أدركت أمينة وعائلتها أنّ الوقت قد حان أخيراً للنجاة بحياتهم، بعد احتدام القتال في الشهر الماضي بالقرب من المحيط الذي يقيمون فيه من أجل السيطرة على ميناء المخا المطلّ على البحر الأحمر والواقع على الساحل الغربي لليمن.
وقالت أمينة وهي أمّ لثلاثة أولاد تبلغ 28 عاماً من العمر: "واجهنا الخطر من السماء والأرض على حدّ سواء. اختبأنا في المنزل لغالبية الوقت، ولكنّ عندما أصبحنا على وشك أن نُقتَل وتضرّر منزلنا من القتال، اضطُررنا إلى المغادرة".
حشرت أمينة وزوجها وأطفالهم، مع عائلتَيْن من جيرانهم، أنفسهم في سيارة اصطحبتهم إلى مكان آمن وتقاسموا كلفة النقل التي بلغت 180 دولاراً أميركياً بينهم. وقد استغرقت هذه الرحلة أربعة أضعاف الوقت الذي تستغرقه عادةً وهو ساعتَيْن، إذ إنّهم اضطّروا إلى استخدام الطرق الفرعية الضيقة لتجنّب القتال الدائر.
وقالت أمينة: "لم نتمكّن من اصطحاب أي شيء معنا، لا طعام ولا ملابس ولا أي ممتلكات أخرى إذ بالكاد كان هناك مساحة متوفرة للأفراد. وبالتالي غادرنا منزلنا ونحن لا نحمل بحوزتنا أي شيء".
اجتازوا مسافةً 150 كيلومتراً تقريباً ووصلوا إلى بلدة بيت الفقيه في محافظة الحديدة المجاورة، حيث تقيم أمينة وعائلتها منذ أسابيع متعددة في شقة قدّمها لهم المجتمع المحلي. وقالت أمينة: "عندما وصلنا إلى الحديدة لم يكن بحوزتنا أي شيء، ولكنّ أبناء المجتمع المحلي كانوا أسخياء جداً. وبالرغم من أنّهم يعانون الأمرّيْن أيضاً، قدّموا لنا مكاناً للإقامة فيه وساعدونا".
ولكن رغم المساعدة التي قدّمها السكان المحليون ومواد الإغاثة التي حصلوا عليها من المفوضية بما في ذلك الحصائر والبطانيات وفرش النوم والدلاء وأواني الطبخ، لا يزال وضع العائلة غير مستقر. وقالت أمينة: "الحياة صعبة جداً. ليس لدينا ما يكفي من الطعام والمياه ونحن مرضى.
ويعاني الكثير من الأفراد من الأمراض المعدية مع أطفالهم ويُضعف الخوف أجسامنا وعقولنا. أريد العودة إلى المنزل ولكنّ كافة المعلومات التي تصلنا تقول بأنّ الوضع في بلدتنا لا يزال غير آمن. كلّ ما أريده هو أن يحلّ السلام في بلدي اليمن".
وقال المتحدّث باسم المفوضية ويليام سبيندلر خلال مؤتمر صحفي عُقد في جنيف يوم الجمعة (10 مارس) بأنّ تفاقم الأعمال العدائية في غرب ووسط اليمن أجبر ما يزيد عن 62,000 شخصٍ على الفرار من منازلهم خلال الأسابيع الستة الأخيرة بما في ذلك 48,400 شخص من الساحل الغربي في محافظة تعز حيث يقع ميناء المخا.
وأضاف: "يحتاج غالبية النازحين بصورة ماسة إلى المساعدة وهم عثروا على المأوى في أماكن جماعية وعامة بما في ذلك المدارس والمرافق الصحية بينما يعيش أشخاص آخرون في مبانٍ غير مكتملة أو في العراء".
وأكد سبيندلر بأنّه تمّ الإبلاغ عن عدد من حالات سوء التغذية من بين هؤلاء النازحين بما في ذلك العديد من الأطفال. كما يؤدي الاكتظاظ والظروف غير الصحية في مناطق النزوح إلى تفشي الأمراض.
استجابت المفوضية وشركاؤها بسرعة لاحتياجات النازحين من تعز إلى الحديدة واحتياجات نازحين آخرين في جميع أنحاء البلاد مع تقديم المأوى ومواد الإغاثة الملحة التي قال العديد من الحاصلين عليها بأنّها المساعدة الإنسانية الوحيدة التي وصلتهم حتى الآن. ولكنّ القتال يعيق حالياً الوصول إلى ما يزيد عن 35,000 شخصٍ نازح ضمن محافظة تعز نفسها.
ودعت المفوضية للسماح باستئناف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة مع محاولة تعبئة الدعم للاستجابة للوضع مع كافة الجهات الفاعلة الوطنية على أرض الواقع. تجربة نزوح أخرى بطلها عدنان البالغ من العمر 26 عاماً الذي فر من المخا قبل عام واحد ولكنّه عاد إليها مع زوجته التي تعاني من مرض مزمن وابنته الصغيرة في الشهر الماضي ليُضطروا إلى الفرار من جديد من منزلهم فور وصولهم إليه تقريباً بسبب القتال الدائر.
وقال: "كنّا نعاني قبل التفاقم الحالي لحدّة القتال في تعز حتى، ولكنّ الوضع الآن لم يعد يُطاق. رأينا الناس وهم يلقون حتفهم أمام أعيننا. بينما أصيب أشخاص آخرون. لهذا السبب، قرّرنا المغادرة".
اضطّروا أخيراً إلى أن يقيموا في شقة صغيرة مع ست عائلات أخرى، حيث يتشارك 22 شخصاً غرفتَيْن اثنتَيْن فقط. ويقول عدنان: "بالرغم من أنّنا نعاني هنا، لا يزال الأمر أفضل من العيش بخطر في تعز".