق الصحية لمساعدتها على تلبية الاحتياجات الصحية الملحة للنازحين وغيرهم من المرضى".
نازحون جدد من مدينة المخا
خلال الشهريين الماضيين، فرَ الآلاف من النازحين من مدينة المخا التي تشهد قتالاً عنيفاً.
"عانينا من الجوع والخوف والفقر. رأينا عند هروبنا جثثاً على الأرض وشاهدنا طائرات الأباتشي تحوم فوقنا،" تستذكر عائشة علي والتي نزحت إلى إب لتعيش حالياً مع ثمانية أفراد داخل خيمة مكتظة بأدوات المطبخ المتسخة والملابس المهترئة والعُلب الفارغة.
وتشرح عائشة: "اعتدنا أن نعيش على مستوى الكفاف، لكننا نعيش الآن بلا مأوى ولا طعام ولا حتى مياه نظيفة. ولأول مرة، اضطررنا إلى شرب مياه البحر، والآن نلجأ إلى أكل بقايا الطعام من المطاعم".
وعن الوضع الصحي، تقول: "كل شخص في هذه الخيمة يعاني من عدة أمراض مختلفة. يعاني أطفالنا من الإسهال والقيء والجرب والحمى. فالأمراض تنتشر بيننا سريعاً".
وفي خيمة أخرى، يعيش وسيم كليب والذي كان يعمل صياداً في مدينة المخا، حيث فر بدوره من الحرب مع 4 أشخاص من عائلته، وأصبح عاجزاً عن شراء أدوية تخفف آلام القولون والمعدة التي يعاني منها.
يحكي وسيم: "أشعر بالحرقة وأنا أرى أطفالي جوعى ومرضى، فيما أنا عاجز عن مساعدتهم. هذه الحرب أذلتنا وأصابتنا بالشلل".
وفيما توفر المستشفيات والمرافق الصحية خدمات الاستشارة المجانية للنازحين، إلا أن هناك تكاليف أخرى مرتبطة بالتنقل من وإلى المرافق الصحية إضافة إلى تكاليف شراء الأدوية التي يصفها الأطباء. وغالباً ما تكون هذه التكاليف أكبر من أن تغطيها المبالغ الزهيدة المتاحة لهذه الأسر، وهو الأمر الذي يثبط الكثيرين عن طلب الرعاية الصحية.
ووسعت منظمة الصحة العالمية من تواجدها في محافظة إب، التي تستضيف أكثر من 134,000 نازح، لمساعدة المرافق الصحية التي تكافح لمواصلة تقديم الخدمات الطبية
ويوضح الدكتور نيفيو: "على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته منظمة الصحة العالمية للنظام الصحي، غير أن هناك حاجة عاجلة للمزيد من الدعم للاستجابة للاحتياجات الصحية الضرورية للملايين من السكان في اليمن، بما فيهم النازحين المعرضين للخطر".