جاءت العمليات العسكرية البحرية التي نفذتها الميليشيات الانقلابية في اليمن (تحالف: الحوثي-صالح)، مع مطلع أكتوبر/تشرين ثاني الماضي، ودمرت سفينة أمارتيه، الحقتها بمحاولتين أخريتين باستهداف مدمرة أمريكية قبالة المياه الإقليمية اليمنية، لتثير العديد من التساؤلات، بينها تطور القدرات العسكرية لهذه الميليشيات.
ولكن، ماذا بشأن إخفاق التحالف العربي، بقيادة السعودية فيما يتعلق بجانب العمليات البحرية؟
هذا ربما قد يكون هو الأهم، في نظر الباحث اليمني في الشئون الاستراتيجية "علي الذهب"، لاسيما بعد مرور قرابة عامين على تدخل التحالف العربي في معارك إعادة الشرعية في اليمن، والحفاظ على الأمن الإقليمي لدول التحالف، بشكل عام، والأمن القومي للمملكة السعودية بشكل خاص.
في مقاله الأخير لـ"يمن شباب نت"، تحت عنوان "إخفاقات العمليات البحرية للتحالف"، يحاول الباحث اليمني المعروف "علي الذهب"، الإجابة على السؤال. حيث يبدأ السباحة أولا في سطح العمليات البحرية العسكرية للميليشيات الانقلابية، تمهيدا للغوص عميقا في بحر التحالف العربي للتنقيب عن أسرار إغفاله هذا المسرح وأسباب توقفه في المنتصف.
وتكمن أهمية مقال تحليلي كهذا، كونه الأول (تقريبا)، الذي يسبر أغوار معركة التحالف على المسرح البحري، مع توضيح جغرافية وحدود هذا المسرح المهمل، وتفصيل أهميته الاستراتيجية بالنسبة للميليشيات، الأمر الذي يجعلها تحافظ عليه بكل قوة، مع ذكر وشرح العوامل والأسباب التي جعلت التحالف العربي يوقف مواصلة عملياته على هذا المسرح المهم، الأمر الذي خلق فراغا مناسبا للميليشيات للتحرك فيه بحرية واستغلال هذا الفراغ في تقوية عملياتها العسكرية، ليس فقط في مسرح الجغرافية البحرية، بل ومحيطها وأمتداداتها.
ونظرا لهذه الأهمية، يقوم "يمن شباب نت" بعمل تقرير بأهم ما تضمنه المقال، لمن فاته قرأته..
يبدأ الكاتب بالتذكير أن التحالف العربي، بقيادة السعودية، كان بدأ عملياته العسكرية على المسرح البحري خلال العام الأول بشكل مقبول، مستعرضا بعض العمليات الهامة التي تمت على هذا المسرح. بعد أن أعتبر معركة "عاصفة الحزم" التي أطلقها التحالف العربي في 26 مارس/ آذار 2015، بدت وكأنها "مثلث غير متساوي الأضلاع". في إشارة إلى النقص الحاصل في الضالع الثالث المتمثل بمسرح العمليات الحربية، والذي بدأ لكنه لم يكتمل. حسب الكاتب.
أربع مناطق ساحلية مرشحة.. ولكن..!!
وفصَل، وفقا لآراء خبراء عسكريين، أربع مناطق ساحلية كانت مرشحة لينفذ فيها التحالف "عمليات إبرار بحري" للقوات المهاجمة، هي: (1) أهم رؤوس الشواطئ الواقعة بمحافظة عدن في جهتيها الشرقية والغربية؛ (2): أهم رؤوس الشواطئ الواقعة بين باب المندب وميناء المخأ؛ (3): رؤوس الشواطئ التي تربض عليها بعض المواقع العسكرية بمدينة الحديدة وامتداداتها في الجنوب والشمال منها؛ (4): مدينة ميدي القريبة من الخط الحدودي البري والبحري الفاصل بين اليمن والمملكة العربية السعودية.
لكن الملاحظ، بعد مرور عشرين شهرا من انطلاق العملية، بحسب الكاتب، أن وضع مناطق الساحل الغربي التي رشحتها تلك الآراء والتوقعات، لم يطرأ عليها تغيير جوهري فاعل، باستثناء ميناء ميدي، وجزر حنيش وزقر في إطار المنطقة العسكرية الخامسة، وجزيرة ميّون، بمضيق باب المندب، وأجزاء من ساحل مديرية المندب، في إطار المنطقة العسكرية الرابعة، فيما ظلت مراكز هامة من هذا الساحل، مثل: ذو باب، والمخأ، والحديدة، مناطق سيطرة للحوثيين، ولم يحاول التحالف تحريرها من خلال معركة مكتملة الأركان كمعركة تحرير عدن.
وفي المقابل، يرى الكاتب أن الحوثيون (وحلفاؤهم)، استغلوا الكثير من المعطيات الإيجابية في مناطق الساحل الغربي، لضمان انتظام تدفق الإمدادات اللوجستية والأسلحة المهربة لدعم موقفهم القتالي في كافة الجبهات، والتوسع أكثر في المناطق القريبة من هذا الساحل؛ كـ"تعز" وجوارها، وتلك البعيدة الملتهبة بالمعارك، وإعاقة أي محاولات لزعزعة سيطرتهم على العاصمة صنعاء.
استغلال الفراغ لتطوير القوة وتوسيع السيطرة
وأعتبر الباحث "الذهب" أن واقعتي استهداف الحوثيين لسفينة "سويفت" الإماراتية وتدميرها، مطلع شهر أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وكذا تلكما المحاولتين الفاشلتين لاستهداف مدمرتين أمريكيتين في الشهر ذاته، تؤشر بوضوح على التحول الذي طرأ على أدائهم في مسرح العمليات البحري..، فيما أن تلك الوقائع – في المقابل – تعد مؤشرا سلبيا على أداء التحالف في تأمين الملاحة البحرية، وفي المهام الاستخبارية التي تضم المراقبة، والرصد، وتبادل المعلومات. حسب الكاتب.
وإلى جانب ذلك، يستشهد الكاتب ببعض ما يجرى تداوله من معلومات بمناطق الساحل الغربي، تفيد باستخدام الحوثيون وسائل متحركة للاستطلاع البحري وتبادل المعلومات وتوجيه الأوامر، جرى استحداثها عقب الغارات التي شنتها طائرات التحالف على محطات رادارية ونقاط استخبارية ثابتة هناك، ولم تستبعد المعلومات أن تكون مزودة بهواتف خلوية متصلة بالأقمار الاصطناعية، وأنهم أسندوا مهام إعداد وتنفيذ هذه المهام ومهام الهجمات على الأهداف البحرية، إلى كوادر مدربة تنتمي إلى وحدات مكافحة الإرهاب ووحدات خاصة تابعة للجيش السابق، مشيرا بهذا الصدد، إلى ورود أسماء من منتسبي تلك القوات ضمن قوائم التعزية والتأبين التي ينشرها الحوثيون تباعا.
وفي سياق استغلال إخفاق التحالف في هذا المسرح، ينبه الكاتب إلى عدم إغفال نشاط استخباري رديف تضطلع به البحرية الإيرانية، في إطار عمليات تخادم راهنة ومستقبلية بينها وبين الحوثيين، أكدتها تصريحات مسئولين إيرانيين بشأن نوايا بلادهم في إقامة قاعدة بحرية على الأراضي اليمنية المشاطئة للبحر الأحمر، معتبرا أن هذا يعزز الرأي القائل أن البحرية الإيرانية قد تكون هي من زود الحوثيين بمعلومات دقيقة حول حركة السفينة الإماراتية التي تم تدميرها والمدمرتين الأمريكيتين المستهدفتين، لا سيما بعد أن أحبطت السفن الحربية للتحالف أكثر من محاولتين لإمداد الحوثيين بالسلاح والمواد التموينية خلال العامين الماضيين، وكان مصدرها إيران.
ويعزز حديث الكاتب بشأن استغلال الميليشيات للبحر لاستمرار تدفق الأسلحة المهربة إليهم من إيران، عدة تقارير محلية وأقليمية ودولية متطابقة، كان آخرها تقرير حديث صدر يوم أمس الأربعاء 30 نوفمبر، عن مؤسسة أبحاث التسلح في الصراعات (كار)، ومقرها بريطانيا، وتناولته وكالة "رويترز"، أكد تورط إيران في تهريب أسلحة لميليشيات الحوثي في اليمن، بعد أن أوضح أن ثلاثة قوارب شراعية ضبطتها اساطيل بحرية غربية خلال هذا العام وجدت فيها أسلحة تطابقت مع أسلحة تمت مصادرتها من مقاتلين حوثين في اليمن. ونقلت رويترز، عن جوناه ليف مدير العمليات في المؤسسة المتخصصة في أبحاث السلاح، قوله إن هذا التقرير "يقدم دليلا يشير إلى أن إيران لها يد في إمداد السلاح للصراع في اليمن". |
الأهمية الاستراتيجية للساحل الغربي للحوثين
ويستعرض الكاتب "الذهب" ضمن مقاله المنشور في "يمن شباب نت"، الأهمية الاستراتيجية لمناطق الساحل الغربي، والتي تجعل الميليشيات تصر على الحفاظ عليها، من حيث أنها تحتوي على عدد من الموانئ والمرافئ البحرية الرئيسة والثانوية، والمطارات، ومراكز نقل وإمداد وتوزيع أنواع مختلفة من الطاقة، وشبكة طرق تربط بينها وبين المدن الكبيرة والمتوسطة الواقعة في السهل الساحلي الجنوبي، والهضبة، والمرتفعات الوسطى، وتمتعها بميزات طبيعية واصطناعية تحقق الانتشار السريع والتحرك الآمن للقوات.
وبعبارة أخرى، يخلص الكاتب: تعد هذه المناطق عمقا استراتيجيا وتكتيكيا للمناطق خارج جغرافيتها، سواء في ظرف الحرب الراهنة أو في حالة أي تحول يفضي إلى هيمنة أي طرف على هذه المناطق.
|
عوامل وأسباب توقف التحالف
في مطلع مقاله كان الكاتب قد وصف معركة "عاصفة الحزم" التي شنها التحالف العربي، بقيادة السعودية في اليمن، بأنها تبدو وكأنها "مثلث غير متساوي الأضلاع"، معتبرا أن الضلع الثالث الناقص (وليس المفقود كليا) هو عمليات التحالف الناقصة في المسرح البحري، (إلى جانب ضلعي المثلث الأخرين، المعركتين الجوية، والبحرية).
وتحت عنوان جانبي "ضلع المثلث الناقص"، يقف الكاتب أمام الأسباب التي يعتقد أنها أدت بالتحالف العربي إلى إيقاف تقدمه في الساحل الغربي، والتي أرجعها إلى ثلاثة عوامل رئيسية: الأول سياسي؛ والثاني عسكري؛ والثالث جيوسياسي.
وفي العامل السياسي، يتحدث الكاتب عن سببين، يعتقد أنهما أديا إلى إيقاف التحالف مواصلة عملياته البحرية في الساحل الغربي، الأول: تعارض المصالح بين أطراف في التحالف تؤيدها قوى دولية، ترى بضرورة البدء بتهيئة واقع أخر على الأرض، تمهيدا لأي تحول يفرضه خيار الحسم العسكري، وبحيث يحول دون مشاركة تيارات سياسية داعمة للرئيس هادي، معروفة بكونها قوية ومؤثرة وأكثر تنظيما في الساحة اليمنية.
والسبب الثاني في نظره، فيؤخذ في سياق مقررات مؤتمر الحوار الوطني فيما يتعلق بشكل الدولة الفيدرالي والذي عجزت الدولة عن تحقيقه بفرض الأقاليم المقترحة وجعلها أمرا واقعا، مالم فالتحول إلى الأسوأ نحو خيار العودة إلى وضع ما قبل الوحدة اليمنية.
أما العامل الثاني (العامل العسكري)، فمتعدد الأبعاد، بينها: الإنهاك الذي أعترى التحالف في هذه الحرب. وأورد الكاتب بعض نتائجه السلبية؛ إلى جانب قلة القوة البشرية الكافية لخوض معركة اقتحام منطقة مكشوفة وآهلة بالسكان، مثل الحُديّدة، في ظل إحجام دول عربية، كمصر، عن المشاركة البرية؛ والتباس وتناقض الرؤية حول مستقبل ميدان المواجهة المسلحة بعد عملية الحسم.
وثالثا، العامل الجيوسياسي، والذي يرى الباحث أنه يشكل أبزر عوامل توقف الحسم العسكري إجمالا، والحاكم للعوامل الأخرى، وهو ما ينعكس على الموقف من هذه المنطقة باعتبارها منطقة تهديد لمصالح المجتمع الدولي، أخذا بالإعتبار عدة تصورات، هي: قربها من أهم ممر وخط ملاحة دولي (مضيق باب المندب) والبحر الأحمر؛ ولتحاشي تطور الصراع واستطالته، وتحول اليمن إلى بؤرة جاذبة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، لاسيما بعد التضييق عليها في مناطق صراع أخرى كالعراق وسورية؛ وأخرها تلك الأجندة الغربية الخاصة التي لا تتفق مع الأجندة الوطنية، وسعيها لخلق كيانات مجزأة تعلو سطوة الأقليات فيها، لتصبح نواة صراع مستقبلي.
خاتمة: لمن الحسم؟
وبعد كل ما سبق، يصل الباحث "الذهب" إلى نهاية المقال، مقررا هذا النتيجة: "ما يجب الاختتام به، القول إن هذه العوامل خاضعة لتحولات فجائية قد تجعلها أقل تأثيرا، فضلا عن الإرادة الشعبية التي يستحيل وقوف أي قوة أمامها، لكن مع هذا سيكون الثمن مكلفا أمام قوى الاستكبار التي تعمى عن إرادة الشعوب ومصالحها، فلا ترى إلا بالعين التي تكون مصالحها على رأس قائمة المصالح".