نفى مسئولون عسكريون في وزارة الدفاع الأمريكية، أن تكون الولايات المتحدة شاركت بقوات برية بالتزامن مع الغارات الجوية المكثفة التي شنتها الخميس الماضي على مناطق يمنية ضد تنظيم القاعدة. لكن صحيفة الـ"واشنطن بوست" الأمريكية نشرت تقريرا تضمن تصريحات لمسئولين يمنين وسكان محليين اكدوا وجود قوات برية أجنبية شاركت على الأرض بالتزامن مع القصف الجوي.
وبدأت الصحيفة الأمريكية بالإشارة إلى اعتراف البنتاجون بتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية على أهداف لتنظيم القاعدة في اليمن يوم الخميس، معتبرة ذلك على أنه إشارة أخرى تدل على أن إدارة ترمب أقرت توسيع حملة مكافحة الارهاب في اليمن. وكشفة عن مسئولين أمريكيين منح الجيش سلطات (مؤقتة) لتنفيذ هجمات على اليمن دون العودة إلى البيت الأبيض.
اليمن كمنطلق لنهج "ترمب" المتشدد
وتسعى إدارة ترمب إلى تعزيز نهجها المتشدد في مسألة محاربة المجموعات الإرهابية الإسلامية المتشددة حول العالم. وتبين الأحداث التي أعقبت توليه الرئاسة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أنه اختار اليمن للبدء بتنفيذ هذا النهج الذي كان أعلن عنه في غير مرة ضمن حملته الانتخابية.
ولم يكن قد مر أسبوعان فقط على توليه منصبه، حتى بدأت أول عملية رسمية ضد تنظيم القاعدة في اليمن، في 29 يناير/كانون الثاني، حيث قصفت الطائرات الأمريكية، المأهولة والغير مأهولة (بدون طيار)، بلدة نائية صغيرة بمحافظة البيضاء، وسط اليمن.
ومع أن الولايات المتحدة، تنفذ غارات جوية دورية على الأراض اليمنية، بشكل متواصل، إلا أن هذه العملية أثارت موجة من ردود الفعل والانتقادات الواسعة داخل أمريكا قبل خارجها، لما تضمنته من أحداث واسفرت عنه من نتائج. ويأتي في المقام الأول، أنها ترافقت مع إنزال جوي لجنود مارينز على الأرض خاضوا اشتباكات عنيفة مع رجال القبائل وعناصر من تنظيم القاعدة. وقد عد ذلك مفاجأة كون القوات الأمريكية نادرا ما كانت تشارك في القتال على الأرض، آخر مرة كانت منذ عامين تقريبا لتحرير صحفي أمريكي ومواطن جنوب أفريقي بمحافظة شبوة، وبائت العملية بالفشل الذريع، بمقتل الصحفي الأمريكي.
ومن جهة أخرى، تعرضت إدارة ترمب لسيل من الانتقادات الداخلية نتيجة مقتل ضابط صف أمريكي في عملية 29 يناير/كانون الثاني، وقرابة 15 مدنيا يمنيا، فضلا عن سقوط طائرة أمريكية وتدميرها.
عمليات جوية مكثفة وإنزال جوي أخر
وبعد مرور شهر تقريبا على تلك العملية الفاشلة، حتى فاجأت أمريكا الجميع بتنفيذ غارات جوية مكثفة ومتواصلة، بلغت نحو 40 ضربة، في أقل من 24 ساعة صباح ومساء يوم الخميس الماضي، 2 فبراير/شباط، بحسب الأخبار الواردة من المناطق التي تعرضت للقصف، بينما قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها استهدفت تنظيم القاعدة بجزيرة العرب ومعداته وبنيته التحتية القتالية بـ20 غارة جوية في ثلاث محافظات يمنية، هي: شبوة وأبين (جنوب اليمن)، والبيضاء، في الشمال.
وقد وردت تلك التصريحات على لسان المتحدث الرسمي للبنتاجون، النقيب جيف ديفيس، ضمن بيان صدر باسم الوزارة بعد السلسة الأولى من الضربات، فجر يوم الخميس، لكن سلسلة أخرى من الضربات كانت قد عاودت قصف أهدافها في الفترة المسائية من اليوم نفسه، وامتدت حتى دخول صباح اليوم التالي، الجمعة.
ونقلت الـ"واشنطن بوست" عن مسؤول عسكري في وزارة الدفاع، تحدث مع الصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشته معلومات لا يسمح بإعلانها رسميا للعامة، قوله: كان هناك ما مجموعه 25 غارة جوية لطائرات مأهولة وغير مأهولة (بدون طيار)، وهذا رقم كبير جدا من الغارات أجرتها الولايات المتحد في ليلة واحدة في التاريخ الحديث.
ولم يكن بيان البنتاجون، كما هو الحال أيضا في تصريحات المسئولين الأمريكيين، قد ذكر وجود عملية إنزال جوي لجنود على الأرض، بالتزامن مع الغارات الجوية، على عكس ما أكدته تقارير للصحافة المحلية اليمنية.
وتقول صحيفة الـ"واشنطن بوست" إن مسؤولون في البنتاغون نفوا تقارير يمنية تؤكد أن الجيش الأمريكي أجرى هجوما بريا على الأرض بالتزامن مع تلك الضربات الجوية، مع أن القوات الامريكية كانت متواجدة على الارض في نفس الفترة. وتعتبر الصحيفة هذا التواجد للقوات الأمريكية على الأرض، كدليل محتمل آخر لتسريع الهجوم في اليمن. مع أن مسؤولون امريكيون قالوا إن تلك القوات لم تشارك في أي هجمات.
ونقلت الصحيفة، بهذا الشأن، تصريحات المتحدث الرسمي، ديفيس، التي أكد أوضح فيها قائلا: "لدينا قوات العمليات الخاصة الأمريكية التي تدخل وتخرج من اليمن لمساعدة قوات شريكنا في محاربة القاعدة"، لكنه - بحسب الصحيفة - رفض التعليق بشأن أنشطة محددة بعينها في تلك الليلة الفائتة.
تأكيدات الإنزال من الداخل
ونقلت الصحيفة تصريحات لمواطنين يمنيين يصفون فيها تفاصيل هجوم الخميس الماضي، بينهم رمزي الفضلي، مدير المكتب الإعلامي للقوات الخاصة الحكومية في عدن، والذي وصف ما حصل بأنه هجوم جوي متعدد الجوانب، مشيرا إلى أن الهجوم لم تشارك فيه الطائرات فحسب، بل شاركت فيه أيضا سفن امريكية قبالة ساحل اليمن. وقال إنه في حالة واحدة، أصيبت سيارة بالقرب من إحدى المناطق بمحافظة أبين تدعى موجان ""Mowjan، مما أسفر عن مقتل جميع الركاب الخمسة. ويعتقد أن شخصيات كبيرة في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد تكون من بين القتلى.
وقال الفضلي أيضا، إن المسؤولون اليمنيون يعتقدون أن جنودا أجانب، يُعتقد أنهم أميركيون، أجروا عمليات على الأرض في موجان، التي عرفت كمعقل للقاعدة في جزيرة العرب. وأضاف: "شوهدت آثار أقدام للجنود والكلاب البوليسية في المنطقة. .؟.؟. وقال "نحن نتطلع أيضا لمعرفة الهدف من وراء إنزال الجنود الأميركيين في المنطقة، وما هي المهمة التي أنزلوا من أجلها".
كما نقلت الصحيفة أيضا تصريحات للشيخ سالم المرقشي، زعيم قبلي من منطقة موجان، أكد فيها أن المروحيات جلبت معها، في وقت مبكر من يوم الخميس، قوات من مواقع بحرية إلى منطقة تدعى النخيلة. وأضاف "نحن نعتقد أن الجنود كانوا امريكيين لأنهم قدموا من البوارج، وكما هو معروف لدى الصيادين والسكان المحليين في المنطقة أن البوارج الموجودة في تلك المنطقة هي أمريكية". ويضيف أيضا: "لقد شاهدهم السكان المحليون من على بعد مسافة كيلومتر واحد تقريبا [0.6 ميل]".
وقال إن السكان المحليون لم يلاحظوا أي إطلاق نار في المنطقة، وأن القوات الأجنبية غادرت على متن مروحية "عند الفجر تقريبا."
وتصريح ثالث لصالح أبو عودل، رئيس تحرير موقع "اليوم الثامن" الإخباري اليمني، أشار فيه إلى تلقيه إفادات من سكان في منطقة موجان يعتقدون أن القوات الأجنبية على الأرض قد تكون من دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك بسبب المواد التي خلفوها وراءهم. وقالوا إنهم انصرفوا بعد فترة قصيرة من وصولهم.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن القوات الإماراتية أصبحت تعد شريكا مباشرا ووثيقا للولايات المتحدة في اليمن، كما كان الحال في غارة يناير/كانون الثاني، التي كانت أول عملية رئيسية لمكافحة الإرهاب لإدارة ترمب وولدت انتقادات بشأن وفاة أحد ضباط الصف الأمريكيين بالإضافة إلى ما ذكرته التقارير من مقتل مدنيين، فضلا عن سلسلة أخرى من الحوادث التي رافقت العملية.
سلطات "مؤقتة" للجيش الأمريكي في اليمن
وتشير الصحيفة إلى أن موجة النشاط، الذي أعقب هجوم القوات الأمريكية الخاصة في 29 يناير الماضي، يأتي في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إبراز نهجها في مواجهة التشدد في اليمن، البلاد الذي غرق في نزاع أهلي طويل دفعه إلى حافة المجاعة ومكَن متشددي القاعدة في جزيرة العرب من التمدد.
وتقول الصحيفة أن الرئيس ترمب كان قد ظهر نفسه متحمسا بالفعل للموافقة على العمليات الحساسة في اليمن، من خلال غارة 29 يناير التي أسفرت عن مقتل ضابط صف البحرية وليام "ريان" أوينز، إضافة إلى سقوط عشرات المدنيين، بحسب تقارير محلية.
وتضيف الصحيفة، أن الجيش الأمريكي ما زال أيضا يريد صلاحيات إضافية لإجراء العمليات في اليمن، بما في ذلك القدرة على إجراء الضربات الجوية المتواصلة في أجزاء من اليمن، والمشاركة في الغارات مع قوات النخبة من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تم تخصيصها لليمن.
وبهذا الخصوص، كشفت الصحيفة عن مسؤول بوزارة الدفاع تأكيده أن الجيش قد مُنح سلطة مؤقتة لإجراء العمليات الجوية المكثفة ضد القاعدة في جزيرة العرب في بعض المناطق اليمنية. وأن المنح لتلك السلطة جاء بناء على ما يعُرف في المصطلح الحكومي كـ"منطقة عداء نشطة" والتي عادة ما تتيح للجيش من شن غارات بعيدا عن عملية الموافقة المطولة التي يتعامل بها البيت الأبيض.
وترى الصحيفة أن هذا الأمر، يشابه تلك السلطة التي تم منحها للجيش الامريكي في مدينة سرت الليبية، حيث شن حملة قصف جوية استمرت لعدة أشهر ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العام الماضي.
إلا أن المسؤول، بحسب الصحيفة، أمتنع عن الحديث بشأن حدود الفترة الزمنية التي ستدوم فيها تلك السلطة المؤقتة للجيش. وقالت إنه في حال منحت السلطة المؤقتة لفترة طويلة، فإن ذلك يمكن أن يتيح القيام بضربات مكثفة بشكل أكبر، مثل تلك التي وقعت الخميس الماضي، وعلى مدى فترة طويلة متواصلة.