تشكو "أم خطاب" 42 عاما، حالها إلى إحدى صديقاتها، ودموعها تسيل على خديها، لتعبر لها عن وضع أسرتها المأساوي، بعد خمسة أشهر على انقطاع راتب زوجها الذي يعمل مدرسا في إحدى المدارس الريفية بمحافظة إب منذ نحو عشرون عاما.
بوح المناسبة للأصدقاء
على غير ميعاد مسبق وفي مناسبة خاصة جمعت أم خطاب بصديقتها، كانت الفرصة سانحة للبوح بما تعاني منه بصمت طوال الفترة الماضية، وأفصحت عن حال أسرة يغيب عنها السكر الذي يصنع منه الشاهي الذي لا غنى عنه لأي بيت في كل الوجبات، بالإضافة إلى الدقيق الذي بات حضوره نادرا وبالكيلو كلما توفر المال.
قصة هذه المرأة واحدة من آلاف القصص للموظفين الحكوميين الذين توقفت رواتبهم منذ شهر سبتمبر الماضي، إثر تسخير الانقلابيين أموال الدولة بما فيها الاحتياطي لصالح أعمالهم الحربية.
تعول "أم خطاب" أسرة مكونة من 8 أولاد، أكبرهم عمره 20 عاما، لم يستطع إكمال دراسته بسبب وضع أسرته المالي، ناهيك عن إصابة والده بمرض نفسي، أصيب فيه مؤخرا، فازدادت حالتهم المعيشية مأساوية بتزايد معاناة رب الأسرة، الذي لا يهدأ إلا بعد تناول الدواء، الذي يكلفهم شهريا مبلغ نحو 15 الف ريال، كما تقول لـ" يمن شباب نت".
ومع تفاقم المعاناة وتراكم الديون والايجارات على الموظفين الذين كانوا يعتمدون على رواتبهم، لجأ البعض منهم لبيع ما بحوزته من مجوهرات ودفعت الحاجة غيرهم ممن ليس لديهم غير الأثاث لبيع جزءا منه للبقاء على قيد الحياة.
بيع الأثاث للعيش
ومن هؤلاء أم يوسف التي باعت بعض أثاث منزلها الذي اشترته بالتعاون مع زوجها بالتدريج على مدى سنوات، ولم يكن أمامها من خيار غير هذا رغم قسوته وشعورها أنها تبيع" جزءا من نفسي".
تشرح حالها قبل توقف راتب زوجها الموظف وكيف تحولت حياتهم بعد ذلك إلى جحيم، وتقول لـ" يمن شباب نت" " كنت أعيش مع زوجي في هدوء واستقرار، خصوصا مع استلام زوجي راتبه الذي كان يغطي كثير من احتياجاتنا، كوننا حديثي عهد بالزواج، وليس لنا من الأولاد سوى ولد فقط".
وتضيف بصوت منكسر" مع استمرار انقطاع راتب زوجي الذي يعمل جنديا في وزارة الدفاع، وعدم وجود مصدر دخل لدينا، قررت أغادر الى بيت أهلي، كون حالتهم المعيشية ميسورة"، لكن زوجها حاول مساندتها من خلال شراء دراجة نارية لكي يعمل فيها، بيد أن ضعف خبرته وتعرضه لأكثر من حادث وتكبده خسائر مادية لإصلاح أعطال دراجته أنهى تجربته الجديدة سريعا.
كابوس المؤجرين المستمر
يظل جحيم المؤجرين نارا تصطلي نفوس المستأجرين - والذين غالبيتهم من الموظفين الحكوميين - في السلم والحرب، بيد أن هذه النار قد اشتد أوارها خصوصا مع انقطاع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، والذين هم الشريحة الأكثر تضررا من نار المؤجرين، التي تطارد المواطنين المستأجرين، والذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الحرب وانقطاع الراتب، وسندان نيران المؤجرين الذين لا يمتلك البعض منهم أدنى رحمة، والذين لم يجدوا أي رادع في اخراج بعض الأسر ورميها في مرمى على أرصفة المعاناة والحرمان.
أحمد موظف في وزارة الكهرباء، انقطع راتبه منذ نحو ستة أشهر، ما جعله يعجز عن دفع ايجار الشقة التي يقطنها في وسط العاصمة، وسط مطالبات بإخلاء الشقة من قبل مالكيها، حاول أن يشرح معاناته لمالك العمارة، بيد أنه كان قد اتخذ قرارا بإخراجه، يقول أحمد، اضطررت لإخراج أثاث المنزل الى بيت عمي، وأقنعت زوجتي بالجلوس في بيت اهلها حتى تتحسن الأمور ويستأجر شقه من جديد.
يشرح أحمد معاناته لــ "يمن شباب نت" بالقول" جلست شهرين على هذا الحال، وانا مشرد أنام كل يوم في مكان، وزوجتي وابني وزوجتي في بيت عمي، لكن زوجتي ضاق بها الأمر ذرعا خصوصا مع الحالة الصعبة التي يعيشها أهلها، كون منزلهم ضيق، وأثاث بيتي زادت لهم مشكلة كبيرة لهذا السبب".
ويتابع سرد فصول مأساته "كانت زوجتي تتصل بي تطالبني بالبحث عن شقة وانا أحاول اعطاءها الوعود من يوم لأخر، لأن السبب ليس في الشقة، انما عدم وجود راتب ادفع الايجار، وكلما كانت تتصل بي تبكي وهي تحكي معاناتها التي وجدتها من أسرتها كونها يتيمة ووالدتها ليس لها من دخل سوى مرتب زوجها والذي انقطع ايضا".
تحذيرات ووعود وشكوى
وتكتفي المنظمات الأممية المختلفة بنشر بيانات وتقارير تقرع أجراس الخطر وتحذّر من اقتراب وقع اليمن في المجاعة التي بدأت مؤشراتها المرتفعة تظهر بعدد من المحافظات مثل الحديدة غرب البلاد.
وتقول تقارير الأمم المتحدة الحديثة إن 19 مليون يمني بحاجة للمساعدة العاجلة خلافا لملايين المحتاجين للرعاية الصحية، وتتحدث عن حاجتها إلى 123.8 مليون دولار، لمواجهة هذه الالتزامات غير أنها تشكو ضعف التمويل.
الحكومة الشرعية من جانبها تحركت مؤخرا بصرف الرواتب ولكنها صرفت لقطاعات ومؤسسات محدودة للغاية وفي عدد محدود أيضا من المحافظات، وتواصل صرف وعودها وتحديد مواعيد زمنية للتسليم ولا تنفيذ.